منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رواية
الموضوع: رواية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-02-21, 19:34   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
close friend
عضو جديد
 
إحصائية العضو










Flower2 تكملة للرواية

الــــبـطـل الـصـغـيــــر



عمر ولد طويل القامة عريض المنكبين شديد بياض البشرة ذا شعر أشقر .


كان عمر الصورة المصغرة لأبي القاسم بشخصيته و كانت كرة القدم هواية له تأسره و تخفف عنه مآسي الحياة التي يكابدها من بزوغ الفجر إلى أن تعانق الوسادة رأسه ليلا و هو يفكر بلقمة عيش الغد لمن أصبح يعولهم ، فاستمر بمشاركاته مع فريقه ظنا منه أن هذه الرياضة التي شغفته و خطفت قلبه ستكون له باب رزق كما هي باب ترويح و استمتاع لكنه بعد أول مباراة يشارك بها ضد فريق من دائرة العفرون لاحظ المال البخس الذي حصل عليه بعد فوز الفريق المشارك به فكان هذا نذيرا له أن لا مفر للجوء للأعمال الشاقة متذكرا فاطمة و حورية فعاد تاركا لرياضة أحبها حبا جما فاعتقد أنه ستعطيه ما يكفي لأهله مثلما كان هو يعطيها كل اهتمامه و عشقه .



وصل يومها البيت قائلا :


ـــ لن أعود للفريق و لا لرعي الغنم بل سأبحث عن عمل أشق و كسب أفضل لأجل هاتين الأختين فأنا لا أريد أن تستيقظ الواحدة منهما و لا تجد ما تأكل إنهما أختين لي عوضا عن الأخوين محمد و علي يرحمهما الله فسأدللهما قدر استطاعتي .


فكان عمر أخاهما الأكبر .



قرر البحث عن عمل آخر لعله يحصل على أجر أعلى فلجأ إلى الأشغال الشاقة حيث ينقل قطع الصخور التي تقسم للتمكن من حملها لعله يحسن وضعيتهم المادية لأن أجر هذا العمل كان أفضل بقليل .


إلى اليوم الذي كانت الخيانة التي أعلمت العسكر انه يعمل لصالح المجاهدين ، أخذوه إلى السجن لكنهم تركوه بعد التعذيب و فور عودته علم بالمخطط الذي كان من القُومية المتسببين بهذه الخيانة لغرض بنفس كل واحد منهم ؛ فقد كانت لديه بقرة اشتراها بعد تعبه الدءوب بالأشغال الشاقة التي قاسى فيها كثيرا و عندما اقترح عليه احد القُومية أن يشتري منه دراجته مقابل البقرة وافق لأنه كان بحاجة لشيء يركبه ليصل إلى عمله الشاق كمشقة طريقه البعيد المسافة و يكون له منها فوائد أخرى فوافق و لكنه لم يكن يعلم ما يخبئه له هؤلاء الخونة إلى اليوم الذي استلم دراجته فأخبروا العسكر بأنه يعمل لصالح المجاهدين و هم يجهلون أنه حقا يعمل لصالحهم فأخذوه ليسجن و يعترف و هنا ذهب القٌومية إلى بيته فأخذوا الدراجة و قالوا انه سرقها من القُومي فلان كي لا يستطع منعهم .


فقالت عائشة :


ـــ اذكر يوم جلس بالقرب من رماد تبقى من طبخنا عليه بعض الخبز و هو يقلبه بعود حطب صغير فكانت دموعه تمتزج بالرماد فيقلبه من جديد و هو يبكي


و يقول:


ـــ أنا يقال عني سارق ؟ أنا الحر ابن الحر؟ أنا من لا يرضى إلا بالحلال ؟



ثم مرت الأيام و هو يحاول الكد من جديد بعد أن كان تعبه بالأشغال الشاقة يزداد خاصة بوجود القٌومية ، لم يكن هناك من كان يساعد فرنسا و يقويها بقدر هؤلاء القُومية و كان يومها يعمل بمشغل الحجر كعادته و أثناء نقله للحجر على ظهره النحيل صرخ بوجهه احد القٌومية أحمد الأخضر :


ـــ حمّل الأحجار يا عميل الفلاّقة .


فقال له عمر:


ـــ سيأتي اليوم الذي يأتي فيه من يحمل عليكم الحجر .


