منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من علماء الأمة الإسلامية...موضوع متجدد
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-12-24, 20:53   رقم المشاركة : 62
معلومات العضو
محبة الحبيب
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية محبة الحبيب
 

 

 
الأوسمة
وسام أفضل مشرف 
إحصائية العضو










افتراضي



محمد عبده رحمه الله


(1266/1849 _ 1323/1905)
مصلح إسلامي مجدّد، عالم مجتهد، مفتي الديار المصريّة.
ولد بقرية (محلة نصر) بمركز شبرا خيت، من إقليم البحيرة، من أب تركماني، وأم مصريّة، وقال الزركلي: ولد في شنرا، من قرى الغربيّة بمصر.
نشأ في أسرة فلاحيّة، تعلم القراءة والكتابة في المنزل، حفظ القرآن في سن مبكّرة، وتتلمذ على الشيخ درويش خضر، أحد أخوال أبيه، وهو رجل متصوّف شاذلي، وطلب العلم في الجامع الأحمدي بطنطا سنة 1279/1863، إلاّ أنّه فرّ من التعليم بسبب رداءة طريقة التعليم، واختفى عند أخواله، وبعد إصرار أبيه على مواصلة التعليم التحق بالأزهر سنة 1282/1866 وطلب العلم على شيوخه، مؤثراً العزلة والبعد عن الناس، ونال درجة العالميّة سنة 1294/1877 وحبّب إليه المعرفة بالأزهر الشيخ حسن الطويل، وهو رجل يعالج الحكمة والفلسفة، والشيخ الأديب محمد بسيوني.
تأثر بمدرسة ابن تيميّة في دعوته إلى تحرير الفكر من التقليد، والعودة إلى الأصول.
لقي الشيخ جمال الدين الأفغاني، فوجد عنده علماً جديداً يخالف علم الأزهر، ووجد فيه عالماً مجدّداً ثائراً، داعياً إلى وحدة المسلمين ونهضتهم، وتقريب مذاهبهم، وتحرير أوطانهم، نزّاعاً إلى الحريّة والعدالة.
وتمكّن الأفغاني بقوة شخصيّته، وشدّة تأثيره في تلميذه أن يخلّصه من خجوله الصوفي، وأن يدفعه نحو العلوم والشهرة، ويرغّبه بالكتابة في الصحف والمجلاّت، ليتصل بالرأي العام، ويشوّقه إلى الإصلاح الديني والاجتماعي، وكان الأفغاني قد أبصر صفات تلميذه النادرة، فقد قرأ فيه الذكاء، وحسن الاستعداد، وطيب القلب، والحماسة للإصلاح، ويكفي أن نتذكر كلمات الوداع التي خاطب بها أصدقاءه وتلاميذه حينما فارقهم في السويس سنة 1296/1879 منفياً إلى الهند، قال: لقد تركت لكم الشيخ محمد عبدة وكفى به لمصر عالماً.
وكان أنبه طلاّبه، وأشدّهم تأثراً بطريقته، وأكثرهم اعترافاً بفضله.
اختير مدرّساً للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم سنة 1295/1878 ومدرسة الألسن، فأظهر في دروسه روحاً مبتكرة وطبّق مناهج عصريّة.
وتولّى تحرير (الوقائع المصريّة) الحكوميّة سنة 1297/1880 فجعلها منبراً لإصلاح الشعب والحكومة، وابتدع فيها طريقة النثر المرسل، وتولّى رئاسة قلم المطبوعات، واشترك بالثورة العرابيّة، رغم أنه كان يخالف أصحابها في آرائهم، ولا يرى في قائدها الكفاءة، فلما فشلت الثورة سجن ونفي إلى الشام.
ناصر الخلافة العثمانيّة، واعتبر المحافظة عليها ثالثة العقائد بعد الإيمان بالله ورسوله، وأنّ كل رابطة سوى الشريعة باطلة.
قال المستشرق الإيطالي ميشيل غويدي: واتخذت الجامعة الإسلاميّة لدى الشيخ محمد عبدة شكلاً أدبياً أشد من اتخاذها شكلاً سياسياً ؛ وقال: إنّه كان ينطق عن إنسانيّة ساطعة، وعن سماحة نيّرة، ورأفة أبويّة.
