منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-12-19, 00:12   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال الله تعالى: {{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}}.
فهذه الآية الكريمة صرَّحت بأن الله تعالى يقول الحق وهو الصدق واليقين في أخباره، والعدل الحكمة في أوامره ونواهيه، فكل ما أخبر به فهو حق وصدق ونافع للعباد في إصلاح عقائدهم وأخلاقهم ودينهم ودنياهم، وكل ما أمر به فهو برٌّ وخير وإحسان ونفع وبركة، وكل ما نهى عنه فهو شر وضرر وفساد لا فرق في هذا بين الأمور الدينية والدنيوية.
وشريعة الإسلام كلها تفصيل لهذا الأصل العظيم الذي ذكره الله في هذه الآية وغيرها، ثم قال: {{وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}} وهو الطريق الموصل إلى الحق الذي يقوله ويحكم به، فتكفل الله لعباده أنه لا بد أن يبيِّن لهم هذا الحق النافع بالأدلة الواضحة العقلية والنقلية كما قال في الآية الأخرى: {{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}}، فإنه تعالى لما أخبر بتوحيده وتفرُّده بالكمال المطلق من جميع الوجوه، وأمر بعبادته وحده لا شريك له وإخلاص الدين له، وإن قوله حق ووعده ووعيده حق ورسوله وكتابه حق، أخبر أنه لا بد أن يريهم من الآيات في أنفسهم وفي الآفاق ما يتبيَّن لهم أنه الحق وأن ما سواه باطل.
فالآيات الأفقية الكونية، والآيات النفسية، كلها تحقق هذه الأصول العظيمة ويعرف بها أن الله هو الحق، وقوله وكتابه ودينه حق.

فالآيات الأفقية مثل قوله تعالى: {{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُِولِي الأَلْبَابِ *}} الآيات، وفي قوله تعالى: {{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *}}، وآيات كثيرة يخبر فيها عن أحوال الكون وإنه آيات وأدلة على وحدانية الله وصدقه وصدق رسله.
فالذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة بهذه الأوصاف البديعة، وعلى هذا النظام العجيب والخلق الكامل والإحكام والحسن، هو المتفرد بالربوبية والإلهية واسع الرحمة والحكمة. وهو الذي أحاط بكل شيء علماً، ومن كان هذا شأنه فهو الذي يجب أن يُعبد وحده لا شريك له، ويشكر ويذكر، لما له من عميم الإحسان وسوابغ النعم.
فيها من عظيم الخلق دال على كمال قدرته وعظمة سلطانه، وما فيها من النظام البديع الحسن والخلق الكامل دال على شمول حكمته وحمده، وما فيها من التخصيصات المتنوعة دال على نفوذ مشيئته وإرادته، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد التي لا يمكن إحصاؤها ولا تعداد أجناسها فضلاً عن أنواعها فضلاً عن أفرادها دليل على سعة رحمته وعموم فضله وكرمه وجوده وإحسانه.
وكل ذلك دليل على وجوب عبادته وإخلاص العمل له، وإن الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة قادر على أن يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير.
وأما الآيات النفسية فإن الله قال: {{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ *}}، {{أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ *}}،



