وأمَّا الباب الثاني (الجملة الطلبيَّة):
فقد قسمته ثلاثةَ فصول، وبلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة الطلبيَّة في شعر الخنساء ثلاثمائة وخمسة وأربعين موضعًا، وهذا يشكِّل مساحةً كبيرة في الدِّيوان؛ مما يدلُّ على أن الخنساء حاولت من خلال الجملة الطلبيَّة التنفيسَ عن آلامها، وتسلية نفسها، والترجمة عن خواطرها الجيَّاشة؛ لذا نجدها في شِعْرها تلحُّ على طلب البكاء بمشتقاته، وكأنَّها جذور غارتْ في وجدانها، فتجد في هزِّها ما يخفف في آلامها الكظيمة؛ ولهذا كانت جملة الأمر أكثرَ أنواع الطلب ورودًا؛ حيثُ وردت في مائة وأحد عشر موضعًا، يليها جملة النداء في ثمانين موضعًا، وجملة الاستفهام في تسعة وستين موضعًا، وجملة الدُّعاء في أربعة وثلاثين موضعًا، ثم جملة النهي في خمسة وعشرين موضعًا.
حذف حرف النداء في ستة عشر موضعًا، وكان لهذا الحذف دلالات خاصَّة ذكرت في مواضعها.
رجَّح البحثُ استعمال (يا) حرف تنبيه مخلوعًا عنها دلالة النِّداء في قولها (يا حبذا).
حذفت أداة الاستفهام في موضع واحد، ودلَّ عليها التنغيم مع معاونة السياق.
وأمَّا الباب الثالث الخاص بالجملة الشرطيَّة:
فقد بلغ عددُ المواضع التي وردتْ فيها مائة وثمانين موضعًا، تنوَّعت فيها الأنماطُ الشرطيَّة، وتنوعت الأدوات الشرطيَّة التي يحصل بها الربط والتعليق، وكان أكثرها ورودًا أداة الشرط غير الجازمة (إذا)؛ حيثُ وردتْ في مائة وأربعة مواضع، يليها أداة الشرط الجازمة (إنْ) في ثلاثة وأربعين موضعًا، ثم أداة الشرط غير الجازمة (لو) في تسعة عشر موضعًا، ثم (لما) الحينيَّة غير الجازمة في تسعة مواضع، ثم (مَن) الجازمة، و(لولا) غير الجازمة، ولكل منها ثلاثة مواضع، ثم (متى)، و(أنَّى) الجازمتان، ولكلٍّ منهما موضع واحد، وهذا يتناسب مع الأغراض الدلالية التي وضعت لها هذه الأدوات، وجاء متناسبًا مع السياق الذي وردت فيه.
وفي الباب الرابع الخاص بمكمِّلات الجُمل الفعلية والاسمية، قسمتُه قسمين:
الفصل الأول: مكملات الجمل الفعليَّة، كان للمفعول فيه بنوعيه النصيبُ الأوفر؛ حيث بلغ عددُ المواضع التي وردتْ فيها ظروفُ الزمان مائةً وأربعين موضعًا؛ مما يدلُّ على اهتمام الخنساء بالزمن في بناء جملها، وورد ظرف المكان في أربعة وستين موضعًا.
كان لهذه المكملات دورٌ كبير في بناء الجملة، وإيضاح كبير لمعناها، بل إنَّ المعنى في كثير من الأحيان يتوقَّف عليها، فتُصبِح عمدةً في المعنى، وهذا يكشف عن وعْي الخنساء بطبيعة هذه التراكيب.
وفي الفصل الثاني: المكملات المشتركة بين الجملتين: الفعليَّة والاسمية، انطوى على مبحثين: الأول: الأسماء التي تعمل عملَ الفِعل، كان اسم الفاعل أكثرَ تردُّدًا؛ حيثُ ورد في ثلاثة وثمانين موضعًا، يليه صيغ المبالغة في واحد وستين موضعًا، ثم الصِّفة المشبَّهة في خمسة وخمسين موضعًا، ثم المصدر في أربعة وأربعين موضعًا، واسم المفعول في خمسة عشر موضعًا، ولعلَّها تريد من وراء هذا الاستعمال المتفاوت أن تربطَ الحاضر بالماضي والحاضر بالمستقبل، فتظلُّ صورة أحبتها أمامَها لا تفارقها.
