(الترتيبات البريطانية للقضاء على حركة الأخوان النجدية)
[لخلاف بين الأخوان وابن سعود:
بدأت الفجوة تتسع - بعد ضم حائل والحجاز - بين الأخوان وابن سعود أكثر فأكثر(لقد بدءوا يشعرون بالضيق منه لزيادة اتصالاته بالإنجليز) [1].
ولم يكن الأخوان يعلمون أنه كان تحت الحماية البريطانية وفق معاهدة رسمية منذ سنة 1915م، واتفاقية سرية منذ سنة 1911م مع حكومة الهند البريطانية، كما كان تحت إشرافهم منذ خرج من الكويت إلى الرياض سنة 1900م، وقد بدأ شكهم في علاقاته مع الإنجليز يزداد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، حيث كتب النقيب نورمان - الذي كان يتابع الوضع عن قرب إلى حكومة الهند البريطانية سنة 1919م - يقول:
(ابن سعود غير متأكد من وضعه الخاص وهو خائف من النتائج، لقد أعاد تأسيس الأخوان ليوفر لنفسه وسيلة للدفاع عن النفس ضد الهجوم).
وبعد سنوات كتب ألويس ميوسيل تقريرا جاء فيه:
(إن الأخوان وقائدهم - فيصل الدويش - سيكونون أول من يرفض ابن سعود إذا ما أخفق في إتباع مبادئ المذهب الذي يتبعونه، إنهم الآن يتهمونه باعتداله الشديد، وبطاعته المفرطة للأوربيين) [2].
الإجراءات البريطانية السعودية للسيطرة على حركة الأخوان:
1- المواجهة الفكرية والثقافية:
لقد كانت الإجراءات والترتيبات التي اتبعتها بريطانيا لمواجهة حركة الأخوان بالتنسيق مع ابن سعود في سنة 1919م تتمثل في إيفاده جماعة من العلماء والدعاة ليقولوا للإخوان:
(إن الزراعة والحرف والتجارة والصناعة لا تتعارض مع الإسلام، وأن المسلم القوي خير من المسلم الضعيف، وأن الإسلام يشجع على جمع الثروة والممتلكات عن طريق العمل، وفي النهاية سلم الأخوان بهذا التفسير، وقد فاقت مستقرات الأخوان من حيث الزراعة والصناعة المدن والقرى المستقرة القديمة صاحبة الخبرة الأكبر) [3].
كما عقد العلماء في الرياض بأمر من ابن سعود مؤتمرا توصلوا فيه إلى أن الهجرة ليست واجبة على البدو الذين لم يستقروا بعد كالإخوان، وأعيد تفسير كلام محمد بن عبد الوهاب حول وجوب الهجرة من أرض الشرك إلى أرض الإسلام - بما يتناسب مع تطور الأحداث الجديدة في المنطقة بوحي من الإنجليز - وقد تم طباعة فتاوى علماء المؤتمر ونشرها على الإخوان في كل مكان[4].
وطباعة الفتاوى ونشرها أسلوب بريطاني لا عهد للمنطقة به قبل ذلك، فقد حدث في نفس الفترة سنة 1921 - كما ذكر دكسون في كتابه الكويت وجاراتها - أن قام الطيران البريطاني بقصف مسجد الإمام علي وضريحه بالكوفة، فانتشر الخبر، وثار الشيعة في كل مكان في العالم الإسلامي، فتوجه دكسون بأمر كوكس إلى المرجع الشيعي الأعلى كاظم اليزدي الذي كان دكسون يستشيره كثيرا، وطلب منه المساعدة على تهدئة ثورة الشيعة، واعتذر دكسون عن وقوع الحادث وأنه تم بالخطأ غير المقصود، وفاجأه كاظم اليزدي حين قال له: ومن قال إن المسجد قد قصف؟ هذه كذبة يراد منها تشويه سمعة بريطانيا!
