منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الفلسفة العربية الإسلاميّة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-03-06, 02:17   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

وهكذا نرى أن الفلسفة العربية تأرجحت بين تيارٍ أُعجب بالفلسفة اليونانية فراح ينظر إلى الإسلام من خلالها ، كما فعل معظم الفلاسفة العرب والمسلمين .. وبين تيارٍ استوعب الفلسفة دون أن يجحد روحَ الإسلام ، فوزن الفلسفة بميزان الإسلام كما فعل الغزالي ..
والملفت للنظر في استعراض أهمّ الفلاسفة العرب أنّه منذ حوالي سبعة قرون لم نرَ فيلسوفاً عربياً أو إسلاميّاً مميزاً كالغزالي وابن رشد وغيرِهما ، وفي الوقت ذاته لم نرَ فقيهاً مميزاً كالفقهاء المعروفين .. وفي هذا دليلنا على أنّ الفلسفة العربية بكلّ اتجاهاتها ليست مستقلّة عن مدّ الفكر الإسلامي ، فقد وُلدت في رحم الفكر الإسلامي ، ووصلت أوجها في أوج مدّ الفكر الإسلامي ، ووصلت الحضيض في تراجع مدّ الفكر الإسلامي ..
وعلى الرغم من أنّ بعض فلاسفة الهند يعتقدون هم وأتباعهم أنهم حاملو رسالات سماوية إصلاحية للبشر ، وعلى الرغم من أنّ سقراط كان يعتبر نفسه مبعوثاً من الآلهة ومكلّفاً لتنبيه الناس أنهم يدعون الحكمة وليسوا حكماء .. على الرغم من ذلك فإنّ هذه الفلسفات جميعها كانت غير مؤطَّرةٍ بنصوص سماوية تكون ميزاناً لفلسفة الأمة بعيداً عن أولئك الفلاسفة ..
نحن لا ننكر أنّه من الممكن أن يكون بعض تلك الفلسفات عبارة عن نهايات لرسالات سماوية حُرِّفت مع الزمن ، لأنّنا نرى في هذه الفلسفات رؤىً عظيمةً ورسالاتٍ إصلاحيّةً هامة .. ولا نجحد عظمة تلك العقول التي أضاءت الكثير من الحقائق ، والتي فتحت آفاقاً جديدة للتفكّر ولسمو النفس الإنسانية .. ولكنّ الفيلسوف – في تلك الفلسفات – يصدر عنه النص الفلسفي وبالتالي هو التمثّل البشري لفلسفته ، وقد رأينا كيف أنّ ابن رشد اعتبر أرسطو الممثل الأكمل للفلسفة ، وأنّه أسمى صورة تمثّل فيها العقلُ الإنساني ..
أمّا في الفلسفة العربية فلا نرى ذلك على الإطلاق .. فكلُّ الفلاسفة العرب ، على إطلاق مفهوم الفلسفة الذي يشمل علماء الفقه والعقيدة .. كلّهم يُوضعون في ميزان القرآن الكريم ، ودورهم الفلسفي لا يتعدّى إدراك دلالات ما يحمله القرآن الكريم من فلسفة الوجود وفلسفة المعرفة وفلسفة الحياة بشكلٍ عام ..
فنظريّة الفيض التي جُرف بتيارها بعض الفلاسفة العرب كالفارابي وابن سينا ، لم تلقَ آذاناً صاغية ذات قيمة في الفكر العربي ، لأنها ليست نابعةً من دلالات القرآن الكريم ، فهي – كما رأينا – ليست أكثر من محاولة للنظر إلى مفهوم الخالق الذي خلق كلّ شيءٍ – كما يؤكد القرآن الكريم – من منظار فلسفة غريبة عن فكر هذه الأمة ، تعتبر أنّ صدور الأشياء المركّبة عن الله تعالى تقتضي أنّ الله تعالى مركّبٌ ، وأنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ واحد ، وقد رأينا كيف ردّ الغزالي على ذلك ..
ومحاولة ابن سينا للتوفيق بين رأي أرسطو أنّ الله تعالى لا يعقل إلاّ ذاته وأنّ علم الله تعالى بالجزئيات لا يتّفق مع كماله ، وبين ما يقرّه القرآن الكريم من أنّ الله تعالى يعلم كلّ شيء من الجزئيات إلى الكليات ، هو ما دفع ابن سينا – كما رأينا – للقول بأنّ الله تعالى يعقل الأشياء بسبب توافر علم أسباب وقوعها ، أي أنّ الأشياء الجزئية تُعقل كما تُعقل الكليات من حيث تجب بأسبابها .. وهذا الرأي نرى أنّه لم يجد آذاناً صاغية في الفكر الإسلامي لأنّه نابعٌ من دلالات القرآن الكريم ..
ومحاولة ابن رشد للتوفيق بين الفلاسفة القدماء من أنّ العالم يصدر عن الله تعالى على سبيل الطبع بلا إرادة ، وبين صريح القرآن الكريم من أنّ الله تعالى يفعل ما يريد حيث قال ابن رشد : ( لا يجوز أن يكون صدور الفعل عنه – أي عن الله تعال ى – صدوراً طبيعياً ، ولا صدوراً إراديّاً على نحو مفهوم الإرادة ههنا – أي بين الناس - )(26) هذه المحاولة هي الأخرى بقيت بعيدةً عن فكر هذه الأمة ، وإن وجدت آذاناً صاغية في أممٍ أخرى ..
إذاً الفلسفة العربية تأرجحت بين النظر إلى الفلسفات الأخرى من منظار القرآن الكريم ، وبين النظر إلى القرآن الكريم من منظار الفلسفات الأخرى ..
المــهندس عـدنان الرفــاعي




(26) المرجع السابق – ص : 27