منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مَنْظُومَةُ الجَوَاهِرِ الحِسَانِ وَعِصْمَةِ الإِخْوَانِ مِنْ فِتَنِ آَخِرِ الزَّمَانِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-12-05, 22:34   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
محب السلف الصالح
عضو فضي
 
الصورة الرمزية محب السلف الصالح
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لمحة من سيرة أسد الأمر بالمعروف ونشر السنة بجدة
الشيخ صالح الزهراني رحمه الله
1340 _ 1427 هـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد :
فقد ودع أهل مدينة جدة الشيخ الفاضل الداعية المربي ,الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر , الناصح الذي صدع بكلمة الحق ولم يخش في الله لومة لائم الشيخ/ صالح الزهراني رحمه الله , عن عمر قارب السابعة والثمانين .
فلو سمعت أيها القارئ الكريم بقصيدته ذائعة الصيت التي أنشدها كبار المنشدين وأصحاب الصوت الشجي لعلمت أي رجل هذا الذي نحن بصدده .
كان الشيخ رحمه الله لمن لا يعرفه من أبرز من كافح فساد الأنس و الجن , فكان شامة في جبين هذه المدينة الساحلية التي تموج بمئات الآلاف من البشر وشتى الأجناس , وكل طائفة تريد أن تعيش على هواها , لولا أن الله تعالى يحفظ البلاد والعباد بالقائمين بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فهو من قرابة نصف قرن وهو ناشر للسنة والمعروف في جدة.
تسنم شيخنا المبارك رحمه الله قامة المجد بغيرته الصادقة وصدعه بالحق ونهيه عن المنكر , وعرفه الناس خطيباً مفوهاً , وواعظاً يأخذ بمجامع القلوب , وراقياً لا يأخذ أموال الناس , أسداً عند الدعوة إلى الله , غير مبالٍ بوقته وجهده من أجل دفع منكر أو نشر سنة , أو دلالة تائه عن طريق الهداية , بشوشاً لجميع المسلمين , محبوباً من أول مجلس , فكيف إذا تعددت مجالسه , محب للسنة واهلها , بعيداً عن البدعة وسبلها .
كان مع إخوانه الدعاة هنا (رحم الله من مات منهم وبارك في الباقين ) مثل الشيخ سعيدالدعجاني والشيخ داوود العلواني , والشيخ سالم بن عفيف ,والشيخ محمد أحمد باشميل , كانوا شموعاً يستضيء بها الساري وتنير طريق الظلمات للغافل .
ولقد سمعت مراراً الشيخ علي بن عبد الرحيم الغامدي ( مدير مركز الدعوة والإرشاد بجدة السابق) يذكره ويثني عليه جداً ويعجب من صبره على الناس وتحمله لأذاهم مع كبر سنه .
وكان لايدع فرصة بدون أن يعظ فيها بما تيسر , أو ينصح أو يدعو لإزالة منكر أو نصرة داع .
كانت المنكرات وفشوها تؤرقه جداً , سواء المنكرات العقدية أو الشهوانية , وقد ألمح الى ذلك في قصيدته الطويلة , فقام بواجبه خير قيام .
وكان حبه لنفع الناس شيئاً فوق الوصف , فمع أنه يصلح بين الناس , ويزوج الشباب , ويرقي المئات في مسجده , لا يأخذ من متاع الدنيا الزائل شيئاً .
بل اخبرني الشيخ موفق بن كدسة (1) أنهم كانوا يسيرون في المطار القديم بجدة قبل أن تبنى المباني والدور فرأى ثعباناً كبيراً جداً , فترجل عن السيارة واصر وقد جاوز عمره الثمانين على قتله بيده , وهو يقول لمن معه لابد أن لا نتركه يضر الناس ,ولم يزل به حتى قتله بيده , ومن معه في السيارة يعجبون من شجاعته وحماسه رغم سنه الطاعن .

وهذه ترجمة يسيرة للشيخ رحمه الله الذي لقي الله تعالى يوم الجمعة (13/5/1427) وصلي عليه بعد صلاة العصر في المسجد الحرام ودفن في مكة المكرمة .