فطلب دكسون منه إصدار فتوى بذلك لطباعتها ونشرها على الشيعة في كل مكان في الهند وإيران، وتم له ذلك وهدأت ثورة الشيعة بحيلة كاظم اليزدي وفتواه وطباعة بريطانيا لها ونشرها! [5]
لقد أشكل على الأخوان - الذين كانوا يحسنون الظن بالعلماء - كيف وجبت عليهم الهجرة ابتداء من البدو إلى الهجر حيث يتعلمون الدين والتوحيد، بينما لا تجب على البدو الذين ما زالوا كذلك في نجد والعراق والشام وأطراف الجزيرة العربية؟!
وما الذي يجعل محاولات فتح حائل وغيرها من المدن واجبا وجهادا في سبيل الله وطريقا إلى الجنة، بينما يحرم عليهم فتح العراق والشام وضمها إلى بلد التوحيد؟!
لقد كان الأخوان يستلهمون أهدافهم من مبادئهم التي اعتنقوها، والأصول العقائدية التي حفظوها، دون أن يعلموا بأن السلطة في الرياض تتبع للتاج البريطاني، وتحت الحماية البريطانية رسميا، وملتزمة بمعاهدة سرية مع بريطانيا، تقضي بأن تكون شئونها الخارجية تحت إشرافها!
وقد اطلع بعض المؤرخين النجديين على بعض تفاصيل تلك المعاهدة مبكرا حيث ذكرها ابن بسام في تاريخه، في حوادث سنة 1329هـ - 1911م فقال:
(وفيها عقدت معاهدة بين الإمام والإنجليز على أن يحتل الإمام الإحساء والقطيف ودارين والعقير، ويمنعون عنه الإنجليز أي دولة تأتيه من البحر، ولقاء ذلك يكون تابعا لهم، ولا يحدث محاربات دون علمهم ولا يحارب بدون إذنهم، ولهم حق التفتيش على المعادن في جزيرة العرب واستخراج ذلك، وإذا أراد الإنجليز أن يسير لحرب أي جهة يسير لها وهي تمده). [6]
وهذه الاتفاقية هي قطعا قبل معاهدة سنة 1915م، فهي تتحدث عن احتلال الإحساء الذي تم سنة 1913م، والاتفاقية كانت قبل ذلك بسنتين وقد أرخها ابن بسام في سنة 1911م، بينما الاتفاقية الرسمية كانت سنة 1915م وهي اتفاقية دارين التي جعلت بريطانيا بعدها من ابن سعود (واحدا من الشيوخ الخاضعين لحمايتها والمرتبطين معها بمعاهدات مانعة، وكانت المعاهدة تشمل معظم المواد التي ذكرت في المعاهدات المانعة التي عقدتها بريطانيا مع شيوخ الخليج مثل عدم التنازل وعدم التأجير أو الرهن لأي قسم من أراضيه إلا بموافقة الحكومة البريطانية، وكذلك عدم الاتصال بالحكومات الأجنبية، وحماية ابن سعود من أي اعتداء يقع عليه من أي دولة أخرى) [7].
وما ذكره ابن بسام هو المعاهدة السرية التي على أساسها احتل ابن سعود الإحساء سنة 1913م، ثم تم توقيع الاتفاقية الرسمية سنة 1915م.
2- المواجهة البريطانية المسلحة لقوات الأخوان:
وقد واصل الأخوان سنة 1923م إرسال دعاتهم الدينيين قبل وصول مجاهديهم - كما هي عادتهم - إلى دمشق وسيناء، مما أثار تشرشل الذي كان حينها وزيرا للمستعمرات، فطلب من اللنبي ووزارة الخارجية تقريرا حول الموضوع وعن حجم انتشار حركة الأخوان وأفكارهم في المنطقة، وقد أمر اللنبي القوات البريطانية والمصرية باستخدام القوة ضد الأخوان وقواتهم التي تتقدم نحو الشمال، مما أسفر عن اتفاق بريطاني نجدي بشأن تحديد الحدود بشكل رسمي في العقير، ثم تم بشكل نهائي في اجتماع الهدا بتاريخ 8/11/ 1925م[8].
وقد عبر الأخوان إلى شرق الأردن، لمهاجمة عبد الله في سنة 1922م، وقد تصدت لهم الطائرات والمصفحات البريطانية[9].