وفي المبحث الثاني الخاص بالتوابع أوضح أنَّ لها دورًا كبيرًا، وأهميةً خاصة في بناء الجملة وتماسكها، والربط بين أجزاء القصيدة بما تَمتلكه هذه التَّوابع من سمات مشتركة وبما يميزها عن غيرها.
كان لعطف النسق النصيب الأوفر بين التَّوابع في شِعر الخنساء؛ حيثُ ورد في أربعمائة وثمانية مواضع، يليه النعتُ؛ حيثُ ورد في ثلاثمائة وأربعين موضعًا، ثم البدل في واحد وعشرين موضعًا.
العطف في شِعر الخنساء يردُّ على من يقول: إنَّ أبيات القصيدة في الشعر القديم لا رابط بينها.
جاء الوصف بالجملة الفعليَّة في خمسةٍ وستين موضعًا، جاء الوصف فيها بالفعل المضارع في ثلاثة وأربعين موضعًا، وبالماضي في اثنين وعشرين موضعًا، وهذا يردُّ على مَن زعم من النُّحاة أنَّ الوصف بالفعل الماضي أكثر من المضارع.
أدَّى النعت إلى طول الجملة بسبب تعدُّد النعوت وتنوعها وتداخُلها، وتركيب صور شِعرية متماسكة في القصيدة تعمل على تماسُك النص واتِّساق أجزائه.
أظهر البحث، أثر الإسلام في لغة الخنساء:
ونستطيع أن نقول: إنَّ الخنساء قد برعت في توظيف تراكيبها اللُّغوية، وبناء جملتها وَفْقًا للمعنى الذي أرادتْه، والغرض الأساسي الذي ساقتْ من أجله هذا الشِّعر، ألاَ وهو الرثاء.
والحمد لله أولاً وآخر، وعلى الله قصد السبيل.
مستخلص البحث
هذا بحث بعنوان: "بناء الجملة في شعر الخنساء" لنيل درجة الدكتوراه، ويهدف إلى دراسة بناء الجملة عندَ الخنساء من خلال قصائدها في ديوانها، وبيانِ أنواع هذه الجمل، وبيان حركة الجملة لديها من تقديم وتأخير، وذِكْر وحذف وربط، إلى آخر ما يُظهر خصوصية استخدام الجملة لدى هذه الشاعرة، كما يهدُف البحث إلى الوقوف على لغة الخنساء - رضي الله عنها - ومعرفة كيفيَّة استخدامها للقواعد وتصرُّفها في الأساليب، والوقوف - أيضًا - على شواهد جديدة تفتح أمامنا أبوابًا في الاستعمال اللُّغوي.
وقد جاء في هذا البحث في مقدِّمة وتمهيد، وأربعة أبواب وخاتمة، وفهارس فنية.
أمَّا المقدمة، فقد تناولت فيها أهدافَ الموضوع وأهميته وسبب اختياره، وخطة البحث ومنهجه.
واختص التمهيد بتقديم ترجمة موجزة للخنساء وشعرها، ثم الحديث عن أسس التحليل النحوي للشعر.
وأمَّا الباب الأول (الجملة الخبرية)، فقد وقع في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الجملة المثبتة: أنْماطها ومكوناتُها، ويضم ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الجملة الاسمية المطلقة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثاني: الجملة الاسمية المقيدة: أنماطها ومكوناتها.
المبحث الثالث: الجملة الفعلية ومكوناتها.
الفصل الثاني: الجملة المنفية: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة المؤكدة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثاني: الجملة الطلبيَّة، وجاء في ثلاثة فصول.
الفصل الأول: جملة النداء، أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثاني: جملة الاستفهام: أنماطها ومكوناتها.