أفتى بخلع الخديوي توفيق فحكم عليه بالنفي سنة 1300/1883 فقصد سوريّة، ولبث فيها نحو سنة واحدة ثم غادرها إلى باريس، حيث وافى استاذه جمال الدين الأفغاني ولبّى دعوته ؛ وفي باريس اشترك الأفغاني وعبدة في إصدار (جريدة العروة الوثقى) التي خاطبت جميع المسلمين كأمّة واحدة، وبثت فيهم روح العزّة القوميّة بالعقيدة الصحيحة، ودعت إلى مناهضة الاستعمار، وأيقاظ الشعوب الإسلاميّة وبعثها، والثورة على مغتصبي حقوقها، إلا أنّها احتجبت بعد ثمانية عشر عدداً، في ثمانية أشهر، بسبب ضراوة العداء والتآمر عليها، فعاد الشيخ من منفاه إلى بيروت، وعاد الأفغاني إلى إيران.
وبعد العفو عنه عاد إلى مصر، واشتغل بالتأليف والتدريس بالأزهر، واستطاع أن يتقرّب من الخديو عباس، وأن يقنعه بإصلاح الأزهر، والأوقاف، والمحاكم الشرعيّة، التي لا دخل للإنكليز بها.
وتولّى منصب المفتي العام للديار المصريّة سنة 1317/1899 وعكف على الإصلاح، وتحوّل من مفاهيم العمل السرّي الثوري السياسي إلى العمل التربوي، ونقد المجتمع وإصلاحه، وشرّع قلمه للردّ على خصوم الإسلام، ودافع عن حقوق المرأة في التعليم، والحريّة والكرامة ؛ واتجه إلى إصلاح نظام الأسرة المصريّة، واعتبر الأصل في الزواج هو الزوجة الواحدة، وأن إباحة الشرع له فلضرورة تسوق إليه، وبشروط تقيّده ؛ وكان محور إصلاحه: الدعوة إلى تحرير الفكر، وفهم الدين على طريقة السلف الصالح قبل ظهور الخلاف، والإسلام عنده ليس إسلام المذاهب والفرق، ولا إسلام المقلّدين والمبتدعين، والدعوة إلى إصلاح أساليب اللغة العربيّة، وتشجيع تعلّم اللغات الأجنبيّة ؛ أيقن بضرورة تآزر الدين والعلم، فوضع لذلك أصلين، جعلهما الأساس في تقرير الصلة بينهما، هذان الأصلان هما: كل من العلم والدين في حاجة إلى الآخر، ووجوب تقديم العقل على ظاهر النقل عند التعارض ؛ يقول محمد عبدة: اتفق أهل الملّة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا نظر إليه، على أنّه إذا تعارض العقل والنقل، أخذ بما دلّ عليه العقل ؛ واعتبر الدين صديق العلم، ولا موضع لتصادمهما، وفي ذلك يقول: لا بدّ أن ينتهي أمر العالم إلى تآخي العلم والدين على سنّة القرآن والذكر الحكيم.
وهو في هذا يتابع مدرسة الأشعريّة، ويخالف مدرسة ابن تيميّة، وهو أقرب إلى مدرسة ابن رشد.
ووصفه محمد يوسف موسى في مقالة منشورة بمجلة (المقتطف) بأنه عمل على إيقاظ العقول الراقدة، وتوسيع الصدور الضيّقة، وتنقية الدين مما علق به مما ليس بحق من أفكار القرون الوسطى، حتى لا يضيق بالعقل ونظره، ومن ثم كان له جهد محمود الأثر في التوفيق بين الوحي والعقل، أو بين الدين والفلسفة، متأثراً في ذلك بأستاذه الأفغاني، ورأى أن التربية هي الوسيلة الوحيدة للنهضة.
وكان يدين بالتأويل في العقائد، وينشد الحق بين الفرق الإسلاميّة كلّها.
وكان ينأى الناس بأنفسهم وبإخوانهم في الدين عن رميهم بالكفر لأوهى الأسباب، إذ قرّر أنّه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر.
نفى عن الإسلام ما يسميه الإفرنج " الثيوقراطية " وقال: "لكن الإسلام دين وشرع، فقد وضع حدودا ورسم حقوقاً، فليس كل معتقد في ظاهر أمره بحكم يجري عليه في عمله، فقد يغلب الهوى وتتحكم الشهوة، فيغمط الحق، ويتعدى المعتدي الحد، فلا تكمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا إذا وجدت قوة لإقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي بالحق، وصون الجماعة، وتلك القوة لا يجوز أن تكون فوضى في عدد كثير فلابد أن تكون في واحد وهو السلطان أو الخليفة", ثم يحترس عن الثيوقراطية فيقول: "الخليفة عند المسلمين ليس بمعصوم، ولا هو مهبط الوحي، ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة.
