نختم بمولود آخر ولد يوم عرفة، ابتدئناها بمولود وننهيها بمولود.
هذه المرة قصة شاب، سنروي لكم كلامه بنصه، يقول:
كانت حياتي عبثا وضياعا، لهو ولعب، لم أكن أعرف معنى للحياة، لا أقدس أي قيمة في الحياة، الكل عندي سواء، حلال حرام معروف منكر، كل شيء جائز
حياتي كلها سخرية كبر غرور. الصلاة لا توجد في برنامجي اليومي، قد أصلي في الأسبوع مرة أو مرتين، أو أسبوع في الشهر، أحيانا أصوم رمضان، وفي الغد أصوم نصف ساعة " رائع صيام النصف الساعة"
كنت أنام بعد الفجر ولا أفيق إلا قبل المغرب، نهاري ليل، وليلي نهار... هكذا.
أنا كنت مغرورا بشبابي وصحتي، "يمارس الرياضة ومهتم بنفسه"، والحمد لله وسع لنا في الرزق، وعندنا ثروة وو و، لم أكن أرى إلا نفسي وأصحابي الذين كانوا معي على نفس الحال ونفس الوتيرة.
وفي يوم من الأيام أصابني صداع شديد جدا، في البداية لم أكترث بالأمر، لكن الصداع بدأ يزيد، فعرضت نفسي على أحد الأطباء، في البداية كنت متأكدا أنه سيقول لي هذا صداع وسيعطيني علاجا للصداع
، وقد كان، أعطاني أدوية للصداع وبدأت أتناولها وتعافيت قليلا، ولكن كان من جملة المحظورات التي نبه عليها الطبيب، أن لا أجلس طويلا أمام التلفاز، ولم يعجبني ذلك، ولكني تحملته، وبعد يومين تحسنت قليلا وأحسست أني تعافيت و" عادت ريمة لعادتها القديمة"،
وعدت إلى البرنامج القديم كما كان، ولم يمضي يومين أو ثلاثة إلا ورجع الألم وبدأ يزيد في رأسي، وبدأت أشعر بالصداع مرة أخرى، وبدأت أخاف وسيطر القلق على تفكيري، فذهبت إلى أكبر مستشفى في البلد، وقاموا بعمل أشعة على رأسي وكانت الكارثة، ورم بجوار المخ. !!!
ماذا يعني هذا، أنت مصاب بالسرطان.
مصاب بالسرطان، ما هذا، هل سأموت؟ لا هناك خطأ ما، لا يمكن، سأموت.
بدأت تتسارع نبضات قلبي، ويداي ترتعش وجسمي كله يهتز، أحسست أني سأقع من شدة هول المصيبة على قلبي.
خرجت من المستشفى وأنا أكثر الناس همًا، والسؤال الحائر في داخلي، كم ينقصني؟ ماذا فعلت لآخرتي؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ما هو رصيدي؟ كيف سأقابل الله؟ وماذا سأفعل؟
وبينما أنا أسير ضعت في الطريق، لم أعد أعرف إلى أين أنا ذاهب، ولا من أين جئت.
لم أحس بنفسي إلا وصوت المؤذن يؤذن لصلاة المغرب،
أول مرة في حياتي أنتبه للآذان، وأول مرة أحس بكلمات الآذان في قلبي،
أحسست أن هذا هو الطريق، لم يعد هناك طريق آخر، لم أعد أقدر أن أفكر في شيء آخر، قلت يجب أن أتوب، ويجب أن أعود إلى الله، لا أحد سينقذني مما أنا فيه إلا الله.
دخلت وجدت إمام المسجد يصلي، ووالله ياللعجب، ماذا رأيت؟
وجدت، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} [الزمر]
قال هذه الآيات فُتح لها قلبي، وبدأت أبكي، بكاءًا لم أذقه قبل اليوم
وبقيت أبكي إلى أن سلم الإمام، وانصرف الناس من المسجد، وأنا بقيت جالسا هناك، أحضرت مصحفا وبقيت أقرأ كلام الله إلى العشاء،
وكلما حاولت أن أتماسك يغلبني البكاء، إلى أن أُذن لصلاة العشاء، دخل إمام المسجد فقال لي ما بك يا بني؟ لماذا أنت مهموم هكذا؟ وماذا تشتكي؟ قلت له: كثرة ذنوبي
، قال لي: يا بني إن رحمة الله وسعت كل شيء، رحمة الله تغلب غضبه، قلت له: أنا خائف ألا يتوب علي، قال لي : لا فالله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،و يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ..} [الشورى:25]
ربك هو من سيقبلك، ربك تواب، ربك رحيم، ربك عفو، يعفوا عن كثير.
قال لي: ربك يقول يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم.
أنا في هذه اللحظة أحسست أنني أصبحت إنسانا آخر، أنني أُولد من جديد.
قال لي: هل تعرف أننا في أيام عظيمة جدا، ما رأيك أن تحج هذه السنة؟ فقلت له : هل أستطيع؟ قال: نعم، هيا بادر، واذهب للحجز وإن شاء الله يبلغك الحج هذا العام.
و قد كان، وتيسر الأمر على وجه ما كنت أتصوره، وامتن علي الله سبحانه وتعالى وذهبت للحج، وعلى جبل عرفة كانت ولادتي من جديد.
رفعت يدي وقلت له:
لم أكن أعرف طريقك، الشيطان لعب بي، وسولت لي نفسي، يا رب يا رب اغفر لي، يا رب يا رب يا رب لا تحرمني منك يا رب، يا رب ليس لي سواك يا رب، ناديته ناجيته وفضفضت له،
ولم يخذلني ولم تضع دعوتي وفتح لي بابه،....
وكانت المفاجأة السارة، رجعت وأنا أنتظر لحظة الموت
فإذا بالأطباء يعيدون التشخيص مرة أخرى، ويقولون لقد شخصنا مرضك خطأ، بفضل الله عز وجل أنت سليم معافى.
ما هذا، والله يحصل هكذا؟ نعم والله يحصل هكذا، لِمَ لا؟ ربٌّ عظيم غفور.
************************
قبل سنتين من الآن، اتصل أحد الأخوة على الشيخ يعقوب
والشيخ حكى ، قال له: شخص كان مصاب بالأنفلونزا الطيور، ففصلوه في أجياد
وقالوا أنت عندك مرض خطير ولا يرجى شفائك، وأيامك صارت معدودة في الدنيا، فالرجل لم ييئس
وكان هناك طبيب باكستاني أخرجه من المستشفى يوم عرفة وأوقفه على جبل الرحمة
وأحضر براميل ماء زمزم الكبيرة
الرجل يحكي للشيخ يقول : أحضروا ماء زمزم وغسلوني به، وكرروا ذلك مرارا، طوال يوم عرفة، ودعاء وبكاء وتضرع، والله شفي من مرضه،
{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20]
=============================
لماذا أنا وأنت لا نولد من جديد؟
لماذا أنا وأنت لا نكون مولود جديد يوم عرفة؟
شعارنا في عرفة هذا العام،
أنا وُلدت من جديد
ولدت يوم عرفة
أسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولكم وأن يرحمنا ويرحمكم،
ويتوب علينا ويعفوا عنا ويتقبلنا في عباده الصالحين.
نكتفي بهذا المقدار والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك
ونشهد أن لا إله إلا أنت وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد