بارك الله فيك اخي الفاضل وأضيف ولما احتشدت حشود الأهواء زمن المأمون وبعده من الجهمية والمعتزلة ومن سار على نهجهم ، وعلى رأسهم ابن أبي دؤاد ، تصدى لهم إمام السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل ، فكسرهم كسرة لم ينهضوا بعدها إلا متعثرين بحمد الله .
- ولما تجمعت فلول الجهمية المعتزلة في آخر القرن الثالث ، وصالت صولتها ، قيض الله لها أبا الحسن الأشعري ، وكان الخبير بعوارها ، لأنه كان معتزليا فهداه الله للسنة ، فحشر المعتزلة في قمع السمسمة – كما قيل – وكسرهم ، فانهزموا هزيمة منكرة .
- ولما نبغت نابغة الكلام وريثة الجهمية والمعتزلة ، وبدأ أهل الكلام يخوضون في صفات الله تعالى والإيمان والقدر ، تصدى لهم أئمة السلف في القرنين الرابع والخامس الهجريين :كالبربهاري ، وابن خزيمة ، وابن بطة ، والهروي واللالكائي ، وابن مندة ، والملطي ، والصابوني ، والآجري وابن وضاح ، والبغوي ، وابن عبد البر ، وأمثالهم .
- وفي القرن : السادس والسابع والثامن الهجرية ، عمت البلوى بالبدع والأهواء والافتراق ، وهيمنة الفرق في سائر البلاد الإسلامية ، واستحكمت الصوفية ببدعها ، وساد الكلام والفلسفة والباطنية والدجل ، وتسلط الكفار على كثير من بلاد المسلمين في الشام وغيرها .
فقيض الله أمثال : الشاطبي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه ( كابن القيم والذهبي وابن كثير وابن رجب ) فتصدى شيخ الإسلام لجحافل البدع وعساكر الضلالة وجاهد في كل ميدان بلسانه وقلمه ويده ، فقد تصدى لأهل الكلام ، والفلاسفة ، والباطنية ، والصوفية ، والرافضة واليهود ، والنصارى ، والصابئة
كما كان مجاهداً بعلمه ولسانه وسيفه للكفار والتتار والنصارى الصليبيين والبغاة ، وكان يشجع المسلمين على الجهاد في كل ميدان ، وله في ذلك إسهامات مشهورة مشهودة .
وكان ناصحاً لولاة المسلمين وأئمتهم ، يذكرهم ويعظهم ، ويحثهم على الجهاد ويأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر بحكمة وقوة ، كما كان ناصحاً لعامة المسلمين وعلمائهم ، وكان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ، هو وأتباعه يصدع بذلك ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، حتى أبان الله به سنة ، ونصر الله به راية السلف
، وكشف الله به أهل البدع وعقائدهم ومناهجهم ، وحتى أقام الحجة ، وأبان المحجة ، ونصر الملة ، ولا تزال آثاره ومؤلفاته مرجعاً لكل صاحب سنة ، وقذى في عين كل صاحب بدعة ، وفيها فرقان بين الحق وأهله ، وبين الباطل وأهله ، رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
- وفي العصور المتأخرة : استحكمت البدع والشركيات ، وانتشرت الطرق الصوفية والمقابرية والعادات الجاهلية حتى في جزيرة العرب . فتصدى لها ناصر السنة وقامع البدعة : الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه فطهر الله بدعوته المباركة أرض جزيرة العرب خاصة الحجاز ونجد وما حولها من البدع
والشركيات والمقابرية والصوفية الضالة ، كما نفع الله بدعوته سائر أقطار المسلمين ، حيث اعتزت بها السنة وأنصارها ، وانتصرت السلفية ، واحتمت وآوت إلي ركن شديد ، حيث قامت لها وعليها دولة نشرتها وحمتها بالسيف والقلم وهي الدولة السعودية أعزها الله بالإسلام ونصر السنة وأهلها .
ولا نزال – بحمد الله – نرى ثمار هذه الدعوة في كل مكان ، رغم تكالب جحافل البدعة ، وما أجلبوه عليها بخليهم ورجلهم : بالسب ، والهمز ، واللمز ، وإعلان العداوة ، وصد الناس بشتى الوسائل ، والله غالب على أمره .
ولما نبغت نابغة ( سب السلف ) في القرن الماضي ( الرابع عشر الهجري ) على لسان الكوثرية ، معلنة انتقاص بعض أئمة السلف ، ورافعة راية الكلام والتجهم ، واتهام السلف وأتباعهم ، ورميهم بالألقاب المشينة والألفاظ المقذعة مثل : ( الحشوية ، والمشبهة ، والحمقى ، والجهلة ، والأوباش والرعاع ) قيض الله لهم أمثال : المعلمي ، والألباني ، وبكر أبو زيد ، وسائر مشايخنا حفظهم الله .
- ولما أخرجت البدع أعناقها في البلاد الطاهرة على يد أحد المنتسبين للعلوية وأتباعهم ، تصدى لها طائفة من المشايخ وطلاب العلم وفقنا الله وإياهم ، ولا يزال مشايخنا لهم جهود مشكورة في هذا المضمار ، وفقهم الله وسدد خطاهم ، والآن وقد بدأ ( نبّاشة القبور ) يثيرون المتشبهات ويشككون أبناء المسلمين بالمسلّمات ، وينهشون علماء السلف , وينبِّشون في كتبهم عن الزلات ، ويطعنون في سلف الأمة ويبكون على أطلال
الفرق والبدع ، ويمجدون رؤوس الضلالة والأهواء ، ويرددون مطاعن الزنادقة في خيار الأمة ، وإنّا لمنتظرون – تحقيقاً لوعد الله بحفظ دينه – من يتصدى لهذه النابتة الخبيثة كفانا الله شرها . ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ومما ينبغي التنبه له ، أن أهل الأهواء – قديماً وحديثاً – يضيقون ذرعاً بإنكار البدع والتصدي للمبتدعة ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويجعلون ذلك – حسب موازينهم التي تقوم على الأهواء – من الظلم والشتم والسب ، والحجر ، وكتم الحريات ، والاستعداء ضد الخصوم ، والتضييق على المخالفين .
ويتهمون السلف الذين ينهون عن البدع والآثام ويحذرون منها ومن أهلها : بالتكفير والتبديع والتفسيق ونحو ذلك ، وكل ذلك من التلبيس والبهتان ، فإن هذه أحكام شرعية يطلقها المجتهدون من العلماء الثقات على من يستحقها شرعاً ، حسب اجتهادهم ، وقد يخطئ الواحد منهم ، لكن ليس ذلك من منهجهم .
ولذلك فإن أهل الأهواء يتهمون السلف بالسب والشتم واللعن ونحو ذلك من هذا المنطق ، أعني أنهم يسمون إطلاق الأحكام الشرعية من الكفر والبدعة والفسق ونحوها على من يستحقها شرعاً:شتماً ولعناً وسباً وهذا هو منهج أعداء الرسل في كل زمان.
مع العلم أن السب للكفر والشرك والبدع والأهواء والفسوق مشروع ومطلوب شرعاً بالضوابط الشرعية . وقد جاء ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما كان يأمر بالتوحيد ، كان كذلك ينهى عن الشرك ويذم عبادة الأصنام والأوثان ، وقد وصفه المشركون بأنه صلى الله عليه وسلم حين ينهى عن الشرك ( يسبُّ آلهتهم ) وهو سبٌ مشروع ومن دعائم الدين الكبرى في كل زمان
للكلام بقية .