رياح "الخريف العربي" سترتد على عروش واضعي اتفاق العقبة..؟
جهينة نيوز- خاص:
بات من المؤكد وبعد الخديعة الكبرى التي نفذتها الجامعة العربية (المخترقة) من بعض عربان النفط وحلفائهم من أصحاب العروش المتهالكة، وإطلاق سلسلة الإنذارات والعقوبات ضد سورية وشعبها، أن المؤامرة ليست وليدة اللحظة، بل إنها معدّة سلفاً، بعلم وبأيدي بعض من يتباكون اليوم على حرية الشعب السوري، فيما شعوبهم المقهورة ترزح تحت نير الظلم وصمت أنظمتهم البالية وعروشهم المرتهنة لسادة البيت الأبيض، فمن كان يتوقع أن تهوي كل تلك المشيخات والممالك والشوارب واللحى إلى الدرك الأسفل لتجد نفسها تحت الحذاء الأمريكي، يتقاذفها حيثما شاء وأينما أراد؟!.
المؤامرة الخديعة التي سوّقتها قطر وأمراؤها يعود "جهينة نيوز" مرة أخرى إلى وثائقها التي تفضح غالبية المتورطين، وتعري شعاراتهم التي طالما تلطوا تحتها ليذبحوا الشعب الفلسطيني خاصة، والشعب العربي عامة، وليدفعوا به إلى مهاوي الصهيونية التي تكالبوا ليضعوا رقاب الشباب العربي على نطعها بكل خسة ووقاحة ونذالة وليبيعوا أوطانهم بأثمان وضيعة ورخيصة.
اتفاق العقبة الذي حاول بعض أولئك إخفاءه والتعمية عليه تظهر بعض نتائجه اليوم، في الضغط السياسي والحشد الإعلامي والتضليلي ضد سورية وإيران وجزء من لبنان والعراق وحركات المقاومة في المنطقة، وكل ذلك بدعوى صهيونية أمريكية سمّاها بعض العربان (الهلال الشيعي) فما هو اتفاق العقبة ومن هي أطرافه الرئيسية، وماهي أهدافه المعلنة والمضمرة أو الحقيقية، وكيف كان مقدمة بل فصلاً من فصول ما يسمّى "الربيع العربي"؟؟..
في20 تشرين الأول من عام 2006 نشر موقع انتيلجينس أون لاين مقالاً بعنوان (تحالف إقليمي سري ضد إيران) وذكر الموقع نسبة لمصادر دبلوماسية أن إسرائيل وأربع دول مسلمة سنية (الأردن، السعودية، مصر، وتركيا) قرّرت في 17/9/2006 تشكيل تحالف استخباراتي إقليمي لمواجهة إيران بسبب محاولاتها لتصنيع سلاح نووي وجهودها لإقامة (هلال شيعي) يمتد من طهران إلى بيروت. وكشفت المصادر الدبلوماسية يومها النقاب عن أن الملك الأردني عبد الله الثاني نجح في إقناع نظيره السعودي عبد الله بن عبد العزيز بالحاجة لتأسيس علاقات سرية مع إسرائيل، للوقوف في وجه إيران. كما نقلت مصادر فرنسية أن اللقاء الذي تمّ فيه الإعلان غير الرسمي عن اتفاق العقبة، تمّ يوم 18 أيلول من العام نفسه.. أما مكانه، فكان في قصر الملك عبد الله على خليج العقبة. أما أطراف اللقاء في البداية فكانت السعودية، والأردن، وإسرائيل.
هذا التحرك جاء بمبادرة من الملك عبد الله الثاني، الذي كان على اتصال دائم مع عبد الله بن عبد العزيز منذ بداية حرب تموز بين حزب الله وإسرائيل، والذريعة والحجة الواهية أن الملك السعودي قلق بشأن خطر المد الشيعي الذي ينتشر بالمنطقة، وأن الملك الأردني يلقى دعماً من رئيس وزرائه حينها معروف البخيت، المدير السابق للمخابرات الأردنية والذي عمل سابقاً سفيراً للأردن لدى إسرائيل. وقد نجح ملك الأردن بإقناع نظيره السعودي بالحاجة لتأسيس علاقات سرية مع الحكومة الإسرائيلية من أجل تنسيق الجهود، وأن ملك السعودية قبل أن يلزم نفسه بهذه العلاقات استشار الأمير بندر بن سلطان أمين عام مجلس الأمن القومي السعودي والسفير السابق لدى واشنطن، والذي كان يحتفظ باتصال دائم مع الإسرائيليين وخاصة في المجال الاستخباراتي، كما استشار الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس إدارة المخابرات العامة السعودية، وأضافت المصادر إنه بعد أن أبدى بندر ومقرن اهتماماً بفتح قنوات مع الإسرائيليين، قام عبد الله بن عبد العزيز باستشارة وزير خارجيته سعود الفيصل الذي وافق أيضاً على الفكرة.
