آليات الفلسفة الإسلامية الجديدة
إذا لاينبغي للفلسفة الإسلامية الجديدة أن تضيع وقتها في البحث عن الحقائق أيا كان نوعها، وإنما هدفها الأول دراسة تصوراتنا للوجود ولله وللعلاقة المتصورة بين الإنسان وبينهما، والإنسان يعبر تصوراته بلغة متعارف عليها أو رمز قد لا يكون من السهل ترجمته إلى لغة مفهومة أو سلوك وتصرف قد يكون من المستحيل فهمه بصورة كاملة مما يحملنا على تأويله بإحدى اللغات المفهومة.
وإذا عبر الإنسان تصوراته بصورة مخالفة للغات المتعارف عليها فلا مفر من تأويل هذه التصورات إلى لغة مفهومة حتى يتمكن دارس الفلسفة من فهمها.
فإذا اللغة هي الوسيلة التي ينبغي أن يعبر عنها الإنسان تصوراته للوجود، وإذا لجأ الإنسان إلى أسلوب أخرى للتعبير عن تصوراته لسبب أو لآخر فلابد من تأويل هذه التصورات إلى لغة مفهومة قبل دراستها دراسة فلسفية.
ومن هنا يتبين أن الوسيلة الناجعة لعرض تصوراتنا بطريقة واضحة هي إستخدام اللغة، والإنسان يستخدم اللغة ليعبر عن تصوراته، وهذه التصورات إما أن تكون رياضية ومنطقية أو تصورات مادية أو تصورات تسليمية.
أبعاد دراسة الفلسفة الإسلامية الجديدة
1. البعد المنهجي:
للفلسفة الإسلامية الحديثة بعدان، الأول منهما يركز في دراسة تصورات الإنسان من جهة أنها تصورات مفهومة معقولة، ويتم هذا عن طريق إرجاع هذه التصورات إلى مصادرها اعتمادا على مناهج محددة، فإذا عبر إنسان تصوراته إما أن يعبر عنها بطريقة مفهومة أو يعبر عنها بطريقة غير مفهومة، فإذا كانت مفهومة إما أن تكون تصورات منطقية ورياضية، أو تصورات مادية واقعية تشير إلى أشياء موجودة في الواقع المحسوس، أو تصورات دينية غيببية، فمنهج الأولى التحليل، ومنهج الثانية التعقيل والتجريب ومنهج الثالثة التسليم وذلك بعد التأكد من موافقتها لمصادرها الأصلية.
وأما إذا كانت التصورات غير مفهومة فلابد من تأويلها أو الاعراض عنها، فليس من شأن الفلسفة الإسلامية أن تضيع وقتها في دراسة أمور يستحيل على الإنسان فهمها.
2. البعد الإنساني
والبعد الثاني الذي تهتم به الفلسفة الإسلامية هو دراسة تأثير هذه التصورات على الإنسان، فالإنسان لا يتصور شيأ عادة إلا إذا اعتقد أن بينه وبين هذا المتصور علاقة قد تكون علاقة تأثير أو تأثر أو كلاهما، والفلسفة الإسلامية ليس من شأنها أن تحدد ما إذا كان هذا التأثير أو التأثر المتصور من قبل الإنسان موجودا أو غير موجود، وإنما الذي يهمها هو البحث في مدي تأثير هذا الإعتقاد نفسه في حياة الإنسان.
فالفلسفة الإسلامية ينبغي أن تنطلق من المسلمة القائلة إن الإنسان حيوان مفكر أو ناطق، وأن حياة الإنسان يتحكم عليها نوعان من العلل، النوع الأول من هذه العلل أو الأسباب مصدره تصوراتنا وطرق تفكيرنا وفهمنا للحياة. وأما النوع الثاني فقد تكون مصادره غير معروفة لنا، وهي الأسباب والعلل التي تكون غالبا وراء الحوادث الخارجة عن طاقاتنا وإدراكاتنا.
فالإنسان أمام هذين النوعين من العلل والأسباب التي تؤثر في حياته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والنوع الأخير من هذه العلل مجهول وبالتالي فلا سبيل للتحكم عليه، وأما النوع الأول من هذه الأسباب والعلل، فهو نوع يعتقد عادة أن من الممكن تصوره أو فهمه وبالتالي فمن الممكن التحكم عليه بطريقة أو بأخر، ومن هنا كان من أولويات الفلسفة الإسلامية البحث في تصوراتنا لهذا النوع من العلل والمسببات.
الدكتور حرسي محمد هيلوله