وبعد رسم الحدود مع الكويت، والعراق، والشام - وفق الإرادة البريطانية، وما تقتضيه مصالحها في المنطقة، ودون أن يكون لشعب المنطقة العربي أي دور في ذلك التقسيم لجزيرتهم العربية، الذي هو الأول من نوعه في تاريخها كله، ودون رضا الأخوان الذين ما يزالون يؤمنون بضرورة وإمكانية توحيد الجزيرة العربية والشام والعراق - لم يبق أمام ابن سعود إلا الحجاز (باعتباره إرثا شرعيا وقد أوضح عن ذلك في الكثير من تصريحاته العامة والخاصة، وكان كل ما يحتاجه هو مجرد سبب من الأسباب الداعية للحرب).[10]
وقد ساعد ابن سعود على تحقيق ذلك تحول السياسة البريطانية بحسب ما تقتضيه مصالحها (من سياسة موالية للشريف حسين، إلى موقف محايد من النزاع بين ابن سعود والملك حسين الذي كان كل منهما صديقا للتاج البريطاني) [11].
وهو ما لم يكن يعلم عنه الأخوان الذين كانوا يخوضون حرب تحرير وتوحيد ضد الإنجليز، وضد الشريف وابن صباح اللذين تحالفا مع بريطانيا، ولم يدركوا أنهم هم أنفسهم يتبعون سلطة تقع تحت حماية بريطانية ودعم عسكري ومالي منها! وهو الخلل الخطير الذي ستكون نتائجه دموية ومأساوية على النحو الذي سيحصل بعد سنوات قريبة من استكمال بريطانيا وابن سعود لمشروعيهما من جهة، وتطلع الأخوان لاستكمال مشروعهم بتوحيد الجزيرة والشام والعراق وتحريرها من الإنجليز من جهة أخرى!
المخطط البريطاني السعودي للقضاء على الأخوان:
لقد رأت بريطانيا ضرورة القضاء على حركة الأخوان، فلم تعد هناك مبررات لوجودها كقوة عسكرية قد تهدد الوجود البريطاني في المنطقة، وكما يقول جون س:
(وبعد وصول الأخوان إلى البحر الأحمر انتهت قصتهم البطولية عنده، لقد وصلوا الذروة وانتهى مبرر وجودهم، ولم يبق لهم إلا أن يستعرضوا أنفسهم على مسرح التاريخ، فقد بدءوا يتسببون في إحراج ابن سعود، وبعد أن حقق ابن سعود حلمه، أراد إعادة الأخوان إلى نجد اعترافا بجميلهم، ومعهم مكافآت مجزية من المعاشات والأراضي، وكل هذه الغنائم لم يكن الأخوان يريدونها، بل كانوا يريدون ويتطلعون إلى ما لم يكن بوسع ابن سعود أن يأذن لهم به، لقد كانوا يريدون استمرار المسيرة الدينية، ولكن المسيرة إلى أين بعد أن وصلوا فعلا إلى حدود التوسع المسموح لهم به؟ وكان إمامهم قد وضع توقيعه على ترسيم الحدود الذي يتعين عليه أن يحترمه، أو أن تفرض عليه القوة العسكرية التابعة للتاج البريطاني هذا الاحترام، وسرعان ما أدرك الأخوان أنهم غير مرغوب فيهم في الحجاز، وبعد أن حرموا من ثمار انتصارهم الأخير في دخول المدينة وجدة، اكتشفوا أن علماء نجد الوهابيين قد حلوا محلهم، وأصبحوا ذراع ابن سعود اليمنى).[12]
إعلان الأخوان الجهاد على بريطانيا وابن سعود :
لقد أدرك قادة الأخوان بذكائهم الفطري بأن بريطانيا وراء كل هذه الترتيبات، وكما يقول جون س أيضا(لقد كان من بين أكثر الأخوان استياء فيصل الدويش قائد الحملة على المدينة، الشيخ الأعلى في قبيلة مطير القوية، وقد حث فيصل الدويش سلطان بن حميد الشيخ الأعلى لقبيلة عتيبة، وضيدان بن حثلين الشيخ الأعلى لقبيلة العجمان على قسم اليمين لمساندة بعضهم بعض، وقد قام فيصل الدويش بحملة دعائية واسعة النطاق ضد ابن سعود مشيرا إلى أن وجود المراكز على الحدود مع العراق دليل على أن ابن سعود قد باع حقوق بلاده إلى البريطانيين، وقد فعلت حملة فيصل فعلها، فبدأت القبائل تستحث بعضها على الجهاد)[13].