الفصل الثالث: الجملة في الأساليب الخاصة: أنماطها ومكوناتها.
والباب الثالث: الجملة الشرطية ويقع في فصلين:
الفصل الأول: الأنماط التركيبية للجملة الشرطية ومكوناتها.
الفصل الثاني: قضايا الجملة الشرطية، ويضم مبحثين:
المبحث الأول: القضايا التركيبية في الجملة الشرطية.
[1] "بناء الجملة العربية"، (ص 246 - 249)، د. محمد حماسة، طبعة دار الشروق الطبعة الأولى، القاهرة 1416هـ، 1996 م.
[2] "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، 9/876، د. جواد علي، طبعة دار العلم للملايين.
[3] "خزانة الأدب"، (1/414)، للبغدادي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1998 م.
[4] "الكتاب"، 1/337، تحقيق: عبدالسلام هارون، طبعة دار الجيل، بيروت.
[5] "المقتضب"، 3/230، تحقيق: محمد عبدالخالق عضيمة، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
[6] "مجالس العلماء"، 260، وانظر: "شواهد الشعراء المخضرمين في التراث النحوي"، ص 142، توثيق ودراسة: مجدي إبراهيم يوسف، القاهرة، طبعة دار الكتاب المصري، 2001 م.
[7] "كتاب الشعر"، 489، لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م.
[8] "المحتسب"، 2/43، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
[9] "شرح المفصل"، 1/115، مكتبة المتنبي، القاهرة.
[10] "دلائل الإعجاز"، 181، 300 - 302، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي، بالقاهرة.
[11] "همع الهوامع في شرح جمع الجوامع"، 1/290، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
[12] "بناء الجملة العربية"، 254.
[13] "شعر الخنساء في ضوء عِلم اللغة التطبيقي"، رسالة ماجستير، لثناء محمد أحمد سالم، إشراف: د. عبدالمجيد عابدين، 1986، بمكتبة كلية الآداب، الإسكندرية، برقم: 4730.
[14] "النحو والشعر: قراءة في دلائل الإعجاز"، للدكتور: مصطفى ناصف، ص 36، مجلَّة فصول، ع: 3، أبريل، 1981م.
[15] "الجملة في الشعر العربي"، ص5، د. محمد حماسة، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1410هـ.
[16] "عن بناء القصيدة العربية الحديثة"، د. علي عشري زايد، ص 45، مكتبة الشباب، الطبعة الرابعة 1419هـ - 1999م.
[17] "الكتاب"، لسيبويه، 1/26، دار الجيل، بيروت، طبعة أولى.
[18] "الكتاب"، 1/32.
[19] "الجملة في الشعر العربي"، ص 21.
[20] "نظرية اللغة في النقد العربي"، د. عبدالحكيم راضي، ص 46، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1980م.
[21] "القافية تاج الإيقاع الشعري"، د. أحمد كشك، ص 95، مكتبة دار العلوم، 1983.
[22] "بناء الجملة العربية"، د. محمد حماسة، ص249، طبعة دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 1416 هـ/ 1996م.
[23] "النص الأدبي: تحليله وبناؤه"، د. إبراهيم خليل، ص 13، عمان، الأردن، طبعة أولى، 1995م.
[24] "المعنى النحوي الدلالي وأثره في تفسير النص، وبيان تماسكه"، ص 1014، رسالة ماجستير لمحروس السيد، دار العلوم، رقم 1423.
[25] "جدلية الإفراد والتركيب"، د. محمد عبدالمطلب، ص 82، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، الطبعة الثانية، 2004م.
[26] "بناء الجملة العربية"، ص 74.
[27] "دلائل الإعجاز"، ص 55، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1992م.
[28] "قضايا الحداثة عند عبدالقاهر الجرجاني"، د. محمد عبدالمطلب، ص 84، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، طبعة أولى، 1995م.
[29] "البلاغة والأسلوبية"، د. محمد عبدالمطلب، ص 45، الشركة المصرية للنشر لونجمان، ط1 سنة 1994م.