كانت هذه فرصة للقُومي احمد الأخضر كي يترجم كلامه ترجمة تناسبه للوشاية به انه يعمل لصالح المجاهدين فقال للمعمر الفرنسي :


ـــ أسمعت .... لقد قال لك انه سيأتي اليوم الذي يتواجد فيه الفلاّقة بيننا و من بينهم أخيه فينتصرون عليكم و يجعلونك تحمل الحجر يا سيدي مثلما يفعل هو الآن ؛ أتسمع انه يعترف علنا أنه عميل للمجاهدين يكفي ان أخاه من الفلاّقة .


هنا اتصل الفرنسي المعمر بالعسكر و اخبرهم بأمر عمر و تهديداته فأخذوه مباشرة إلى السجن ليلقى عذابه بالكهرباء فقد ظل تعذيبه طويلا و لكنه رفض أن يعترف انه كان يوصل لهم الأكل و الأخبار فتم حرقه بالكهرباء مرارا و هو يقول :


ـــ لا اعرف أحدا من المجاهدين .


ثم أتوه بأحد من من كان يعمل مع المجاهدين و استسلم بعد التعذيب فقال :


ـــ اعرف هذا الشاب إنه عمر فقد كان يأتينا بالأكل و بالأخبار مرارا .


لكن برغم هذه المواجهة ظل مصرا على الرفض و الإنكار كي تكون آخر حرقات الكهرباء هي القاتلة حيث رموه وسط حقل كان قد تم حصاد الزرع فيه و تعمدوا أن يتواجد بعضا من اثر حبوب القمح بفمه كي إذا نقلوه إلى أهله يقول العسكر وجدناه يسرق فرميناه بالرصاص و هو يحاول الهرب كما وضعوا منشارا بالقرب منه ليوهموا أهله و الناس أنه كان يسرق من شجر البرتقال لكن وجهه و جهة جسده اليمين كانت كلها حروق من اثر التعذيب فقد كان باديا عليه انه قتله عسكرُ فرنسا أثناء التعذيب عندما رفض الاعتراف .


عندما اخرج الناس جثة عمر من الحقل متجهين إلى المقبرة ليوارى التراب صرخت كل النسوة لكن مريم كما فعلت بولدها الأول و الثاني لم تصرخ بل كانت دمعاتها تنزل بصمت و هي تتجه لإناء الماء كي تتوضأ و تصلي ركعتين و هذا الأمر الذي كانت تستغربه كل من قريباتها و جاراتها .


قضى الحَرْكة الذين سرقوا من عمر دراجته النارية التي اشتراها مقابل البقرة الليل كله يلعبون بها أمام بيته فلم يكن يُسمع بذلك الليل الحزين سوى صوت الدراجة النارية محاولة من الحَرْكة لإثارة غيظ والدته و أهله كونها كانت ملكا له و كأنهم أرادوا القول :


ـــ ها قد قُتل هو و ها نحن نلعب بما امتلك من عرق جبينه .


فكان هذا الصوت يقهر مريم و عائشة أكثر من أي شيء آخر .


بعد استشهاد عمر بسن الثامنة عشر استمرت مريم بعملها و حاولت عائشة إقناعها كي تتركها تخرج للعمل فلم يكن أجر عملها بالحقل يكفي لكنها رفضت و قالت سنتدبر أمرنا بهذا العمل إلى أن نجد حلا ما لكن خروجك للعمل و أنت لازلت صغيرة و جميلة قد يزيد الطين بلة ؛ حاولت عائشة إقناعها بأنها ستخفي جمالها و شبابها مثلما تفعل عادة عندما تخرج لحاجة ما لكن أثناء محاولاتها هذه وصل الرزق من حيث لا يُحتسب فقد أرسل المجاهدون لهم بعضا من الأكل مع أحد الرعاة الذين كانوا يقومون بتوصيل الأخبار إليهم و ظل الأمر كذلك لفترة غير وجيزة حيث بدأ الشك ينتاب بعض القٌومية الذين قاموا بتسريب هذا الشك إلى العسكر فاستمروا بالقدوم إليهم لمعرفة من أين لهم بالقوت و اتهموهم بأنهم يتلقون المساعدة من المجاهدين أو الفلاّقة مثلما تسميهم فرنسا لعلهم يعترفون تحت تأثير الخوف فسأل العسكري عائشة و هو يدخل بيتهم فجأة مع رجاله دون استئذان :


ـــ من أين لكم بهذا الأكل ؟


فقالت عائشة :


ـــ إن والدتنا مريم تعمل كما تعلمون .


فقال و هو يتجه ناحية الباب :


ـــ إذن سنمنعها عن العمل و سنرى من سيوصل لكم الأكل .



