الشرح
قال المؤلف في شرح الحديث
أما حديث أسيد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ
فهو كحديث عبد الله بن مسعود
أخبر النبي صلي الله عليه وسلم
( إنها ستكون أثرة ) ولكنه قال :
( اصبروا حتى تلقوني على الحوض ).
يعني : اصبروا ولا تنابذوا الولاة أمرهم
حتى تلقوني على الحوض ،
يعني أنكم إذا صبرتم فإن من جزاء الله لكم
على صبركم أن يسقيكم من حوضه ،
حوض النبي صلي الله عليه وسلم ،
اللهم اجعلنا جميعـًا ممن يرده ويشرب منه .
هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة
في مكان وزمان أحوج ما يكون الناس إليه ؛
لأنه في ذلك المكان وفي ذلك الزمان ،
في يوم الآخرة ،
يحصل على الناس من الهم والغم
والكرب والعرق والحر؛
ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء ،
فيردون حوض النبي صلي الله عليه وسلم ،
حوض عظيم طوله شهر وعرضه شهر ،
يصب عليه ميزابان من الكوثر ،
وهو نهر في الجنة أعطيه النبي صلي الله عليه وسلم ،
يصبان عليه ماء ، أشد بياضًا من اللبن ،
وأحلى من العسل ، وأطيب من رائحة المسك ،
وفيه أوان كنجوم السماء في
اللمعان والحسن والكثرة ،
من شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبدًا
اللهم اجعلنا ممن يشرب منه .
فأرشده النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى
أن يصبروا ولو وجدوا الأثرة ،
فإن صبرهم على ظلم الولاة من أسباب
الورد على الحوض والشرب منه .
وفي هذا الحديث
حث على الصبر على
استئثار ولاة الأمور في حقوق الرعية ،
ولكن يجب أن نعلم أن الناس
كما يكونون يولى عليهم ،
إذا أساؤوا فيما بينهم وبين الله
فإن الله يسلط عليهم ولاتهم ،
كما قال تعالى :
( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
(الأنعام:129) ،
فإذا صلحت الرعية يسر الله
لهم ولاة صالحين ،
وإذا كانوا بالعكس كان الأمر بالعكس .
ويذكر أن رجلاً من الخوارج
جاء إلى علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه
وقال له : يا على ، ما بال الناس انتقضوا عليك
ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر ؟
فقال له : إن رجال أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما
أنا وأمثالي ، أما أنا فكان رجالي أنت وأمثالك ،
أي : ممن لا خير فيه ؛
فصار سببًا في تسلط الناس وتفرقهم على
علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
وخروجهم عليه ، حتى قتلوه رضي الله عنه .
ويذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع
مقالة الناس فيه ، فجمع أشراف الناس
ووجهاءهم وكلمهم ـ وأظنه عبد الملك بن مروان
وقال لهم : أيها الناس ،
أتريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر ؟
وقالوا : نعم !
قال: إذا كنتم تريدون ذلك فكونوا لنا
مثل رجال أبي بكر وعمر !!
فالله سبحانه وتعالى حكيم ،
يولي على الناس من يكون بحسب أعمالهم ،
إن أساؤوا فإنه يساء إليهم ،
وإن أحسنوا أحسن إليهم
ولكن مع ذلك لاشك أن
صلاح الراعي هو الأصل ،
وأنه إذا صلح الراعي صلحت ،
لأن الراعي له سلطة يستطيع أن يعدل من مال ،
وأن يؤدب من عال وجار