وعني بالتفسير، وكان له منهج فيه يقوم على اعتبار السورة وحدة متناسقة، وعموم القرآن وشموله، واعتباره المصدر الأوّل للتشريع، ومحاربة التقليد، وإعمال النظر والفكر، واستخدام المنهج العلمي، وتحكيم العقل، والاعتماد عليه في فهم القرآن، وترك الإطناب في الكلام عما ورد في القرآن بصورة مبهمة، والتحفظ في الأخذ بما سمي بالتفسير المأثور، والتحذير من الإسرائيليّات. واهتم بتنظيم الحياة الاجتماعيّة، على أساس من هدي القرآن، ووضح مبادئ الإسلام الأساسيّة، وشرح عقائده بمصطلحات عصريّة، وفنّد الاتهامات التي وجهها علماء الغرب إلى الإسلام ودحضها، بأن بيّن أن ليس من تناقض بين الإسلام والمنطق، وخلّص أسلوب كتابة الأدب الإسلامي من الحشو والتنميق، وشجّع إحياء المخطوطات القديمة وطبعها، وأقنع الناس بتأسيس المنظمات الخيريّة، وجادل في ضرورة النظام الديمقراطي، ودعوة الأمّة إلى معرفة حقّها في حاكمها ؛ لم ينس الجهاد في الإصلاح ولم تصرفه عنه عقوبة النفي إلى بيروت، فوضع رسالتين في الإصلاح أولهما: في بيان الإصلاح اللازم للدولة العثمانيّة التركية، والثانية: في إصلاح ولاية الشام، وأرسلهما إلى أولي الأمر في الدولة ؛ وله شرح كتاب (نهج البلاغة) و(مقامات بديع الزمان) وكتب: (الإسلام والرد على منتقديه) و(الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) و(رسالة التوحيد) ؛ وأسس (جمعيّة إحياء الكتب العربيّة) و(الجمعية الخيريّة الإسلاميّة).
أخذ عليه ناقدوه مذهبه في التأويل، وخاصّة فيما يتعلق بتأويل معطيات العقيدة الإسلاميّة، بما يتمشى مع العقل ومنجزات الحضارة الغربيّة، ومحاولات تضييق حيّز الغيبيّات في العقيدة، ومساواة العقل بالوحي ؛ واتهموه بالتعاون مع المحتل لتنفيذ برامجه الإصلاحيّة، التي كان من أبرزها إصلاح الأزهر والتعليم، والمحاكم الشرعيّة، وإنشاء معهد القضاء الشرعي، ومجلس شورى القوانين، ووضع لائحة إصلاح المساجد، والدعوة إلى إنشاء جامعة مصريّة إلى جانب الأزهر.
توفي بالإسكندريّة، ودفن بقرّافة المجاورين في القاهرة، وكتب على قبره:
قد خططنا للمعالي مضجعا ودفنا الدين والدنيا معاً
وقال فيه الشاعر الكبير حافظ إبراهيم:
بكينا على فرد وإنّ بكاءنا على أنفس لله منقطعات
تعهّدها فضل الإمام وحاطها بإحسانه والدهر غير مؤات
أرّخ له محمد رشيد رضا في (تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة) ثلاثة أجزاء، وجمع له د. محمد عمارة (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبدة) وكتب عباس محمود العقاد (عبقري الإصلاح والتعليم) وعثمان أمين (رائد الفكر المصري الإمام محمد عبدة) ونال درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وكان موضوع أطروحته (آراء محمد عبدة الفلسفية والدينية) بالفرنسية ؛ وكتب عن منهجه في التفسير عبد الغفار عبد الرحيم (الإمام محمد عبدة ومنهجه في التفسير) ومصطفى عبد الرزاق (الشيخ محمد عبدة ووجهته في الإصلاح الديني) وأحمد الشايب (الشيخ محمد عبدة) وأحمد أمين (محمد عبده).









رد مع اقتباس