عند جهينة الخبر اليقين
يُضْرَب هذا المثل للتعرف على حقيقة الأمر ممن يملك هذه الحقيقة.
وأصله أن الحصين الغطفاني خرج ومعه رجل من جهينة يقال له الأخنس بن كعب، وكان كل منهما فتاكًا غادرًا، فوجدا رجلاً من بني لخم وأمامه طعام وشراب، فدعاهما فنزلا وأكلا وشربا معه.
ثم ذهب الأخنس لبعض شأنه ثم عاد ليجد الرجل اللخمي يتشحط في دمه، فقال للحصين: ويلك.. كيف فتكت بالرجل بعد أن تحرّمنا بطعامه وشرابه.
فقال الحصين: اقعد.. فقد خرجنا لمثل هذا، ثم شربا وتحدثا.
وكان الحصين يشاغله ليفتك به هو الآخر، ففطن الجهني لمراده.
وبعد ساعة قال له الحصين: يا أخا جهينة، هل أنت زاجر الطير.
فقال: وما ذاك؟
قال: ما تقول هذه العُقاب؟
أجاب: وأين تراها؟
قال: هي هذه، ورفع رأسه إلى السماء.
فوضع الجهني بادرة سيفه في نحره وقال: أنا الزاجر والناحر، واحتوى أسلابه وأسلاب اللخمي وانصرف، فمر بقوم من قيس وإذا بامرأة تبحث عن الحصين، فسألها من أنتِ؟ فقالت: أنا صخرة امرأة الحصين الغطفاني، فمضى وهو يقول:
تُسائل عن حصين كل ركب =*= "وعند جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليقينُ
ابصر من زرقاء اليمامة
زرقاء اليمامة هي امرأةٌ مشهورةٌ بحدّةِ البَصَر (قوّة النَّظر)، وكانت تعيشُ في اليمنِ في منطقةِ اليمامة.
كانت لقوَّةِ بصرها –سبحان الله- تُبصرُ الشعرة البيضاءَ في اللبن، وتستطيعُ أن ترى الشخص المسافر على بُعدِ ثلاثة أيَّام (أي من مسافة 100ميل تقريباً).
وكانت تُنذر قومَها من الجيوش إذا غزتهم (أي إذا أرادوا أن يهجموا على قبيلتها) فلا يأتيهم جيشٌ إلا وقد استعدُّوا لهم.
فقد استفاد منها قومُها كثيراً.
وذاتَ مرَّةٍ، أرادَ العدوُّ أنْ يهجمَ على قبيلتها، وقدْ سمِعَ بقدرةِ زرقاء اليمامة على الإبصار الشديد، فعملَ حيلةً حتَّى يزحفَ على قومِها دون أن تشعر هذه المرأة.
قطع العدوُّ شجراً امسكوه أمامهم بأيديهم وساروا. ونظرت الزرقاء فقالت: إنِّي أرى الشجرَ قد أقبلَ إليكم. فقال قومُها –وقد سبق القدر- لقد خَرِفْتِ، وضعفَ عقلُك، وذهبَ بصرُك. فكذَّبوُها.
وفي الصَّباح هجمَ عليهم العدوُّ.. وقتلوا زرقاء. وقوّروا عينيها فوجدوهما غارقتين في الإثمد من كثرةِ ما كانت تكتحل به.
لذلك صار هذا المثل يُضربُ لكلِّ من كان بصرُهُ حادّاً:
أبْصَرُ مِنْ زرقاءِ اليمامة.
إنَّكَ خَيْرٌ مِنْ تَفَارِيقِ العَصا
قالوا: هذا من قول غُنَيَّة الأعرابية لابنها وكان عَارِما كثيرَ التلفت إلى الناس مع ضعف أَسْرٍ ودقة عظم، فواثب يوماً فتى فقطع الفتى أنفه، فأخذت غُنيَة دِيةَ أنفه، فحَسُنت حالها بعد فقر مُدْقِع، ثم واثب آخر فقطع أذنه، فأخذت دِيَتَها، فزادت حُسْنَ حال، ثم واثب آخر فقطع شَفَته، فأخذت الدية، فلما رأت ما صار عندها من الإبل والغنم والمَتَاع، وذلك من كَسْب جوارح ابنها حَسُن رأيها فيه وذكرته في أرجوزتها فقالت:
أَحْلِفُ بالْمَرْوَةِ حَقَّاً وَالصَّفَا * أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ تَفَارِيقِ الْعَصَا
يضرب هذا المثل فيمن نَفْعُه أَعَمَّ من نفع غيره.
>>الصراحة هذا المثل ما فهمتوش!