2011-12-28, 03:48
|
رقم المشاركة : 9
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
الأحكام في الدنيا تبنى على الظاهر
إن الاحكام في الدنيا تجري على الظاهر و الله يتولّ ألسرائر لاننا لامعرفة لنا بالباطن و الله عز و جل تفرد بهذا الامر و انه تعبدنا بالاحكام الدنيوية حسب الأعمال و الاقوال الظاهرة فيحكم على الشخص بالاسلام بداية بمجرد الاقرار ولا يكتفي بهذا الاقرار بل يترك حتى دخول وقت العبادات و الفرائض و النواهي فيجب عليه الاتيان بالعبادات سواء فعلا او تركا فإن لم يفعل دلّ على بطلان إقراره فنثبت الاسلام الحكمي على الشخص حسب الظاهر اما الاسلام الحقيقي وهو اذا اتى الشخص بالاسلام الظاهري و الباطني و هو الرابح عند الله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني لم أُؤمر ان انقب عن قلوب الناس )) [رواه مسلم].
قال ابن ألقيم رحمه الله : ( و لم يرتب تلك الاحكام على مجرد مافي النفوس من غير دلالة فعل او قول ) [اعلام الموقعين : 3/117].
قال الطحاوي : ( ولا نشهد عليهم بكفر ولاشرك ولا نفاق مالم يظهر منهم شيء و نذر سرائرهم الى الله ) ، قال الشارح ابن ابي العز : ( لأننا قد أُمرنا بالحكم بالظاهر و نهينا عن الظن و اتباع ماليس لنا به علم ) [شرح العقيدة الطحاوية].
قال ابن تيمية رحمه الله : ( وألاعراب و غيرهم كانوا إذا اسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الزموا بالاعمال الظاهرة ، كالصلاه الزكاة و الصيام و الحج ) [مجموع الفتاوى : 7/ 258].
قال ابن رجب : ( من اقر بالشهادتين صار مسلما حكما فإذا دخل في الاسلام بذلك الزم ببقية خصال الاسلام ) [جامع العلوم و الحكم : 21].
قال ابن حجر : ( قال القرطبي ؛ ثم الصحابه حكموا باسلام من اسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد الاوثان فقبلوا منهم الاقرار بالشهادتين و التزام احكام الاسلام من غير إلزام بتعلم الادلة ) [فتح الباري : 13 / 399].
و قال ابن حجر ايضا : ( وكلهم أجمعوا على ان احكام الدنيا تجري على الظاهر و الله يتولى السرائر ) [فتح الباري :12 / 273].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أُمرت ان أُقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و اموالهم الا بحق الاسلام و حسابهم على الله )) [متفق عليه].
وجه الاستدلال : طلب النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال الظاهرة " اسلام حكمي " .
قال ابن تيمية رحمه الله في شرح هذا الحديث : ( معناها اني أُمرت ان أقبل منهم ظاهر الاسلام و أكلُ بواطنهم الى الله فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الحدود بعلمه ولا بخبر الواحد ولا بمجرد الوحي ولا بالدلائل و الشواهد حتى يثبت موجب للحد ببينة او إقرار , الا ترى كيف اخبر عن المرأة الملاعنة انها جاءت بالولد على نعت كذا فهو للذي رميت به و جاءت على نعت المكروه فقال لولا الإيمان لكان لي ولها شأن وكان بالمدينة إمرأة تعلن الشر فقال " لو كنت راجما احدا من غير بينة لرجمتها " ، و قال للذين اختصموا اليه " إنكم تختصمون إليّ و لعل بعضكم الحن حجة من بعض فاقضي نحوما اسمع فمن قضيت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " و ايضا ترك قتل المنافقين مع كونهم كفارا لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعيه ) [الصارم المسلول].
و عن أُسامة بنُ زيد رضى الله عنه قال : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية و صّبحنا الحرمات من جهينه فأدركت رجلا فقال ؛ " لاإله الا الله " فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقال لا إله الا الله و قتلته ؟! " ، فقال : قتلته يارسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : " أشققت عن قلبه حتى تعلم اقالها أم لا ؟! " ، فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت انى أسلمت يومئذ ) [رواه مسلم].
قال النووي في شرحه : ( قوله صلى الله عليه وسلم " أشققت عن قلبه " فيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه و الأصول ان الاحكام يعمل فيها بالظواهر و الله يتولى السرائر ) [شرح مسلم للنووي : 2/107].
و قال ابن تيمية رحمه الله : ( و لا خلاف بين المسلمين ان الحربي اذا أسلم عند رؤية السيف و هو مطلق او مقيد يصح اسلامه و تقبل توبته من الكفر و ان كانت دلالة الحال تقتضي ان باطنه خلاف ظاهره ) [ الصارم المسلول : 329].
وعن مقداد بن الاسود رضى الله عنه انه قال : ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرايت ان لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدىّ بالسيف فقطعها ثم لاذ عنى بشجرة ، فقال " أسلمت لله " أفاقتله ؟ ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لاتقتله فإنه بمنزلتك قبل ان تقتله و انك بمنزلته قبل ان يقول الكلمه التى قالها )) [متفق عليه].
قال النووي رحمه الله : ( " فإنه بمنزلتك .. الحديث " ، فأحسن ما قيل فيه و أظهره ما قاله الامام الشافعي و ابن قصار المالكي و غيرهما ان معناه فإنه معصوم ألدم محرم قتله بعد قوله " لا إله الا الله " كما كنت انت قبل ان تقتله ، و انك بعد قتله غير معصوم الدم و لامحرم ، كما كان هو قبل قوله " لاإله الا الله " ) [شرح مسلم للنووي 2/106].
