واشنطن تعلن الفصل الأخير من مخطط الحرب بلسان الجامعة العربية
في خطوة لم تفاجأني على الصعيد الشخصي، أعلنت الجامعة العربية بعد اجتماع وزراء خارجيتها تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات مجلسها ومجالس جميع المنظمات التابعة لها ، أي تعليق العضوية. وعزت الجامعة السبب إلى " عدم التزام سوريا بالتنفيذ الكامل والفوري للمبادرة العربية". المبادرة العربية التي كانت قد توجهت، فقط، باتجاه السلطات السورية دون، أن تقوم، بأي خطوة باتجاه الجماعات المسلحة "المدعومة اقليمياً و دولياً" لثنيها عن ارهابها، أو على الأقل أن توعز الى أجهزة إعلامها للتخفيف من وتيرة التحريض، أو بالحد الأدنى الوقوف على الحياد في رصد الموقف، علما أن العديد من المجازر ارتكبت بحق القوى النظامية وبعض الشرائح الإجتماعية التي تكفرها الجماعات السلفية المسلحة... الأمر طبيعي كون من أعد المبادرة كان يريد من دمشق أن ترفضها كي ينتقل الى المرحلة اللاحقة أي : الاعتراف بالمجلس الاخواني الناتوي و من بعدها التدويل، من أجل الالتفاف على عقبة الفيتو الروسي و الصيني في مجلس الأمن، قبول دمشق بالمبادرة أجل الخطوة ليس الا. الاعلان بمثابة الفصل الأخير من الحرب الغير معلنة على سوريا...
الاعلان هو الخرتوشة الأخيرة بعد فشل الرهان على تطورات دراماتيكية لم تتحقق: من إسقاط النظام بسرعة كما حصل في تونس ومصر، الى استحالة تبني قرار في مجلس الأمن، الى الفشل في خلق البؤر البنغازية الى الحصار الاقتصادي... ألخ و لم يكن الا إيذاناً بالمرحلة النهائية التي لا بد منها قبل أن تباشر و اشنطن و اتباعها، الاعتراف بما يسمى المجلس الوطني كممثل و حيد للشعب السوري "و لو بالصرماية".
مراحل الحرب على سوريا، تمثلت فيها كل الخطوات الشيطانية السابقة، في طريقة تحاكي النموذج الليبي و ان كانت بأسلوب مختلف... المبادرة العربية أتت حينها بطلب اميركي وضغط فرنسي لقطع الطريق على مبادرة روسية ـ ايرانية كانت ناشطة لإطلاق مؤتمر وطني للمصالحة السورية. الأمين العام نبيل العربي كان قد كلف المكتب القانوني في الأمانة العامة بإعداد دراسة قانونية عن شروط تعليق و فصل أي دولة عضو. وقد أكدت الدراسة أن ذلك غير ممكن إلا على مستوى مؤتمر القمة وبإجماع الدول الأعضاء قاطبة باستثناء الدولة المعنية. وعندها عمد الأمين العام للجامعة إلى إخفاء الدراسة ، غير أن السفير السوري تمكن من الحصول عليها وأطلع عليها الصحفيين خلال مؤتمر صحفي عقده بعد صدور القرار. الغياب التركي عن معالجة الازمة السورية ليس بلا دلالة، ويطرح أكثر من تساؤل... الأجندة التركية، هي أجندة واشنطن التي تريد المعارضة" الاخوانية الناتوية لتسلم السلطة و ما تركيا الا رأس الحربة للمشروع الأميريكي بخصوص سوريا. الابتعاد التركي عن الحل العربي في سوريا، يحمل مضامين كثيرة. ولا بد اولاً من قراءة موقف أنقرة في ظل سلسلة خطوات اتخذتها الحكومة التركية، من استضافة المعارضة المسلحة السورية التي تشن عمليات داخل الاراضي السورية استناداً الى صحيفة "النيويورك تايمز"، الى رعاية ما يسمى "المجلس الوطني السوري" مباشرة.
صمت ايردوغان، في خصوص الازمة السورية، ترافق مع دخول الجامعة العربية في المسعى الخلبي للحل و طرح المبادرة ؟ الموضوع مجرد تبادل للادوار... والا ماذا يوحي التنسيق القائم والعالي المستوى بين أنقرة و قطر"التي تترأس المبادرة العربية" مع واشنطن ؟ لماذا تصمت تركيا و من ثم تستفيق فجأه؟ لماذا عودة الكلام عن استعداد تركيا وقدرتها على إقامة منطقة عازلة على طول حدودها إذا توفر الغطاء الدولي والعربي لهذه الخطوة؟ أنقرة تعلم مسبقاً و قبل طرح المبادرة بشكل رسمي بأن نهايتها الفشل وانقرة تريد التدخل لكن بغطاء عربي و تحت عنوان انساني و هذا ما وفره اعلان الجامعة.
من الواضح ان القرار كان قد أعد مسبقاً على مستوى إقليمي ودولي كجزء من الخطة التي وضعتها واشنطن و اتباعها، بالاتفاق مع ما يسمى "المجلس الوطني السوري" الذي طبخ في دوائر المخابرات الأميركية، غير أنه وضع في الدرج مؤقتا عندما فاجأتهم وأربكتهم دمشق بالموافقة على المبادرة العربية... وقد عمدت واشنطن إلى إخراج هذا الإجراء من الدرج والعمل به فورا لأنه المعبر الذي لا بد منه لتدويل الملف السوري على الطريقة الليبية.
الأمر سوف يأخذ مسار التصعيد من الداخل عبر جملة إجراءات من قبيل: *تكثيف عمليات القتل على الهوية وإثارة أكبر قدر مكن من الفوضى و الخراب، تكثيف عملية تهريب السلاح والمسلحين السلميين إلى الداخل السوري عبر مثلث "تركيا لبنان الأردن". *التركيز و تضخيم قدرات ما يسمى " الجيش السوري الحر" علماً أنه جيش خلبي، يضم مئات من المرتزقة و الارهابيين التكفيريين على شاكلة فتح الاسلام، تم صناعته ليتبنى العمليات المسلحة ضمن البؤر الداخلية و العمليات المسلحة التي تدار من الخارج... مقر الجيش في تركيا و يترأسه المنشق رياض الأسعد ونشاطه تحت إشراف وزارة الخارجية التركية لا يمكن ان نضعه في اطار المصادفة. *العمل على توحيد المعارضه أي "هيئة التنسيق الوطني" و " المجلس الوطني الغليوني "، رغم التشبيح الذي حصل من الطرف الثاني ضد الأول في موقعة مصر. و اعطاء هذا المجلس الشرعية اللازمة من أجل طلب التدخل الدولي كونه وفق هذا التصور الناتوي يعتبر الممثل الوحيد للشعب السوري. و سوف يصنع من أجل هذا الهدف. أي في النهاية كل هذه المسرحية أو التمثيلية، من أجل خلق بديل للوسائل السابقة التي لم تفلح في تكرار سيناريو مصر أو تونس...