هو الشيخ صالح بن احمد بن محمد آل حبابة الزهراني , ولد (1340) في قرية الغبشة بتهامة زهران وكان والده شيخاً لأهالي القرية .
قرأ القرآن في قريته وعمره ست سنوات , ثم رحل إلى والده الطائف وبعد عودته توفي والده وربته أمه .
بدأ طلب العلم وعمره ثمانية عشر سنة , وأكثر ما قرأ إذ ذاك بلوغ المرام وسبل السلام وزاد المعاد وتفسير ابن كثير , ونحوها , وقد أثرت فيه جداً حتى تشبع كتب السنة والدليل وطريقة السلف .
ثم سافر إلى مكة ولازم الشيخ (صالح العشماوي) والد الشاعر الشهير عبد الرحمن العشماوي , واستفاد منه
ثم لازم وقرأ على الشيخ المحدث (عبد الحق الهاشمي) وأجازه بمرويات كتب السنة .
ثم قرر الشيخ العودة لقريته المتواضعة لفائدة الناس ونفعهم , وأصبح إمام وخطيب القرية ، ثم فتحت بعض مدارس القرعاوي (2) هناك ودّرس فيها لمدة ثلاث سنوات , ثم الغيت بعد ذلك .
قرر بعد ذلك السفر لمدينة جدة , وهناك تعرف الناس عليه في تلك المدينة المتواضعة إذاك فكان وصوله في عام (1379) فأصبح إماماً لمسجد سليمان الحمد , وفي عام (1380) تعين رئيس مركز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الليث , هي مدينة ساحلية تبعد عن مكة أكثر من مئة كيلو , وكانت إذاك تعيش في حالة مزرية من ناحية التعليم وطرق المعيشة , فكان رحمه الله له دور بارز في نفع الناس , وبقي عندهم حوالي ثلاث سنوات عمرها بالخير والإصلاح رحمه الله تعالى .
ثم بعد ذلك انتقل إلى العرضية وهي ايضاً منطقة متشعبة القرى تقع ضمن ديار تهامة وسط الجبال, في مناطق وعرة المسالك كثيرة الدروب , بعيدة عن الحضارة في ذلك الزمن , تبعد عن مكة أكثر أربع مئة كيلو, أسفل من جبال السراة مما يلي ديار شمران و بلقرن , فكان فيها خطيباً ومربياً وداعياً , ومرشداً .
ثم رجع إلى جدة في عام(1386) وهناك أعجب به المشايخ والفضلاء بما عرفوه من علمه وفضله ودعوته فتقرر أن يكون هو إمام وخطيب جامع الملك سعود , وهو أشبه بالجامع الكبير في جدة ويقع اليوم بحي الرويس وفيه درس الشيخ الفاضل محمد بن محمد المختار الشنقيطي .
وتعين أيضاً الشيخ صالح رئيساً لمركز الرويس في مدينة جدة , والرويس إذاك من أهم أحياء جدة الجديدة .
وقرأ في تلك الأثناء بمدينة جدة على الشيخ محمد بن شمسان الشيباني كتباً عدة منها هداية المستفيد , وقطر الندى في النحو , والرحبية في الفرائض .
ورحل إلى المدينة النبوية وجالس العلماء هناك فحضر أكثر من مئة مجلس من دروس الشيخ عبد العزيز بن باز وتأثر به وبسمته وهديه ولازمه مدة حياته , وأمر الشيخ عبدالعزيز بن باز بعد أن أصبح رئيس الدعوة والإرشاد أن يعطى الشيخ صالح الزهراني بطاقة لتمكنه من الدعوة في أي مكان .
وقد التقى بالشيخ محمد بن إبراهيم مفتي البلاد السعودية في مجالسه واستفاد منه مراراً .
وكل من عرف الشيخ صالح وسمع خطبه أو كلماته يعجب من السلاسة في العبارات والقوة في الطرح والبلاغة التي تناسب حال المخاطبين , فهو يتكلم ليفيد الناس لا ليعلمهم أنه يملك معلومات !.
كان رحمه الله في مواعظه التي يتجول بها دائماً في مساجد جدة يركز على قضايا التوحيد والعقيدة والتصدي للمنكرات
فأنت تسمعه فتظن أن هذا الأسد الجهوري الصوت , المنتصب كالسيف وقد جاوز الثمانين , يشرح متن الأصول الثلاثة , أو كتاب التوحيد , وهما من مصنفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
لا تكاد تمل وأنت تسمعه وهو يرسل كلماته إلى الناس , فلا يكاد ينتهي من كلامه وموعظته حتى يهرع الناس اليه لتقبيل رأسه والسلام عليه .
ولاشك ان أي داعية تصدى لإصلاح الناس , وتقويم ما اعوج من سلوك البشر ، سيلقى الأذى وقد كان ذلك .
فأوذي في سبيل ذلك , لكنه وقف مواقف مشرفة يجبن عنها كثير من الناس ,حتى أن بعض سفراء الدول الغربية أصبح يخشى الشيخ الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يعرف المجاملة التي تؤدي الى ضياع الدين , لعلي أذكرها في وقت آخر , فيها العجب العجاب .
وقد ترك الشيخ من المؤلفات القيمة شيئاً يسيراً , حيث شغله نفع الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجلوسه للرقية ومحاربة مفسدي الجان , وهذا تعداد يسير بها :
1- منظومة الجواهر الحسان التي ذكرنا مقطعاً منها , وقد عرضها على الشيخين عبد العزيز بن باز وعبد الله بن حميد رحمهما الله فاستحسناها جدا , لما فيها من نَفَس أهل السنة وعلم شريف , مع إطلاع وفهم لحال الناس ومنكراتهم المعاصرة , وجودة سبكها وسلاسة نظمها .وهي الآن بصدد إعادة طباعتها بتحقيق ابنه القارئ/عبدالعزيز بن صالح الزهراني(3)
2- بدعة الإعتداء في الدعاء .تحقيق ابنه القارئ/ عبدالعزيز بن صالح الزهراني .
3- الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم ( مات ولم يتمه) .
4- خطبه المنبرية ( وقد جمعها ابنيه عبدالرحيم وعبدالعزيز)
تلك نبذة من خصال الشيخ صالح الزهراني كتبتها تذكرة لأهل الغيرة , في زمن كثر خبثه وفشا منكره .
توفي رحمه الله يوم الجمعة الثالث عشر من الخامس لعام الف وأربع مئة وسبعة وعشرين بعد أمراض الكبر التي لم تفقده كثيراً من صحته وعقله وذكره وعبادته , بل كان يدعوا الله كثيراً أن يجعل وفاته في اليوم المبارك الجمعة, كما كان يقول ذلك ابنه عبدالعزيز الزهراني وكان له ذلك .
دفن رحمه الله في مكة ونزل قبره الشيخ الفاضل الدكتور صالح الغزالي والشيخ ابراهيم عطية الزهراني وابنيه عبدالعزيز وعبدالرؤوف , ليتوارى هناك جسد نحسبه والله حسيبه من أهل الغيرة والصلاح , وبقية من القرون ممن كان جل همه نشر الفضيلة ودفع الرذيلة , ونفع الناس .
اللهم ارحم الشيخ صالح وأسكنه الفردوس الأعلى وعوضه خيراً من دنياه ,وأصلح له ذريته , وبلغه مناه , والهم محبيه الصبر والسلوان .

