ابن طفـيل :
وُلد حوالي سنة 506 هجرية في اقليم غرناطة ..
تمتاز الرؤية الفلسفية لابن طفيل بالاعتماد على العقل البشري دون نقل أو تقليد أو تعليم أو إرشاد فلسفي أو ديني ، للوصول إلى الكمال التام باعتماد التفكير الذاتي ..
فما يريد ابن طفيل أن يقولَه هو أنّ العقلَ الإنسانيَّ قادرٌ من غير تعلّم ولا إرشاد على إدراك وجود الله تعالى ، وإقامةِ الأدلةِ على ذلك .. وبالتالي فإنّ حكمة مخاطبة الشريعة للناس على قَدَر عقولهم ، هي الحكمة الكاملة ، لأنّ العقل يعتريه الكلل والعجز حينما يريد أن يتصوّر ما هو فوق طاقته ..
وقد أفرغ فلسفته هذه في قصته المشهورة ( حي بن يقضان ) .. ففي هذه القصّة عرض مسألة الكشف الباطني لإدراك القوة الإلهيّة ، عبر تطوّر الإدراك العقلي المجرّد عن الشريعة والتربية .. فما وصل إليه بطل قصته ( ابن يقضان ) بالنظر العقلي الخالص يوافق تعاليم الدين ..
ابن رشـد :
وُلد في قرطبة سنة 520 هجرية ..
كان محباً لأرسطو لدرجة اعتبره فيها الممثّل الأكمل للفلسفة ، وأنّه أسمى صورة تمثّل فيها العقل الإنساني .. ولذلك ألّف كتاباً سمّاه ( تهافت التهافت ) رداً على كتاب الغزالي ( تهافت الفلاسفة ) .. وقد دافع ابن رشد عن الفلاسفة ، محاولاً تبرئتهم من الكفر الذي وصفهم به الغزالي .. وبيّن في كتابه ( فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتّصال ) أنّه لا خلاف بين الفلسفة والشريعة ، لأنّه لا خلاف بين العقل والدين ..
والفلسفة عند ابن رشد تجربة بشريّة مجرّدة عن الانتماءات بمختلف أشكالها وصورها .. وفي نظره أنّ الوحي يتمّم العقل ، والنبوّة تكمل الفلسفة ..
ويعتقد ابن رشد أنّه بالعلم يتمّ الاتّصال بعالم العقول والأرواح .. فيتدرج الإنسان في سموه من الفضائل العملية إلى العلمية ، ومن الحسّ إلى العقل بالقوة ثم إلى العقل بالفعل ، ثم الاتصال بالعقول المفارقة لتلقّي الفيض والإلهام ..
لقد تفلسف ابن رشد في إيضاح معنى القدم والإرادة ، ليبرهن على أنّ أرسطو والفلاسفة كانوا مؤمنين بوجود الله ، وبأنّه يتصف بصفة الإرادة .. يقول ابن رشد في كتابه ( فصل المقال ) : ( وأمّا مسألة قدم العالم وحدوثه فإن الاختلاف فيها ، عندي ، بين المفكّرين من الأشعرية ، وبين الحكماء المتقدّمين ، يكاد يكون راجعاً للاختلاف في التسمية ، وبخاصّة عند بعض القدماء ، وذلك أنهم اتفقوا على أنها ههنا ثلاثة أصناف من الموجودات : طرفان وواسطة بين الطرفين ، فاتفقوا في تسمية الطرفين ، واختلفوا في الواسطة ، فأمّا الطرف الواحد فهو موجود وُجد من شيء غيره ، وعن شيء ، أعني عن سبب فاعل ومن مادّة ، والزمان متقدّم عليه ، أعني على وجوده ، وهذه هي حال الأجسام التي يُدرك تكوّنها بالحس ، مثل تكوّن الماء والهواء والأرض والحيوان والنبات وغير ذلك ، فهذا الصنف من الموجودات اتّفق الجميع من القدماء والأشعريين على تسميتها محدثة . وأما الطرف المقابل لهذا ، فهو موجود لم يكن من شيء ، ولا عن شيء ، ولا تقدّمه زمان ، وهذا اتفق الجميع من الطرفين على تسميته ( قديماً ) ، وهذا الموجود مدرك بالبرهان ، وهو الله تبارك وتعالى ، الذي هو فاعل الكلّ ، وموجده والحافظ له سبحانه وتعالى قدره .. وأما الصنف من الموجود الذي بين هذين الطرفين ، فهو موجود لم يكن من شيء ، ولا تقدّمه زمان ، ولكنّه موجود عن شيء ، أعني عن فاعل ، وهذا هو العالم بأسره .. فهذا الموجود الآخر ، الأمر فيه بيّن : أنه قد أخذ شبهاً من الموجود الكائن الحقيقي ( يعني عالم الشهادة ) ، ومن الموجود القديم ( يعني الله ) ، فمن غلّب عليه ما فيه من شبهة القديم ، على ما فيه من شبهة المحدث ، سماه قديماً ، ومن غلّب عليه ما فيه من شبهة المحدث سماه محدثاً )(21) ..
