منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - في تعريف البدعة وبيان أنواعها وأحكامها الشيخ / صالح الفوزان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-19, 21:31   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
بصمة قلم
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية بصمة قلم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



الفصل الثاني : ظهور البدع في حياة المسلمين والأسباب التي أدت إلى ذلك
_______________________________________________



ظهور البدع في حياة المسلمين ، وتحته مسألتان :




المسألة الأولى : وقت ظهور البدع


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : واعلم أن عامة البدع المتعلقة بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وأول بدعة ظهرت بدعة القدر وبدعة الإرجاء وبدعة التشيع والخوارج ، هذه البدع ظهرت في القرن الثاني والصحابة موجودون ، وقد أنكروا على أهلها ، ثم ظهرت بدعة الاعتزال وحدثت الفتن بين المسلمين وظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء ، وظهرت بدعة التصوف وبدعة البناء على القبور بعد القرون المفضلة ، وهكذا كلما تأخر الوقت زادت البدع وتنوعت .



المسألة الثانية : مكان ظهور البدع



تختلف البلدان الإسلامية في ظهور البدع فيها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فإن الأمصار الكبار التي سكنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج منها العلم والإيمان خمسة : الحرمان والعراقان والشام . منها خرج القرآن والحديث والفقه والعبادة وما يتبع ذلك من أمور الإسلام . وخرج من هذه الأمصار بدع أصولية غير المدينة النبوية ؛ فالكوفة خرج منها التشيع والإرجاء وانتشر بعد ذلك في غيرها ، والبصرة خرج منها القدر والاعتزال والنسك الفاسد ، وانتشر بعد ذلك في غيرها ، والشام كان بها النصب والقدر . أما التجهم فإنما ظهر في ناحية خراسان وهو شر البدع ، وكان ظهور البدع بحسب البعد عن الدار النبوية . فلما حدثت الفرقة بعد مقتل عثمان ظهرت بدعة الحرورية .

وأما المدينة النبوية فكانت سليمة من ظهور هذه البدع وإن كان بها من هو مضمر لذلك ، فكان عندهم مهانًا مذمومًا ؛ إذ كان بها قوم من القدرية وغيرهم ، ولكن كانوا مقهورين ذليلين بخلاف التشيع والإرجاء بالكوفة ، والاعتزال وبدع النساك بالبصرة ، والنصب بالشام فإنه كان ظاهرًا .

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أن الدجال لا يدخلها . ولم يزل العلم والإيمان بها ظاهرًا على زمن أصحاب مالك وهو من أهل القرن الرابع .

فأما الأعصار الثلاثة المضلة فلم يكن فيها بالمدينة النبوية بدعة ظاهرة البتة ، ولا خرج منها بدعة في أصول الدين البتة كما خرج من سائر الأمصار .



الأسباب التي أدت إلى ظهور البدع



مما لا شك فيه أن الاعتصام بالكتاب والسنة فيه منجاة من الوقوع في البدع والضلال . قال تعالى : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وقد وضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا فقال : هذا سبيل الله . ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ، ثم قال : وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم تلا : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . [ رواه الإمام أحمد : ( 1 / 435 ) ، والدارمي ( سنن الدارمي ) ( طبعة أكادمي ، باكستان 1414هـ ) ، الحديث برقم ( 208 ) . ] .

فمن أعرض عن الكتاب والسنة تنازعته الطرق المضللة والبدع المحدثة ، فالأسباب التي أدت على ظهور البدع تتلخص في الأمور التالية : الجهل بأحكام الدين ، اتباع الهوى ، التعصب للآراء والأشخاص ، التشبه بالكفار وتقليدهم .

ونتناول هذه الأسباب بشيء من التفصيل :

الجهل بأحكام الدين :
كلما امتد الزمن وبعد الناس عن آثار الرسالة قل العلم وفشى الجهل ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، وقوله : إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا [ جزء من حديث تقدم تخريجه ( ص 101 ) . ] فلا يقاوم البدع إلا العلم والعلماء ، فإذا فقد العلم والعلماء أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر ولأهلها أن ينشطوا .

اتباع الهوى :
من أعرض عن الكتاب والسنة اتبع هواه ، كما قال تعالى : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ وقال تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ . والبدع إنما هي نسيج الهوى المتبع .

التعصب للآراء والرجال يحول بين المرء واتباع الدليل ومعرفة الحق ، قال تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .

وهذا هو شأن المتعصبين اليوم من بعض أتباع المذاهب والصوفية والقبوريين إذا دعوا إلى اتباع الكتاب والسنة ونبذ ما هم عليه مما يخالفهما ، احتجوا بمذاهبهم ومشايخهم وآبائهم وأجدادهم .