وتالياً استشار ملك السعودية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي أرسل على الفور مسؤولين كباراً من جهاز المخابرات المركزية التركية إلى الرياض للقاء بندر ومقرن. كما أشارت المصادر إلى أن مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان سافر مرتين إلى الرياض، ظاهرياً من أجل تنسيق جهود ما بعد الحرب على لبنان والدفع من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية في فلسطين بين فتح وحماس، بينما في الحقيقة سليمان زار الرياض لينقل موافقة الرئيس المصري حسني مبارك على الاتصالات السرية بين السعودية وإسرائيل.
على أن العلاقات السعودية الإسرائيلية لم تنقطع قط منذ إعلان الكيان الصهيوني عام 1948 وهناك ما يؤكد ذلك والأيام القادمة ستشهد على المستوى الرفيع لتلك العلاقات التاريخية، فمثلاً في 18 تشرين الثاني 1985، تناقلت بعض الصحف العربية والأجنبية خبراً حاز على اهتمام الرأي العام العربي والأجنبي، والخبر نشرته جريدة "العرب" اليومية و"الخليج" الإماراتية و"القبس" الكويتية، ويقول: "إن بعض أفراد الأسرة السعودية المالكة توجهوا سراً إلى مدينة تيفوت وسط فلسطين المحتلة – جنوب إسرائيل – في زيارة سرية متخفين بأسماء مستعارة، وقد قصدوا أثناء زيارتهم قبر حاخام يهودي مشهور في تلك المدينة بقصد التبرك به.. وفي سبيل علاج إحدى الأميرات.
وبالعودة إلى اتفاق العقبة، فإن هذا الاتفاق، بدأ كما ذكرنا بمبادرة من الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، الذي قرّر أن يجمع بين كل من السعودية والأردن ومصر وتركيا وإسرائيل، للعمل في إطار اتفاق واضح، ينظم تبادل المعلومات والتنسيق بينها، لمواجهة إيران.. ويبدو أن فكرة التحالف الاستراتيجي (السني) راحت تختمر في ذهن الملك عبد الله الثاني، منذ يوم 14 آب 2006، وهو اليوم الذي انتهت فيه الحرب بين حزب الله وإسرائيل.
الملك عبد الله الثاني كان هو بداية سلسلة الاتصالات التي بدأت لتوقيع اتفاق العقبة.. أما الحلقة الثانية في سلسلة الاتصالات، فكانت الملك السعودي عبد الله.. ومنذ نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان، صار ملك الأردن على اتصال مستمر بملك السعودية، الذي لم يخف قلقه بدوره من تزايد النفوذ الشيعي في منطقة الشرق الأوسط. لكن، لم يكن من الممكن أن يكون ذلك التحالف قوياً ومؤثراً من دون وجود قوة أخرى في المنطقة كإسرائيل وتركيا.. وقد نشرت صحف العالم كلها أخباراً مبهمة، عن لقاء تمّ بين كبار المسؤولين في إسرائيل ومسؤول سعودي رفيع المستوى، قيل مرة إنه وزير الخارجية السعودي، وقيل إنه الملك عبد الله نفسه.. وجاء تقرير مجلة فرنسية ليعلن أن اللقاء تم بالفعل بين السعودية وإسرائيل. وهنا بدأت حلقة جديدة في سلسلة اتصالات العقبة، التي دخلت فيها تركيا على أعلى المستويات، حين طرح ملك السعودية الفكرة على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان يبدي قلقاً كبيراً من فكرة تزايد نفوذ إيران (الشيعي).. لذلك، بدا له اتفاق العقبة أقرب إلى طوق النجاة الذي يُلقى لغريق، فتشبث به بكل قوته، وتأكيداً لذلك، قرّر أردوغان إرسال عدة مسؤولين كبار من المخابرات التركية إلى الرياض، حيث عقد الأمير بندر والأمير مقرن عدة لقاءات ومشاورات مع مسؤولي المخابرات التركية، لتصبح الرياض مقراً غير رسمي لوضع الخطوط الأساسية لاتفاق العقبة.. خاصة بعد أن حضر إليها عمر سليمان مدير المخابرات المصرية.