ولم يكن الأخوان في نجد يعرفون أبعاد الصراع بين ابن سعود والشريف حسين، وأنه صراع بين حكومة الهند البريطانية التي تشرف على شئون نجد والعراق وشرق الجزيرة من جهة، والخارجية البريطانية التي تشرف على شئون الحجاز وغرب الجزيرة العربية من جهة أخرى، وكما يقول فرومكين:
(وقد بدا واضحا أكثر فأكثر أن في لندن قوتين متنافستين، تصارع إحداهما الأخرى، من أجل حصة من الإمبراطورية العثمانية، وهاتان القوتان هما المندوب السامي البريطاني في القاهرة، ونائب الملك البريطاني في الهند) [14].
وكما عبر عن تلك الأزمة بين حكومة الهند البريطانية وحكومة لندن الضابط البريطاني في العراق برترام توماس في مذكراته حيث يقول عن أثر الصراع بين الجهتين (جاءت النتيجة بأن مسرحي الفعاليات الحربية أصبح من مسئولية دائرتين أجنبيتين مختلفتين.. وعندما انتهت الحرب كانتا هناك وجهتا نظر حول السياسة التي يجب أن تتبع في البلاد العربية). [15]
إقامة دولة دينية في الحجاز تحت التاج البريطاني:
كما لم يكن الأخوان يعلمون بأن بريطانيا قد قررت تعويض المسلمين - بعد إسقاط الخلافة الإسلامية، التي تمثل وحدة العالم الإسلامي - بإقامة دويلة إسلامية مستقلة تحافظ على مكة والمدينة تحت سيطرة بريطانيا، لا سيطرة أي جهة أخرى حتى وإن كانوا الأخوان الذين قاموا بالاستيلاء عليهما وحمايتهما!
لقد كانت بنود الاتفاقية السرية البريطانية الروسية في 12 مارس سنة 1915م تجعل لروسيا حق السيطرة على اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية، وهو ما سيؤدي إلى ثورة المسلمين في الهند ضد بريطانيا إذا عرفوا بالاتفاقية السرية، وعلموا أن بريطانيا شاركت في تدمير آخر دولة إسلامية مستقلة ذات أهمية وقد كان رئيس الوزراء البريطاني قد كتب عند بدأ الحرب العثمانية يقول :
(قليلة هي الأشياء التي تمنحني سرورا أكبر من سروري برؤية الإمبراطورية العثمانية وهي تختفي نهائيا من أوربا، ورؤية القسطنطينية وقد أصبحت روسية، وهذا ما أظن أنه قدرها المناسب)، وفي مارس 1915م أكد موافقته على طلب روسيا ضم القسطنطينية (أسطنبول) إلى روسيا مقابل دخولها في الحرب بصف بريطانيا وفرنسا، ضد ألمانيا والدولة العثمانية[16].
ذلك الاتفاق الذي طال نقاشه في مجلس الوزراء البريطاني حين بحثوا مستقبل أقاليم الدولة العثمانية بعد سقوطها حتى وصف رئيس الوزراء البريطاني نفسه تلك المناقشات بأنها (أشبه بما يدور بين عصبة من القراصنة)[17].
لقد حرص المسئولون البريطانيون على أن يبقى الاتفاق سرا(وعلى بريطانيا أن تعوض المسلمين عن تدمير الإمبراطورية العثمانية بإقامة دولة إسلامية في مكان آخر، وأنه من وجهة نظر دينية، ولوجود مكة والمدينة، لا يمكن التفكير في إقامة هذه الدولة سوى في شبه الجزيرة العربية)[18].