التشبه بالكفار :
هو من أشد ما يوقع في البدع ، كما في حديث أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عندها ، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، إنها السنن قلتم - والذي نفسي بيده - كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ لتركبن سنن من كان قبلكم [ رواه الترمذي ، الحديث برقم ( 2180 ) ، والطبراني في ( المعجم الكبير ) ( طبعة مؤسسة إحياء التراث العربي- الثانية 1405هـ ) ، الحديث برقم ( 3291 ) . ] .

ففي هذا الحديث أن التشبه بالكفار هو الذي حمل بني إسرائيل وبعض أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام أن يطلبوا هذا الطلب القبيح من نبيهم ، وهو أن يجعل لهم آلهة يعبدونها ويتبركون بها من دون الله - وهذا هو نفس الواقع اليوم- فإن غالب الناس من المسلمين قلدوا الكفار في عمل البدع والشركيات كأعياد الموالد ، وإقامة الأيام والأسابيع لأعمال مخصصة ، والاحتفال بالمناسبات الدينية والذكريات ، وإقامة التماثيل والنصب التذكارية ، وإقامة المآتم وبدع الجنائز والبناء على القبور وغير ذلك .





الفصل الثالث : موقف الأمة الإسلامية من المبتدعة
ومنهج أهل السنة والجماعة في الرد عليهم

________________________________________





موقف أهل السنة والجماعة من المبتدعة



ما زال أهل السنة والجماعة يردون على المبتدعة وينكرون عليهم بدعهم ، ويمنعونهم من مزاولتها وإليك نماذج من ذلك :

* عن أم الدرداء قالت : دخل علي أبو الدرداء مغضبًا ، فقلت له : ما لك . فقال : " والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئًا إلا أنهم يصلون جميعًا " [ رواه البخاري ( 1 / 159 ) . ] .

* عن عمرو بن يحيى قال : سمعت أبي يحدث عن أبيه قال : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري . فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعًا . فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ، ولم أر -والحمد لله- إلا خيرًا ، قال : فما هو ؟ قال : إن عشت فستراه . قال : رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى . فيقول : كبروا مائة فيكبرون مائة . فيقول : هللوا مائة فيهللون مائة . فيقول : سبحوا مائة ، فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئًا ، انتظار رأيك أو انتظار أمرك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدون سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم ، ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح . قال : فعدوا سيئاتكم . فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ، ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر . والذي نفسي بيده ، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحو باب ضلالة !! قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . قال : وكم مريد للخير لن يصيبه . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : أن قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم . فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج

* جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال : من أين أحرم ؟ فقال : من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم منه ؟ فقال الرجل : فإن أحرمت من أبعد منه ؟ فقال مالك : لا أري ذلك . فقال : ما تكره من ذلك ؟ قال : أكره عليك الفتنة . قال : وأي فتنة في ازدياد الخير ؟ فقال مالك : فإن الله تعالى يقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وأي فتنة أعظم من أنك خصصت بفضل لم يختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!



منهج أهل السنة والجماعة في الرد على أهل البدع



منهجهم في ذلك مبني على الكتاب والسنة وهو المنهج المقنع المفحم ، حيث يوردون شبه المبتدعة وينقضونها ، ويستدلون بالكتاب والسنة على وجوب التمسك بالسنن والنهي عن البدع والمحدثات ، وقد ألفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك ، وردوا في كتب العقائد على الشيعة والخوارج والجهمية والمعتزلة والأشاعرة في مقالاتهم المبتدعة في أصول الإيمان والعقيدة . وألفوا كتبًا خاصة في ذلك كما ألف الإمام أحمد كتاب وألف غيره من الأئمة في ذلك ، كعثمان بن سعيد الدارمي ، وكما في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من الرد على تلك الفرق وعلى القبورية والصوفية . وأما الكتب الخاصة في الرد على أهل البدع فهي كثيرة .

منها على سبيل المثال من الكتب القديمة :
كتاب [ الاعتصام ] . للإمام الشاطبي .
كتاب [ اقتضاء الصراط المستقيم ] . لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد استغرق الرد على المبتدعة جزءًا كبيرًا منه .
كتاب [ إنكار الحوادث والبدع ] . لابن وضاح .
كتاب [ الباعث على إنكار البدع والحوادث ] لأبي شامة .
كتاب [ الحوادث والبدع ] للطرطوشي .
[ منهاج السنة النبوية في الرد على الرافضة والقدرية ] لشيخ الإسلام ابن تيمية .


ومن الكتب العصرية :
كتاب [ الإبداع في مضار الابتداع ] لعلي محفوظ .
كتاب [ السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات ] . للشيخ محمد بن أحمد الشقيري الحوامدي .
رسالة [ التحذير من البدع ] . للشيخ عبد العزيز بن باز .
ولا يزال علماء المسلمين - والحمد لله - ينكرون البدع ويردون على المبتدعة من خلال الصحف والمجلات والإذاعات وخطب الجمع والندوات والمحاضرات ، مما له كبير الأثر في توعية المسلمين والقضاء على البدع وقمع المبتدعين .



يُتبع ....