2011-12-20, 01:29
|
رقم المشاركة : 6
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
فصل
وإذا فكَّر العبد في قوته طعامه وشرابه كيف يدخل من مدخل واحد ويستقر في موضع واحد وهو المعدة، فيقيض الله له في ذلك الموضع من الحرارة والأسباب الأخر ما ينضجه ويتميز جوهره وصافيه ونافعه، فيتفرق في جميع أجزاء البدن لتغذيتها وتنميتها، وما يبقى من الثفل جعل له مخارج يخرج منها لئلا يبقى فيضر ويقتل.
ولا يزال هذا المعمل العظيم يعمل عمله بإذن الله ويؤدي مهماته، فهل هذا من مقتضى الطبيعة والمصادفة كما يقوله الماديون؟ أم هذا تقدير العزيز العليم الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سوَّاه ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد نبه الله على البعث بالتفكر في أطوار الإنسان وتنقلاته فقال: {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ *ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ *}}.
فجعل الله تنقل الإنسان في هذه الأطوار وإحيائه الأرض بعد موتها دليلاً وبرهاناً على هذه الأمور الخمسة التي يتميز بها المؤمنون ويثبتونها تصديقاً لله ولرسله، واستدلالاً بهذه البراهين العقلية الحسية.
فصل
قال الله تعالى: {{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }}. وعدَّد الله على العباد في كتابه أصناف النعم وأجناسها وقال: {{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }}.
فالنعم الظاهرة والباطنة كلها من الله، الحاصلة بغير سبب منهم والحاصلة بالأسباب التي هداهم إليها ويسَّرها لهم، وهو الذي أوجدها وأوجد أسبابها ووسائلها وذلك شامل لنعم الدين ونعم الدنيا.
فعلوم الكون وفنونه كلها من نعمه وتيسيره، وهو الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم وأقدره على ما لم يقدر عليه لولا إقداره، فعليه أن يشكره على ذلك كله، ومن الشكر اعترافه أنها من الله ومن تيسيره والاستعانة بها على ما خُلِقَ له العبد.
فصل
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ *اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ *}}.
أخبر تعالى أنه أنزل القرآن على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم في وقت تراكم فيه الجهل والظلم والظلمات وأنواع الشرور، ليخرج الناس به من هذه الظلمات المتراكمة فيعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمون، ويحرِّك عزائمهم ويثير هممهم وحواسهم إلى الخير وإلى الإيمان به وبرسله وطاعته وطاعة رسوله، فتستنير معارفهم وتتضح طريقهم ويستقيم سلوكهم وتتم لهم بذلك الخيرات وتندفع عنهم الشرور والمضرات.
فمن تلقى هذا الكتاب الذي هو أكبر النعم بفهم وقبول وانقياد لأوامره وإرشاداته المتفرعة المصلحة للدين والدنيا فقد استقام على الصراط المستقيم، ومن أعرض عنه أو عارضه فهو الكافر الذي فسدت أحواله.
وويل للكافرين من عذب شديد، فإنه لم يكن كفرهم عن اشتباه وخفاء للحق أو اتباع طريق هدى، بل كفرهم صدر عن رغبة في الترف وحب الدنيا الذي صدَّهم عن الهدى والحق، فاستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، أولئك في ضلال بعيد. وأي ضلال أعظم من ضلال من آثر الهوى على الهدى والشقاء على السعادة والشر على الخير.
وقال تعالى: {{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }}، وذلك أن العقل وحده لا يستقل بمعرفة الله ولا يعرف عبادته وتفاصيلها ولا تفاصيل يوم الآخر حتى يهتدي بنور الوحي الذي أوحاه الله إلى رسوله، ويكون له قلب يجعل الأفكار والتصورات إرادات وهمماً تحث صاحبها على اختيار النافع على الضار، والخير على الشر، والهدى على الضلال، والأخلاق الجميلة على ضدها.
فالقلب الحي إذا نظر في الوحي وتأمل ما جاء به الرسل من الحق في عقائده وأخلاقه وأعماله، لم يؤثر على ذلك شيئاً، فإنه يعلم أنه ليس بعد الحق إلا الضلال.
فالتصورات والعلوم وحدها بلا قلب يتطلع إلى الخير والحق لا تكفي وحدها، بل قد يكون ضررها كثيراً لخلوِّها عن الإيمان، وخلوِّها من التوجيهات الصحيحة، ولتكبِّر أهلها بها كما قال الله عن أمثال هؤلاء: {{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}}.
فجحدهم لآيات الله واستكبارهم عنها واستهزاؤهم بها واحتقارهم لأهلها أوجب لهم فقد الانتفاع بأسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم، فلم يزل هذا دأبهم حتى حق عليهم العقاب، فانظر كيف كانت علومهم التي لم تبنَ على الإِيمان، وإنما هي علوم جافة منحرفة صارت سبباً لمعارضتهم الرسل وبقائهم على ما هم عليه من الكفر والتكذيب بالحق، فنعوذ بالله من علم لا ينفع.
فصل
وقال الله تعالى: {{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }}، أي أعطى كل مخلوق خِلقته اللائقة به المناسبة لحاله، ثم بعد هذا الخلق هدى كل مخلوق لما خُلق له، وهذا يشمل أنواع الهدايات كلها.
فالحيوانات غير الإنسان، هدى كل صنف منها إلى ما يناسبها مما لا تتم حياتها الحيوانية إلا به، من جلب المنافع الخاصة ودفع المضار عن نفسها.
وأما الإنسان، فهداه الله هذه الهداية واختصه بهدايات أخر استكمل بها دينه ودنياه إذا استعملها كلها، وأما إذا استعملها في غير ما خلقت له فهذا قد استحب واختار العمى على الهدى كما قال تعالى: {{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}}.
وبهذه الهداية الخاصة بالإنسان سخر له جميع ما وصلت إليه قدرته من علوم الكون، وهذه الهداية تشمل الهداية المجملة والمفصلة في علوم الشرع وأعماله، وفي علوم الكون وأعماله. فعلَّمه العلوم الشرعية وهداه إلى معرفتها ثم إلى العمل بها، وعلمه علوم الكون ثم يسَّر له سبلها فسلكها، وكل أحد أعطاه من هذه الأمور ما هو اللائق به وما تقتضيه حكمته التي منها إن عرف الأمور النافعة وحرص عليها وعلى اتباع الحق واستعان الله عليها يسّرها عليه وفتح عليه منها بحسب حاله وقوته وكفاءته، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»، وهذا الحديث في الصحيح.
فقوله: احرص على ما ينفعك، دخلت فيه الأمور الدينية والدنيوية، فمن حرص عليها واجتهد في تحصيلها وسلك الطرق الموصلة إليها واستعان الله عليها تم له ما أراد، ومن لم يحرص على الأمور النافعة أو لم يستعن بالله في تحصيلها خاب وخسر.
وقد أخبر الله في عدة آيات أن القرآن هدى للناس وأنه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ويهدي للتي هي أقوم. فكل أمر فيه خير وصلاح ونفع فالقرآن يهدي إليه ويرشد العباد إليه.
يتبع إن شاء الله......
|
|
|