الرد على أكذوبة الغرانيق:
ملخص القصة المكذوبة:
الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم يستندون فى هذه المقولة إلى أكذوبة كانت قد تناقلتها بعض كتب التفسير من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الصلاة بالناس سورة " النجم: فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى* ومناة الثالثة الأخرى)
تقول الأكذوبة:
إنه صلى الله عليه وسلم قال: ـ حسب زعمهم ـ تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى.
ثم استمر صلى الله عليه وسلم فى القراءة ثم سجد وسجد كل من كانوا خلفه من المسلمين وأضافت الروايات أنه سجد معهم من كان وراءهم من المشركين !!
وذاعت الأكذوبة التى عرفت بقصة " الغرانيق " وقال ـ من تكون أذاعتها فى صالحهم ـ: إن محمداً أثنى على آلهتنا وتراجع عما كان يوجهه إليها من السباب. وإن مشركى مكة سيصالحونه وسيدفعون عن المؤمنين به ما كانوا يوقعونه بهم من العذاب.))))
هذه هي الأكذوبة
الرد على هذه الأكذوبة:
أولا:
إن هذه القصةَ قصةٌ باطلة مكذوبة لا يعترف بها المسلمون... هذا واضح من أقولِ العلماء كما يلي :
1- قال ابنُ كثيرٍ - رحمه اللهُ- في تفسيرِه عن هذه القصةِ قبل ذكرها : قد ذكر كثيرٌ من المفسرين هاهنا قصة الغَرَانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندةً من وجهٍ صحيحٍ، والله أعلم . أهـ
نلاحظ أن ابنَ كثيرٍ يقول : " لم أرها مسندةً من وجهٍ صحيحٍ ".
2- قال القرطبيُّ - رحمه اللهُ- في تفسيره بعد أن ذكر هذه القصة قال: ضعفُ الحديثِ مغن عن كلِ تأويلٍ، والحمد لله. ومما يدل على ضعفه أيضًا وتوهينه من الكتاب قوله تعالى: " وإن كادوا ليفتنونك " [ الإسراء: 73 ] الآيتين، فإنهما تردان الخبر الذي رووه، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى، وأنه لولا أن ثبته لكان يركن إليهم. فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى عصمه من أن يفترى وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا فكيف كثيرًا ؟! وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم، وأنه قال -عليه الصلاة والسلام-: افتريت على الله وقلت ما لم يقل. وهذا ضد مفهوم الآية، وهى تضعف الحديث لو صح، فكيف ولا صحة له ؟! وهذا مثل قوله تعالى: " ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ " [ النساء: 113 ].
3- سُئل ابنُ خزيمةَ- رحمه اللهُ- عن هذه القصةِ فقال : من وضع الزنادقة .
4 - قال البيهقيُّ - رحمه اللهُ-: هذه القصة غير ثابتةٍ من جهةِ النقل ، ورواية البخاري عارية عن ذكر الغرانيق .
5- قال ابنُ حزم- رحمه اللهُ- :" والحديث الذي فيه : وأنهن الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى . فكذب بحت لم يصلح...
من طريق النقل ولا معنى للاشغتال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد)" الإسلام بين الإنصاف والجحود ص 69 ) .
6- بمثل ما سبق: قال الشوكانيُّ ، والألوسيُّ ، والنحاسُ ، و البزارُ ، وابنُ العربي ، والمحققون من أهلِ العلمِ ، مثل: العالمِ الربانيِّ محمد نصر الدين الألباني الذي ألف رسالةً بعنوانِ: (نصب المجانيق لنسف قصه الغرانيق) وقد دمر القصةَ تدميرًا سندًا ومتنًا ، وأحيل المعترضين إلى قراءتِها فمنها بعضُ ما سبق بيانه.
ثانيا:
: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يحترم الأصنامَ في الجاهليةِ ، ولم يُعرف عنه أنه تقرب لصنمٍ قطُ ، وقد كسّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في فتحِ مكة ثلاثمائة وستين صنمًا .....
وأتساءل: فكيف يوقرها وهو رسولُ من عندِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟!
أو كيف يتركه ربُّه صلى الله عليه وسلم يسجد للأصنامِ بحسب هذه القصةِ الموضوعةِ ؟!
الجواب :إن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو من أمر بطمسِ الأصنامِ ، وتغير معالمها ... ثبت ذلك في صحيحِ مسلمٍ برقم 1609 عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ قَالَ :قَالَ لي عَلِىُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ.
ثالثا:
إن قيل بعد هذه الإجابة: لماذا ذكر المفسرون القصةَ في تفاسيرهم وهي مكذوبة ؟
يقال : إن منهج الكثيرين من المفسرين يأتون بكلِ ما قيل عن الآيةِ ، وما يتعلق بها ثم يحققون بعد ذلك كما فعل ابنُ كثيرٍ و القرطبيُّ ، وغيرهما مع هذه القصة (الغرانيق ) ذكروها ثم بيّنوا أنها لا تصح لتحذير المسلمين منها ، ومنهم من يجمع ولا يحقق ويأتي أهل التحقيق بعد ذلك يحققون كالألباني ، وأحمد شاكر ، وغيرهما - رحمهما الله - وهذا من باب الثراء العلمي عند المفسرين القدامى يجمعون كل ما قيل عن الآية.... . يدلل على ذلك ما قاله الطبريُّ في مقدمةِ تاريخه لما قال: فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ؛وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا...أه
رابعا:
إن قيل: القصة مكذوبة كما قلتم ، فما هو معنى الآيةِ التي ذكر المفسرون تحتها (قصة الغرانيق) ؟ قلتُ: إن القرآنَ الكريم أعظم من أن يفسر على وجهٍ واحدٍ ؛ هناك تفسيران للآيةِ الكريمةِ :
التفسير الأول : قوله تعالى ((ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (الحج 52).
تمنى أي : اشتهى وهي من الأمنية جاءت من قوله(( أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى)) (النجم24).
وبالتالي فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تمنى واشتهى هدايةَ قومه فكان الشيطانُ عائقًا في دعوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو يوسوس للناس ، ويزين لهم الباطل ، ويكرههم في النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وفي القرآن بوساوسه لهم .... وبعد ذلك ينسخ اللهُ ما يلقى الشيطان في قلوبِ الناسِ ثم يُحكِمُ اللهُ آياته واللهُ عليم حكيم.
التفسير الثاني : قال بعضُ المفسرين : ( تمنى ) أي: تلا كتابَ اللهِ ، والمعنى: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حينما يتلو كتابَ الله يلقى الشيطانُ على أسماعِ الكفارِ الوساوسَ والشبهات في قلوبهم ضد القرآن عند تلاوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فينسخ اللهُ ما يلقى الشيطان ثم يحكم اللهُ آياته ، ولا يلقى الشيطانُ على لسانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما جاء في القصة المكذوبة ! وهذا ما ذكره القرطبىُّ عن سليمانَ بنِ حربٍ ، وما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق، وقاله ابن العربي وغيرهم.
مستفاد من كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام- مع بعض التصرف والإختصار.