لقد كانت بريطانيا تعالج آثار كارثة إسقاط الخلافة على العالم الإسلامي نفسيا وروحيا بإيجاد دويلة في الجزيرة العربية ذات طبيعة دينية تحت الحماية البريطانية شبيهة بدولة الفاتكان تحت السيادة الإيطالية!
لقد قام اللورد كتشنر القائد العام في الهند بعد الحرب العالمية الأولى (بالاتصال بذوي النفوذ في تراث الخلافة الإسلامية ومن خلال المسلمين الهنود، وفي مصر من خلال حركة القومية العربية، ورأى إمكانية إعادة الخلافة، وسيسمح ذوو النفوذ في المنطقة لبريطانيا أن تفد إليهم بعد أن يعلنوا الجهاد)! [19]
وقد انتهى كل ذلك بعد سيطرة بريطانيا على المنطقة، وإنهاء وجود الشريف حسين نفسه، بعد تمرده على بريطانيا، وجاء الدور على الأخوان ليتم التخلص منهم بعد أن أدوا المهمة التي كان يطمح ابن سعود إلى تحقيقها منذ ربع قرن وكما يقول جون س:
(ها هم يعودون إلى نجد يحملون معهم استياءهم من ابن سعود والبريطانيين ... وليس من الغرابة أن تتفجر تلك القوة الديناميكية على شكل تمرد بعد أن أعيدت إلى نجد وهي في ذروة قوتها ونجاحها) [20].
لقد انتهى الدور الذي أرادت بريطانيا مع ابن سعود أن يقوم به الأخوان من حيث لا يشعرون، كما يجري اليوم في أفغانستان حين رأت الولايات المتحدة وباكستان أن حركة طالبان الدينية قد قامت بالمهمة، حتى إذا نجحت في السيطرة على أفغانستان وقضت على منافسيها تم القضاء عليها من قبل الولايات المتحدة وباكستان وحلفائها العرب لترسم فصول مشهد جديد يتكرر في العالم الإسلامي منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم!
بداية ثورة الأخوان في نجد:
لقد كان الأخوان وقادتهم يعيشون حالة من الزهو بانتصاراتهم التي حققوها باسم الإسلام وكان فيصل الدويش كما يقول أسد (استولى على حايل سنة 1921م وفي عام 1925م أخذ المدينة المنورة ولعب دورا حاسما في فتح جدة، والآن في صيف 1927م كان يجلس على أكاليل مجده في هجرته الأرطاوية غير بعيد عن حدود العراق). [21]
إلا أن هذا الابتهاج بالنصر لن يدوم، كما يقول جون س: (لقد شعر الأخوان - بعد عودتهم إلى نجد سنة 1925م - بقيادة فيصل الدويش وابن بجاد أنهم هم المسئولون عن الانتصارات العسكرية الكبيرة التي أوصلت ابن سعود إلى مركز السلطة، ولولاهم لما احتفظ بسلطته وسيطرته على الجزيرة العربية ... وعندما عاد الدويش إلى نجد مرة ثانية معززا بالسلطة والنفوذ اللذين كان يحظى بهما في قبيلة مطير، وبروز الأرطاوية، والمركز المرموق الذي يحتله باعتباره الذراع اليمنى لابن سعود، ومما لا شك فيه أن فيصل الدويش قد أصبح أسطورة بين الأخوان، والقبائل الرعوية المرتحلة (البدو) والمستقرة (الحضر)، وعاد سلطان بن بجاد العتيبي عودة الأبطال أيضا فقد خلص الأخوان التابعين له الكثير من مناطق الحجاز من أيدي الملك حسين، وسرعان ما بدأ ضيدان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان المضطربة يشعر بالسخط بتحريض من الدويش وابن بجاد، وكان يتحين الفرصة ليثأر من ابن سعود للقمع الذي مارسه على قبيلة العجمان في الإحساء)[22].
مؤتمر الأخوان في الأرطاوية سنة 1926م:
وفي سنة 1926م عقد الأخوان مؤتمرهم في الأرطاوية وحضره شيوخ قبيلة مطير وعتيبة والعجمان وكانت أبرز اعتراضاتهم على ابن سعود :
أولا :علاقته مع الإنجليز وإرسال ولده فيصل إلى لندن .