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال : قام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال : ( يا رسول الله إتق الله ! ) ، فقال : (( ويلك او لست أحق اهل الارض ان يتق الله )) ، قال : ثم ولىّ الرجل ، فقال خالد بن الوليد : ( يارسول الله ألا اضرب عنقه ؟ ) ، فقال : (( لا لعله أن يكون يصلي )) ، قال خالد : ( وكم من مصل يقول بلسانه ماليس في قلبه ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اني لم أؤمر ان انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) ، قال : ثم نظر إليه وهو مقف ، فقال : (( إنه يخرج من ضيءضىء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميةّ لئن ادركتهم لأقتلنهم قتل ثمود )) [رواه مسلم].
وجه الدلالة : " لم أُؤمر أن أنقب عن قلوب الناس " ، إقرأ تفصيل هذه الحادثه في صحيح البخاري مجلد 1، باب استنابه المرتدين .
عن علي بن ابي طالب رضى الله عنه ، قال : ( خرج عبدان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، قبل الصلح فكتب اليه مواليهم ، فقالوا : يا محمد و الله ما خرجوا اليك رغبة في دينك و انما خرجوا هربا من الرّق ، فقال ناس : صدقوا يارسول الله ردهم إليهم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و قال " ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا " . . . و أبى أن يردهم ، و قال هم عتقاء الله عز و جل ) [صحيح سنن ابي داوود 2329].
و سأل ميمون ابن سياه أنس ابن مالك ، قال : ( يا ابا حمزة ما يحرم دم العبد و ماله ؟ ) ، فقال : ( من شهد أن لاإله الا الله و استقبل قبلتنا و صلى صلاتنا و أكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم و عليه ما على المسلم ) [البخارى : 323].
قال ابن حجر : ( و فيه ان امور الناس محمولة على الظاهر فمن أظهر شعائر الدين أُجريت عليه أحكام أهله مالم يظهر منه خلاف ذلك ) [فتح البارى : 1/ 497].
و يقول الله عز وجل : { ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا } .
سبب نزول هذه الآية : قال ابن عباس : ( كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون ، فقال " السلام عليكم " ، فقتلوه ، و أخذوا غنيمته ، فأنزل الله في ذلك الى قوله { عرض الحياة الدنيا } ، تلك الغنيمة ) [فتح الباري : 8/258].
و عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبدالمطلب حين انتهي به الى المدينة : (( يا عباس أفد نفسك و ابني اخيك عقيل ابن ابي طالب و نوفل بن الحارث و حليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال )) ، فقال : ( يا رسول الله و اني كنت مسلما و لكن القوم استكرهوني ) ، فقال : (( الله اعلم باسلامك ان يكن ما كان حقا فالله يجزيك به فأما ظاهر امرك فقد كنت علينا فافد نفسك )) [رواه البخاري].
و عن عبد الله بن عتبه بن مسعود قال : سمعت عمر ابن الخطاب رضى الله عنه يقول : ( إنّ ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و إنّ الوحي قد انقطع و انما نأخذكم الان بما ظهر لنا من اعمالكم فمن اظهر لنا خيرا أمّناه و قربناه و ليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه و لم نصدقه و إن قال ان سريرته حسنة ) [رواه البخاري].
و القاعدة الاصولية : انه لايصح صلاح العمل مع فساد النيه ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من المنافقين ظاهرهم الدال على اسلامهم مع علمه انهم كفار في الباطن .
و في سيرة خالد بن الوليد رضى الله عنه في مسيره الى اهل اليمامة لما ارتدوا قدّم مائتي فارس ، و قال من أصبتم من الناس فخذوهم ، فأخذوا مجاعة ابن مرارة في ثلاث و عشرين رجلا من قومه فلما وصل الى خالد قال له : ( يا خالد لقد علمت انني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فبايعته على الاسلام ، وانا اليوم على ما كنت عليه امس فإن يك كذّاباُ قد خرج فينا فإن الله يقول { ولا تزر وازرة و زر اخرى } ) ، فقال : ( يا مجاعة تركت اليوم ما كنت عليه امس و كان رضاك بامر هذا الكذاب و سكوتك عنه و أنت أعز اهل اليمامة و قد بلغك مسيري اقرارا و رضاء بما جاء به ، فهل لا أبيت عذرا و تكلمت فيمن تكلم ، فإن قلت اخاف قوم ، فهلا عمدت اليّ او بعثت الي رسولا ، فقد تكلم اليشكُريُّ و ثمامه بن اثال ) , قال : ( ان رأيت يا ابن المغيرة ان تعفوا عن كل هذا لله ) , فقال : ( قد عفوت عن دمك و لكن في نفسي حرج من تركك ) [مجموعه التوحيد : 239 ، راجع كتب حروب الردة].
كذلك فإن اهل السنة و الجماعة يرون الصلاة خلف مستور الحال من دون ان يسأل عن عقيدته و حقيقة باطنه .
قال ابن تيمية رحمه الله : ( و تجوز صلاة خلف كل مستور حال بإتفاق الأئمة الاربعة و سائر أئمة المسلمين فمن قال لاأصلي جمعة و لاجماعة الا خلف من اعرف عقيدته في الباطن فهذا مبتدع مخالف للصحابة و التابعين لهم باحسان و أئمة المسلمين الاربعة و غيرهم ) [مجموعه الفتاوي : 4/ 542].
[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]
|
|
|