السلام عليكم
وأما رابعة العدوية؛ فيظهر أنها من هؤلاء الصوفية النظريين أصحاب عقيدة الحلول ووحدة الوجود, ولكنها غلت في دعوى الحب حتى خرج عن القصد؛ مثل قولها وهي تطوف الكعبة: ((لم يبق بيني ونبيك إلا هذا الصنم)).
فما معنى هذه العبارة؟ إذا لم يكن هو الازدراء ببيت الله الذي أمرنا بتعظيمه وحبه وإنكارها لشريعة الطواف واعتقاد أنها لا تقرب إلى الله بل تحجب عن الله.
ومثل قولها في شعرها:
أحبك حُبَّين حب الهوى * وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى * فشغلي بذكر عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له * فكشفك للحجب حتى أراكا
فهل يجوز لمسلم يوقر الله ويعظمه أن يطلق مثل هذه الكلمات في جنب الله فيقول: إنه يحبه حب الهوى؟ أليس ذلك هو سمة الحب الرخيص المبتذل حين يهوى الرجل المرأة وتهوى المرأة الرجل لقضاء مأرب دنيء.
وما معنى اشتغالها بذكر الله عمن سواه, والرسل -عليهم الصلاة والسلام- وهم كانوا أشد الناس ذكراً لله, كانوا يقومون بمصالح أممهم وبيوتهم, ويحدثون الناس, ويسمعون منهم, ويفصلون فيما يقع من المنازعات بينهم.
فهل يعقل أن يتمحض أحد من البشر لذكر الله حتى لا يذكر غيره؟ل هذا شأن الملائكة الذي خلقوا للعبادة وحدها, فلا تشغلهم عنها مطالب الحياة وحاجات البشرية.
وما معنى أن تطلب من الله أن يكشف لها الحجب حتى تراه وهي تعلم أن موسى وهو كليم الله طلب الرؤية فمنعها, ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وقد وصل إلى أعلى درجات القرب, ومع ذلك حال الحجاب بينه وبين رؤيته لربه.
إنه ليس لله حبان كما تدعي رابعة, وإنما هو حب واحد يحمل العبد على الذل له والرغبة فيما عنده؛ والشوق إلى لقائه والرجاء في رحمته واتقاء مساخطه, ودوام ذكره وشكره وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه, والجهاد في سبيله بالنفس والمال, وأن يكون الله ورسوله أحب إليه من أهله وولده ومن أبيه وأمه ومن الناس أجمعين. اهـ