1-8-2- العوامل المتحكمة بالمناخ "Climate Controls":
تعرف العوامل التي تنتج الحالات المناخية في مكان ما بالعوامل المتحكمة بالمناخ أو عوامل المناخ، وهي بالحقيقة نفسها العوامل المنتجة لحالات الطقس، وأهمها:
1- الإشعاع الشمسي الوارد إلى سطح الأرض "التشمس" ( Isolation):
يعد التشمس من أهم العوامل المؤثرة بالمناخ، فهو المولد لعناصر حالاته جميعها بشكل مباشر وغيرمباشر، وبسبب الشكل الكروي للأرض ودورانها حول الشمس تتلقى أجزاؤها مقادير مختلفة من التشمس. فيصل إلى العروض الجغرافية الدنيا الاستوائية والمدارية، حيث تسقط الأشعة الشمس عمودية أو شبه عمودية، أكبر قدر من التشمس. بينما يصل العروض العلياوالقطبية، حيث تسقط الأشعة الشمسية مائلة دائما، أقل المقادير منه. ويقدر أن نسبة ما يصل العروض العليا والقطبية من التشمس يقل عن 20% عما يصل منه إلى العروض الدنيا الاستوائية والمدارية.
وبسبب هذا التباين في كمية التشمس الساقطة على سطح الأرض تتباين قيم الضغط الجوي وتتولد الرياح العالمية هابة عبر العروض الجغرافية ومن مكان الى آخر على سطح الأرض، وتتولد التيارات المائية عبر البحار والمحيطات.
2- طبيعةالسطوح وألوانها:
تلعب طبيعةالسطوح والأجسام وألوانها دورا هاما في تحديد مقادير التشمس الصافية الواصلة الىسطح الأرض وتباينها من مكان إلى آخر. إذ تتمتع السطوح البيضاء وفاتحة اللون، مثل الثلج والرمل، بمعامل انعكاسية للأشعة الشمسية (ألبيدو) كبير وبالتالي تمتص مقاديرقليلة من التشمس. بينما يكون ألبيدو السطوح السوداء وداكنة اللون، مثل الصخورالبازلتية والغابات، قليل فتمتص كميات أكبر من التشمس. وبشكل عام يكون ألبيدوالمسطحات المائية ضئيل جدا لقدرة الأشعة الشمسية على اختراقها والغوص في أعماقها. وعلى العكس من ذلك يكون ألبيدو المساحات القارية كبير نسبيا. ويؤدي هذا التباين إلى إيجاد المزيد من التباينات المحلية والإقليمية الفصلية في كميات التشمس الواصلة الى سطح الأرض وفي قيم الضغط الجوي وفي توليد الرياح المحلية.
بالإضافة إلىذلك، لا تظل طاقة التشمس الحرارية ثابتة الشكل. فعندما تصل الأشعة الشمسية إلى سطح الأرض تدخل في سلسلة من التحويلات الدائمة والمتزامنة تختلف طبيعتها باختلاف طبيعة السطوح الساقطة عليها. وتتحول خلالها إلى أشكال مختلفة من الطاقة الحرارية المحسوسة والطاقة الحرارية الكامنة للتبخر والطاقة الكامنة والطاقة الحركية تتواجد باستمرارفي الغلاف الجوي وعلى سطح الأرض. وتساهم هذه التحولات أيضا في وجود التبايناتالحرارية المحلية، وتيسر نقل الطاقة بمختلف أشكالها بواسطة الغلاف الجوي من مكانالى آخر على سطح الأرض.
3- البعدوالقرب من المسطحات المائية:
تعد البحاروالمحيطات من العوامل الرئيسة المؤثرة في حالات المناخ، وحالات طقسها، السائدة علىسطح الأرض للأسباب التالية:
آ- تغطي البحار والمحيطات حوالي 71% من مساحة الكرة الأرضية، وبالتالي فإن حوالي 71% من كتلة الغلاف الجوي ترزخ فوقها وتكون في تماس مباشر معها وتكتسب صفاتها، لذلك فأنها تشكل مصدرا للكتل الهوائية والرياح الرطبة.
ب- تقوم البحار والمحيطات بدور خزانات عظيمة للطاقة الحرارية الشمسية، لقدرتها الفائقة علىامتصاصها، وتحويلها إلى طاقة كامنة تستخدمها في تبخير مياهها، وبالتالي فإنها تبث قدرا عظيما من الطاقة الحرارية خلال قاعدة الغلاف الجوي بالتماس وبالإشعاع عند تحرير الطاقة الحرارية الكامنة في مياهها المتبخرة عندما تتكاثف على شكل طاقة حرارية محسوسة.
ت- تشكل البحار والمحيطات مع الغابات المصدر الرئيس للرطوبة الجوية الموجودة في الغلاف الجوي، والتي تنتقل إليه بالتماس والتبخر. وبالتالي فإنها تشكل مصدر الهطول(التساقط) على سطح الأرض. ولذلك تكون المناطق الساحلية والتي تصلها المؤثرات البحرية والمحيطية أكثررطوبة وهطولا من المناطق القارية البعيدة عنها.