{{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *}} ونحوها من الآيات التي ينِّبه الله فيها الإنسان على التأمل والنظر في ابتداء خلقه وتطوره، وكيف تنقلت به الأحوال من النطفة إلى أن صار إنساناً كاملاً في بدنه وفي عقله، وكيف أحسن الله خلقه ونظَمه هذا النظام العجيب، فوضع فيه كل عضو يحتاج إليه في منافعه كلها، ووضع كل عضو في محله اللائق به الذي لا يحسن ولا يليق أن يوضع إلا في محله.
ثم ليتأمل في غذائه وما أودع الله فيه من قوة الشهوة للطعام والشراب وتوابعها، وما وضع فيه من الآلات المعينة على الأكل والشرب، وما أودع فيه من الحرارة العظيمة التي تطبخ الأطعمة الغليظة والخفيفة ثم تنفذها إلى جميع أجزاء البدن، فيأتي كل عضو وحاسة حظها ونصيبها من الغذاء الذي لولاه لتلاشى الإنسان وهلك.
وجعل الله لثِفل الأغذية وما لا ينفع في الغذاء مجاريه تندفع إليها وتخرج من البدن لئلا تبقى فيه فتضره أو تهلكه، ثم لينظر الإنسان ما وضع الله فيه من العقل الذي يتميز به عن الحيوانات كلها، وهدى الله فيه الإنسان إلى هدايات دينية ودنيوية لا يمكن عدها ولا إحصاؤها، وكما هداه بالعقل إلى الانقياد لعلوم الرسل وأديانهم، هداه به إلى تسخير المواد الكونية والمعادن والمخترَعات والصناعات التي لا تزال تتجدد كل وقت.
وقد أخبر تعالى أنه سخر لنا جميع ما في السموات والأرض ننتفع بآياتها ونستخرج منافعها وكنوزها ونشكره على ذلك التسخير والهداية والنعم التي لولا فضله وكرمه لم يحصل لنا منها شيء.
ومن آياته الأفقية النفسية إخباره تعالى أنه سخر للإنسان جميع ما في السموات والأرض ومعادن الكون وعناصره، ثم إخباره بأنه أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، وجعل له السمع والبصر والفؤاد وآلات العلم وعلمه ما لم يكن يعلم، فحمل بهذا التسخير وبهذا التعليم من فنون العلم وفنون المخترعات الباهرة ما هو مشاهد معلوم ترقت به الصناعات، وتوسعت به المخترعات وتنوعت به المنافع، وتقاربت به الأقطار الشاسعة، وتخاطب به أهل المشارق والمغارب.
أما يدل ذلك دلالة قاطعة على كمال قدرة الله وصدق ما أخبر به من الغيوب التي كان المكذبون ينكرونها استبعاداً لها وقياساً منهم لقدرة من يقول للشيء كن فيكون على قدرة الآدمي الضعيف في علمه وفي قدرته وفي أحواله كلها.
فأراهم الله من آثار قدرته على يد هذا الآدمي ما دلهم على كمال قدرة خالقه ومعلمه، وعلى وحدانيته وصدق رسله. وهو لا يزال يريهم آياته شيئاً فشيئاً في الآفاق وفي أنفسهم، فانتفع بذلك الذين يريدون الحق واتباعه، وقامت الحجة البالغة على المعاندين المكابرين؟ وصار علمهم وبالاً عليهم إذ تكبَّروا به وامتلؤا غروراً باطلاً، فالله الذي خلق الإنسان وأعدَّه وأمدَّه بكل وسيلة يدرك بها أنواع العلوم النافعة والفنون المتنوعة الدينية والدنيوية، وربط هذا بهذا، فأمر بالقيام بالدين والاستعانة بهذه الوسائل على قيام الدين والدنيا، قال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}}، وأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ *}} وقال تعالى: {{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}}.
فالمؤمنون تمَّت عليهم النعمة في الدنيا والآخرة واستعانوا بالطيبات وأضاف المنافع التي لا تحصى على عبادة الله وطاعته، وصار اشتغالهم بهذه المنافع التي يُتوسل بها إلى إصلاح الدين والدنيا عبادة من العبادات وقربة من القربات.
وأما من سواهم من الماديين والضالين الغافلين فإنهم عرفوا ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، واشتغلوا بالدنيا عن الدين ونسوا الله فأنساهم أنفسهم وأنساهم مصالحها، فتمتعوا فيها تمتع الأنعام السائمة، فخسروا الدنيا والآخرة، إن ذلك هو الخسران المبين. فانقطعوا بالأسباب عن مسبِّبها، وانقطعت صلتهم بالله حين قام الكبر في قلوبهم كما قال الله عنهم: {{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *}}.
استعذ بالله من هذا الكبر الذي حال بين الإنسان وبين سعادته، {{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ *}}.


يتبع إن شاء الله.....










رد مع اقتباس