وتضيف المصادر: بعد أن اطمأن الملك عبد الله ملك السعودية لهذا الدعم السياسي والدبلوماسي الذي حصل عليه من جميع الأطراف، الداخلية والخارجية، أصدر أوامره للأمير بندر ببدء الاتصالات مع إسرائيل. فبدأ بندر اتصالاته مع مائير داجان رئيس الموساد الإسرائيلي والذي يعرفه جيداً، ووصل داجان إلى قصر الملك عبد الله في الأردن بصحبة يوران كوبوفيتز، رئيس طاقم العاملين الخاص بإيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكان معهما أيضاً، جادي شاماني، رئيس طاقم أولمرت الأمني. وظهر بندر بعدها في القصر الملكي بصحبة ثلاثة من كبار المسؤولين في المخابرات السعودية، وهناك استقبلهم الملك عبد الله الثاني ملك الأردن بنفسه، ودعاهم إلى العشاء، وكان بصحبته كل من معروف البخيت رئيس وزراء الأردن والسفير علي عياد سفير الأردن في إسرائيل، وانتهى اتفاق العقبة إلى ما هو أهم.. إلى ضرورة بدء تطبيقه بسرعة، وتطبيق ذلك يعني إطلاق نوع من التحركات والتحالف بين مخابرات الدول الخمس (مصر، السعودية، الأردن، إسرائيل، تركيا) يتمّ فيه تبادل المعلومات بينهم للتعامل مع التهديد الإيراني في المنطقة، لكن ظلت فكرة الاتصالات السرية بين السعودية وإسرائيل تشكل عائقاً أمام أطراف الاتفاق، خاصة بعد الضجة التي أثيرت بعد نشر خبر لقاء مسؤول سعودي بإسرائيليين، فوافق رئيس المخابرات الأردنية على أن يقوم بدور الوسيط، أو همزة الوصل بين المخابرات السعودية والموساد، لتنسيق التعاون السياسي والأمني بينهما لتحقيق أهداف اتفاق العقبة.
وفي تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أكدت حدوث أكثر من لقاء سري عقد برعاية ملك الأردن في القصر الملكي بالعاصمة الأردنية عمان جمع بين رئيس وزراء إسرائيل أيهود أولمرت ومسؤولين سعوديين كبار (يقال إنه الملك السعودي) والأخطر والأهم هي الأنباء التي تردّدت عن لقاء عقد في مدينة العقبة الأردنية وجمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك عبد الله الثاني ومدير المخابرات الفلسطيني وانضم إليه مدير مخابرات دولة الإمارات والأمير بندر بن سلطان مدير المخابرات السعودية واللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية ورئيس المخابرات التركية ومائير داجان مدير المخابرات الإسرائيلية الموساد وذلك يوم 19/10/2006.
أما عن افتضاح الاتصالات بين السعودية وإسرائيل، فقد كتب عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة "القدس العربي" مقالاً حينئذ بعنوان "الاتصالات السعودية – الإسرائيلية" قدّم فيه الكثير من البراهين على حدوث لقاء إسرائيلي سعودي، ومما قاله عطوان لإثبات وجهة نظره وكان ضيفاً على برنامج "نيوز نايت" في تلفزيون الـ"بي بي سي" وشاهد تقريراً قبل بث البرنامج ظهر فيه د. مأمون فندي يقول فيه كما ذكر بالنص "إن أحد أعضاء الوفد السعودي الذي التقى الرئيس بوش والسيدة رايس يوم 21 آب 2006 أبلغه أن السعودية وإسرائيل باتتا تقفان في خندق واحد. وقال نقلاً عن هذا المسؤول: إن إسرائيل هي أكثر دولة قدمت خدمات للمملكة العربية السعودية، خدمتها عندما أطاحت بجمال عبد الناصر بهزيمته عام 1967، وخدمتها عندما أطاحت من خلال حلفائها في واشنطن بصدام حسين، عندما حرضت على غزو العراق واحتلاله، وهي الآن تحارب لهزيمة حزب الله عدو السعودية اللدود أيضاً.
إذاً لم يكن اتفاق العقبة إلا صفحة سوداء من صفحات بعض الزعماء العرب المجللين بالعار والذين أوهمهم ساسة البيت الأبيض بالخطر الإيراني، فيما كانت بوصلة واشنطن التي تكسّرت عام 2006 في لبنان يكسّرها الشعب السوري مرة أخرى في 2011 دون أن يدري أولئك أن أمريكا وإسرائيل قد وضعت خرائط تقسيم المنطقة إقليمياً وطائفياً، ولن تستثني بالطبع حلفاء (اتفاق العقبة) وأن رياح "الخريف العربي" سترتد على عروشهم عاجلاً أم آجلاً.
والسؤال أخيراً: ألا يعلم ملكا الأردن والسعودية أن الخطة القادمة وبعد تقسيم مصر ستطيح بالأول لإقامة الوطن الفلسطيني البديل، وتطيح بالثاني لإنشاء ثلاثة كيانات سعودية لن يجرؤ آل سعود نفسهم على رفضها، بينما ستكون تركيا أكبر المقسّمين، فهي تضم أقليات وقوميات أعجز من أن تواجه رياح "الخريف العربي" الذي أطلقوه من خليج العقبة؟.