ث- تشكل البحار والمحيطات مصدر المنخفضات الجوية والرياح الرطبة المؤدية لحدوث الهطول. كماإنها مصدرا للعديد من الحالات الجوية المتطرفة مثل عواصف الهوريكان والتورنادووالنينيو واللانينيا والتسونامي وغيرها التي تصيب الأقاليم الساحلية.
ج- تعمل التيارات المائية البحرية الباردة والحارة، على نقل الطاقة الحرارية وتبادلها بين العروض الجغرافية المختلفة، مؤدية إلى تعديل خصائص حالات المناخ في سواحل المناطق التي تجري أمامها.
ح- تنظم البحار والمحيطات مع النباتات كميات ثاني أكسيد الكربون (CO2) الموجودةفي الغلاف الجوي.
4- المرتفعات الجبلية:
تلعب المرتفعات الجبلية دورا هاما فيتعديل خصائص عناصر حالات الطقس والمناخ والتحكم بها. فمع الارتفاع عن سطح البحرتنخفض درجات الحرارة، ويقل الضغط الجوي، وتعتدل خصائص الغيوم، وتزداد كميات الهطول،وتعتدل سرعة الرياح واتجاهها، وغيرها من الخصائص. ذلك مما يؤدي الى تباين الأنواع المناخية وحالات الطقس المصاحبة لها على السفوح الجبلية. وبوجود المرتفعات الجبلية الساحلية ينحصر دور المؤثرات البحرية على السفوح المواجهة للبحار والسهول الساحلية،حيث تسود الأراضي الرطبة وشبه الرطبة، بينما يلتغي تأثيرها أو يقل على السفوح المعاكسة والمناطق الواقعة خلفها، حيث تسود الأراضي شبه الجافة والصحارى الجافة.
1-9- العوامل المحلية المتحكمة بالطقس والمناخ:
1- الأراضي المتصحرة:
ويقصد بالأراضي المتصحرة تلك الأراضي الزراعية والرعوية والغابية التي كانت منتجة ثم تدهورت بيئتها بسبب الاستخدامات الإنسانية السيئة المفرطة ، المتمثلة بالنشاط الزراعي الحثيث دون ترشيد والرعي والاحتطاب الجائرين واتساع المدن وإقامة المواقع السكنية الجديدة على حساب الأراضي الزراعية والغابية، أو تلك الأراضي التي تدهورتبسبب الشروط المناخية القاسية المتمثلة بتوالي سنوات المحل العجاف وأصبحت غير منتجة ومشابهه للبيئات الصحراوية. وتعد هذه الظواهر من أهم العوامل المعدلة للحالات المناخية على المستوى المحلي. إذ تتغير نسبة الألبيدو للسطوح مع تغير ألوانها وطبيعتها، وتتغير بالتالي خصائصها الحرارية والرطوبية، ذلك مما يؤدي إلى حدوث حالات معدلة من الطقس والمناخ.
2- تلوث الهواء في المدن الكبرى:
من المعلوم أنه يوجد في الغلاف الجوي غازات، مثل بخار الماء (H2O) وثاني أكسيدالكربون (CO2) والميثان (CH4) وأكسيد النتروز (N2O) ومركبات كلوروفلوروكاربون (CFCS) أو كلوروفلوروميثان (CFMS) بالإضافة إلى الجسيمات (aerosols) وذرات الغبارالدقيقة، تمتص بعضا من الأشعة الأرضية وتمنعها من الفرار إلى الفضاء، وتعود وتشعها لسطح الأرض فتزيد حرارتها. وتعرف هذه الغازات والمركبات بغازات البيوت الخضراء (greenhouse gases) أو غازات الاحتباس الحراري. وعندما تزداد مقاديرها في الغلاف الجوي بسبب النشاطات البشرية المختلفة عن مستوياتها العادية، كما هو الحال في هواءالمدن، يزداد فعلها الحراري المدفئ لسطح الأرض، إذ تمتص هذه الغازات بعضا من الأشعة الأرضية الحرارية وتمنعها من النفاذ الى الفضاء، وتعرف هذه الظاهرة بالاحتباس الحراري (heat trapping). ولذلك تتعدل خصائص المناخ الحرارية والرطوبية والهطولية في المدن وتبدو متباينة نسبيا عما حولها من المناطق مشكلة ما يعرف بالجزر الحرارية (heat islands).
ويعتقد العديد من العلماء المناخيين أن ظاهرة الاحتباس الحراري ستتجاوز حدود المدن وستكون عامة وشاملة لمناخ الأرض كله وستؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بضع درجات مئوية في القريب العاجل، محدثة تغيرات مناخية إقليمية وعالمية دائمة متمثلة بتغيرات في الأنماط الحرارية والتهطالية وخصائص فصول السنة.