______
(1) موفق بن عبد الله بن كدسة الغامدي أبو عبد العزيز ، أحد الدعاة المفوهين من أبناء بلجرشي ، أمام وخطيب بحي السليمانية بجدة ، يحضر الآن رسالة الدكتوراه ، رزقه الله أسلوبا جميلا في الخطابة ، لا يمل المستمع منه .
(2) سألت الشيخ محمد بن جماح حفظه الله ، فقال نعم ، كان في مدرسة القرعاوي ، وقال إنه كان يزورهم كل شهر ثلاثة أيام أو أربعة ، يستفيد منهم ، لكنه لم يكن طالبا منتظما في المدرسة السلفية ببلجرشي التي أسست عام 1370 هـ ، بل كان يزورهم ويجلس معهم ويستفيد منهم .
(3) أخبرني شيخنا محمد بن علي آل جمَّاح الغامدي حفظه الله أنه بعد أن استمع إلى هذه القصيدة ، وأعجب بها كثيرا ، قرر أن يقوم بنظم قصيدة مثلها ، تشتمل على نصائح وآداب وتوجيهات ، وقد نظمها عام 1396 هـ ، في 153 بيتا ، وقد أخذت التسجيل الصوتي لها من الشيخ حفظه الله ، وفرَّغته ، وسأعرضها على الشيخ للتصحيح والتنقيح والتعليق عليها ، ثم نشرها ، أسأل الله التيسير .









رد مع اقتباس