[30] "اللغة وبناء الشعر"، د. محمد حماسة: ص 17.
[31] "التعريف بعلم اللغة"، دافيد كريستال، ص110، ترجمة: حلمي خليل، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993 م.
[32] "علم اللغة بين القديم والحديث"، د. عاطف مدكور، ص 176، دار الثقافة للنشر 1986 م.
[33] "بناء الجملة العربية في شعر أبي العتاهية"، ص 34، رسالة دكتوراه، لحامد العزيز، مكتبة دار العلوم، 2005.
[34] "النحو والشعر"، ص 36.
[35] "في علم اللغة"، 74، 75، د. غالب المطلبي.
[36] "النحو والدلالة"، د. محمد حماسة، ص 23، المدينة، دار السلام، ط1، 1983 م.
[37] "بعض المدارس والاتجاهات الحديثة في علم اللغة"، جون ليونز، ترجمة د. زكي حسن التوني، مجلة البيان الكويتية، العدد: 250، يناير سنة 1987.
[38] النحو والدلالة: ص 26.
[39] النحو بين عبدالقاهر، وتشومسكي د. محمد عبدالمطلب، ص 28 فصول، العدد الأول، 1984 م.
[40] "لسانيات النص، مدخل لانسجام النص"، محمد خطابي، ص 97، وما بعدها، المركز الثقافي الغربي، المغرب، 1990 م.
[41] "جدلية الإفراد والتركيب"، ص 282.
[42] "شرح الكافية الشافية"، لابن مالك، 1/ 155، تحقيق: د. عبدالمنعم أحمد هريدي، دار المأمون للتراث، 1982 م.
[43] "النظرية الألسنية عند جاكبسون: دراسة ونصوص"، (ص: 92)، فاطمة الطبَّال بركة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط.1، 1993م.
[44] "مفاهيم نقدية"، رينيه ويلك، ص 51، ترجمة د. محمد عصفور، سلسة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير، 1987.
[45] "الإبداع الموازي: التحليل النصي للشعر"، د. محمد حماسة، ص11، دار غريب، الطبعة الأولى، 2001 م.
[46] "البلاغة والأسلوبية"، ص42.
[47] "التدوير في الشعر"، د. أحمد كشك، ص5.
[48] "إحياء النحو"، ص5.
[49] "النص الشعري وآليات القراءة"، د. فوزي مسعود، ص9، منشأة المعارف، بالإسكندرية، د. ت.
[50] "اللغة والإبداع الأدبي"، د. محمد العبد (ص: 36)، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط.1، 1989م.
[51] "اللغة وبناء الشعر"، ص9.
[52] "الإبداع الموازي: التحليل النصي للشعر"، ص11.
[53] "الشعر والنقد"، د. محمود الربيعي، ص 279، مجلة فصول، المجلد السادس عشر، العدد الأول، صيف، 1997م.
[54] "دور النحو في تفسير النص الشعري"، ص158 وما بعدها، رسالة ماجستير، لمصطفى عراقي، دار العلوم.
[55] "توازن البناء في شعر شوقي"، د. محمود الربيعي، ص 69، 77، مجلة فصول، العدد الأول، 1982م.
[56] "لغة الشعر: دراسة في الضرورة الشعرية"، ص 5، د. محمد حماسة، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1996م.
[57] "دور النحو في تفسير النص الشعري"، ص 154.
[58] "نظرية التلقي مقدمة نقدية"، روبرت هولب، ص 12، 13، ترجمة د. عزالدين إسماعيل، المكتبة الأكاديمية، ط 1، 2000.
[59] "عن بناء القصيدة العربية الحديثة"، ص 17.
[60] "الإبداع الموازي"، ص 37.
[61] "علم لغة النص: المفاهيم والاتجاهات"، د. سعيد البحيري، ص 140 - 141، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، ط1، 2004، "بلاغة الخطاب وقلم النص"، د. صلاح فضل، ص 230، دار عالم المعرفة، القاهرة، ط1، 1994م، 1414هـ