ثانيا:الضرائب الموجودة في الحجاز ونجد.
ثالثا:المنع الذي فرضه ابن سعود على التجارة مع الكويت.
هجوم الأخوان على القوات البريطانية في العراق :
لقد قرر الأخوان مواجهة بريطانيا، ورأوا بأن أقرب قاعدة لها هي قاعدة الشعيبة الجوية في البصرة، فقرروا مهاجمتها دون علم ابن سعود الموجود في الحجاز، وقد عاد ابن سعود من الحجاز وكان الوضع السياسي قد تغير كما يقول غلوب باشا(وقد تحقق لدى الأخوان بأنهم هم الذين اقتحموا الحجاز، وليس ابن سعود الذي لم يكن له جيش نظامي، وفي شتاء سنة 1926 - 1927 قام الأخوان بغارات مكثفة وقد وصلت إحدى هذه الغارات إلى نقطة لا تبعد سوى خمسة وعشرين ميلا عن محطة القوة الجوية البريطانية في الشعيبة خارج البصرة، والحقيقة أن الأخوان لو واصلوا غزوهم لاستطاعوا أن يدمروا تلك المحطة برمتها، لقد فشلت القوة الجوية البريطانية فشلا ذريعا في معالجة هذه المشكلة)[23].
مؤتمر الأخوان في الرياض سنة 1927م:
وفي مطلع سنة 1927م تم عقد اجتماع في الرياض حضره ثلاثة آلاف شيخ وقائد من شيوخ الأخوان وقادتهم من قبيلة مطير، وعتيبة، والعجمان، وقحطان، وشمر، وحرب، وعنزة، والهواجر، والمرة، والدواسر، وسبيع، والسهول[24].
وقد تم مناقشة الاعتراضات، وتم توجيه الأسئلة للعلماء النجديين، الذين أجابوا عن كل الأسئلة المطروحة، إلا قضية العلاقة بالإنجليز، التي لم يجب عنها العلماء النجديين، ولم يكن العلماء ولا الأخوان يعلمون عن أساس هذه العلاقة التي تتمثل في معاهدة الحماية التي تجعل من نجد محمية ومستعمرة بريطانية!
وقد انتهى المؤتمر بتجديد ابن سعود تعهداته للجميع بالعمل بالشريعة المطهرة والحكم بها، وتم تجديد البيعة له.
كما تم الاتفاق ثانية بين ابن سعود وزعماء المعارضة الثلاثة (الدويش - ابن حميد - ابن حثلين) لعقد مؤتمر في مدينة بريدة، وعندما حان موعد اللقاء تم (تأجيل الاجتماع حتى يتمكن ابن سعود من التباحث مع البريطانيين في خلافاته مع الأخوان) [25].
فقد كثرت التقارير البريطانية عن خطورة الوضع وقد كان جون جلوب (غلوب باشا) (لا يتردد في التعبير عن كراهيته الشديدة للإخوان فقد كان متعاطفا مع ابن سعود) [26].
إعلان فيصل الدويش للجهاد ضد الإنجليز وابن سعود :
وقد بدأت حركة التمرد الفعلي على سلطة ابن سعود، وكانت هذه الحركة بقيادة فيصل الدويش، وكانت تستهدف استكمال مهمة الجهاد - ولو أدى إلى المواجهة مع الوجود البريطاني في الكويت والعراق والأردن - والذي التزم ابن سعود في معاهداته مع بريطانيا بإيقافه، وقد امتد نطاق التمرد حيث هاجم تراحيب بن شقير الدويش وابن لامي الكويت، وتقدم فيصل الدويش بقواته وعبر الحدود العراقية وكما يقول دكسون(إن المعلومات الموثوقة المتوفرة حتى نهاية سنة 1927 تشير إلى أن قبيلة مطير وحدها كانت خارجة عن السيطرة) [27].
الطيران البريطاني في مواجهة حركة المعارضة :