لمعرفة حقيقة الأمر منعوا مريم من العمل و رحّلوهم إلى مكان جميع ساكنيه قُومية و هنا اضطرت عائشة للبدء بصناعة الغربال و بيعه أو استبداله مقابل بعض من القمح و أحيانا أخرى بغزل الصوف و لكن ذلك لم يكن كافيا فكان يشتد عليهم الجوع في أغلب الأحيان إلى درجة أن بعضا من زوجات القُومية كن يشفقن عليها و على أولادها و على مريم التي لم تجد ما تفعل بمحاصرتهم لها من كل ناحية فكن يرسلن لهن بعضا من الأكل خلسة دون علم أزواجهم .



لم يكن هينا على عائشة نسيان كل هذا حتى أبسط المواقف ففور أن يثير معها احدهم هذه المواضيع تنطلق بلسان سلس و كأنه لم يمر على ذلك أربعين سنة .


و هاهي تذكر بعضا منها من جديد فتقول :



ـــ يااااه لم أنس يوم كنت ألقي النظر من ثقب كنا قد جعلناه بالغرفة و أنا أراهم يحيطون بعمر من كل ناحية أحسسته بطلا رغم صغر سنه فلو لم يكونوا يخشونه لما أحاطوا به بأسلحتهم من كل ناحية لقد كان ولدا بالثامنة عشر من عمره و لكنهم حاصروه طول الطريق لأنه البطل و هم الكلاب فكان هناك من كان على يمينه و من على يساره و من أمامه و من خلفه تخيلي و هو ولد صغير نحيل الجسد منهكا من حمل الأحجار ليعول أختين له مع أمهما و أما عجوزا تجر قدميها كل صباح يمنة و شمالا لتأتينا ببعض اللقيمات .


كان واضحا أن عائشة اعتبرته أخا لها أو ربما ابنا مثلما اعتبر هو بنتيها أختين له أو حسنتين بالدنيا يريد تدليلهما مثلما قال لها يوم ترك فريق كرة القدم هذه الرياضة التي كان يحبها كثيرا و يتقنها أيضا :


ـــ أتذكرين ...عندما حدثك أهلي عن موت الأختين قبل ولادتي و ها قد جاءت أختين كحسنتين من الله .


فهي تذكر يوم دخل البيت متعبا و هو يقول :


ـــ كم أن حمل الحجر شاق .


فقالت له :


ـــ لازلت صغيرا على هذا العمل ؛ لم لا تعود إلى رعي الغنم و يبارك لنا الله فيه أم بسبب الإشاعة التي أطلقها البعض أنك ترعى الغنم المسروق لعائلة المايد .


فقال :


ـــ سمعت البارحة بعد صلاة العصر مَن أمّنا بالصلاة و هو يتحدث مع أحدهم ينصحه بعدم ترك أخواته البنات مهما لاقى منهن يقول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كانت له أختين فأحسن إليهما دخل الجنة و هاتين أختين لي .


ثم انتشر خبر هجوم العسكر على عائلة المايد عائلة غنية جدا فقد أفسد عليها القُومية و كشفوا أمرها بأنها تساعد المجاهدين بالمؤن و غيرها فأحرقوا البيت و رضيعا حاولت أمه خدوجة أن تنقذه فلم تتمكن لا من ذلك و لا من إنقاذ نفسها حيث استشهدت معه و هي من تحمل اليوم إحدى المدارس بمدينة موزاية اسمها مدرسة خدوجة بن قبايلي .


ثم قالت عائشة و هي تمسك بإطار نظاراتها :


ـــ كان عمر طويل القامة لذا اذكر عندما كانت قدميه خارجتين من المحمل الذي يوضع فيه الموتى .


فاقتربت ابنة عائشة منها لتحضنها لشدة تأثرها بما تسمعه منها .


فابتسمت عائشة :


ـــ إن للثقب هذا قصة طريفة حدثت بسببه ....


ـــ جميل أن تكون هناك بعضا من الطرافة بحياتكم رغم كل ما يحيط بكم من أهوال يومية بل لحظية .


ـــ نعم ... لا نعلم أمام من تحدثت جدتك مريم وابنة عمي الزهراء من ساعدتني بولادة محمد ؛ عن الثقب فعلم به رجل فرنسي يقال له وليد رْمُو فقدم إلينا مع مجموعة من العسكر فلم نحس به إلا و هو يدخل صارخا ضاربا الباب برجله :


ـــ أين انتم أين انتم ؟











رد مع اقتباس