إنّنا نرى أنّ العثرة التي وقف عندها ابن رشد والفلاسفة الذين يدافع عنهم ، هي عدم تصوّر الخلق من العدم ، وعدم تصوّر الزمان ، وبأنّه لا زمان قبل خلق العالم وحركته ، هذه العثرة أزالها الغزالي ببرهانه الفلسفي ، ومن بعده العلم الحديث ابتداءً من النظرية النسبية لآينشتاين ..
ويقول ابن رشد في ردّه على الغزالي من أنّ الفلاسفة القدماء قالوا إنّ العالم يصدر عن الله على سبيل الطبع بلا إرادة .. يقول : ( أمّا قوله عن الفلاسفة ، إنهم يرون أنّ ما يصدر عن الباري تعالى يصدر عن طريق الطبع ، فقول باطل عليهم ، والذي يرونه في الحقيقة أنّ صدور الموجودات عنه ، هو بجهة أعلى من الطبيعة والإرادة الإنسانية ، فإن كلتا الجهتين يلحقهما النقصان ، إذ قام البرهان على أنّه لا يجوز أن يكون صدور الفعل عنه صدوراً طبيعياً ، ولا صدوراً إرادياً على نحو مفهوم الإرادة ههنا ( أي بين الناس ) ، فهو صادر عنه بجهة أشرف من الإرادة ، ولا يعلم تلك الجهة إلا هو سبحانه وتعالى ، والبرهان على أنّه مريد أنّه عالم بالضدّين ، فلو كان فاعلاً من جهة ما هو عالم فقط ، لفعل الضدين معاً ، وذلك مستحيل ، فوجب أن يكون فعله أحد الضدين باختيار )(22).. إننا نرى أن ابن رشد ينتهي إلى النتيجة التي انتهى إليها الغزالي نفسه على الرغم من أنّه يردُّ عليه .. فاعجابُ ابن رشد بأرسطو وغيرِه من الفلاسفة ، وحبُّه لهم .. ونقدُ الغزالي لتلك الفلسفات ، هو ما دفع ابن رشد لنقد الغزالي بغض النظر عن النتيجة التي سيصل إليها .. لننظر إلى قوله التالي : ( فلا ينبغي أن يُشَك في أنّ هذه الموجودات قد يفعل بعضها ببعض ، وأنها ليست مكتفيةً بأنفسها في هذا الفعل ، بل بفاعل من خارج ، فعله شرطٌ في فعلها ، بل في وجودها ، فضلاً عن فعلها )(23) ..
ابن خـلدون :
وُلد في تونس سنة 732 هجرية ..
يُعدُّ ابن خلدون علماً من أعلام فلسفة التاريخ والاجتماع الحديث .. وعلى الرغم من أنّه لم ينكر العقل ، ولم يُعرض عن العلوم العقليّة ، فإنّه أعلن فساد منتحلي الفلسفة ، وبالتالي إنكارها
لقد وضع ابن خلدون نظريّة شاملة تبيّن انتقال المجتمعات من مرحلة البداوة إلى مرحلة الحضارة .. وبالتالي اعتبر أنّ للدول أعماراً كما هو الحال للأشخاص .. وتعد العصبية – عند ابن خلدون – الدافع الذي يدفع المجتمعات إلى غاية الملك ، وبعد استقرار الملك ، وأركان الدولة ، تضعف العصبية ، وينتقل الحكم إلى شعب آخر أقوى عصبية ..
ورأيُ ابن خلدون في فلسفة المعرفة بشكل عام يمكننا أن نراه في نصّه التالي : ( إن تصوّرات الفكر ، مهما رُدَّت إلى تصورات سابقة ، فليس كلُّ ما يقع في النفس من التصوّرات يعرف سببه ، إذ لا يطّلع أحدٌ على مبادئ الأمور النفسانيّة ، وعلى ترتيبها ، إنما هي أشياءُ يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعضاً ، والإنسان عاجزٌ عن معرفة مبادئها وغاياتها ، وإنما يحيط العلماء ، في الغالب ، بالأسباب التي هي طبيعية ظاهرة )(24) ..
ورأي ابن خلدون في الوجود ، يعتمد فيه على دليل الحدوث .. لننظر إلى نصه التالي : ( إنّ الحوادث في العالم ، سواء أكانت من الذوات أو من الأفعال ، لا بدّ لها من أسباب متقدّمة عليها ، وكلّ واحد من هذه الأسباب حادثٌ أيضاً ، فلا بدّ له من أسبابٍ أخرى ، ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبّب الأسباب ، وموجدها ، وخالقها سبحانه لا إله إلا هو )(25)..
(21) المدخل إلى الفلسفة – ص : 61
(22) قصة الإيمان – ص : 96
(23) المرجع السابق – ص : 98
(24) المرجع السابق – ص : 100
(25) المرجع السابق – ص : 66