وقال ابنُ خلدون عنهُم
المجلد السادس
من تاريخ العلامة ابن خلدون
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم
الكتاب الثالث في أخبار البربر والأمة الثانية من أهل المغرب
وذكر أوليتهم وأجيالهم و دولتهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد
ونقل الخلاف الواقع بين الناس في أنسابهم
الفصل الثالث
في ذكر ما كان لهذا الجيل قديما وحديثا من الفضائل الإنسانية
والخصائص الشريفة الراقية بهم إلى مراقي العز ومعارج السلطان والملك
وكانت مواطن الجمهور من هوّارة هؤلاء، ومن دخل في نسبهم من إخوانهم البرانس والصمغر لأول الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكري. وكانوا ظواعن واهلين. ومنهم من قطع الرمل إلى بلاد القفر وجاوزوا لمطة من قبائل الملثمين فيما يلي بلاد كوكو من السودان تجاه أفريقية، ويعرفون بنسبهم هكارة، قلبت العجمة واوه كافأ أعجمية تخرج بين الكاف العربية والقاف. وكان لهم في الردّة وحروبها آثار ومقامات. ثم كان لهم في الخارجّية والقيام بها ذكر، وخصوصا بالأباضية منها. وخرج على حنظلة منهم عبد الواحد بن يزيد مع عكاشة الفزاري، فكانت بينهما وبين حنظلة حروب شديدة. ثم هزمها وقتلهما وذلك سنة أربع وعشرين ومائة أيام هشام بن عبد الملك. وخرج على يزيد بن حاتم سنة ست وخمسين ومائة يحيى بن فوناس منهم، واجتمع إليه كثير من قومه وغيرهم.
أصول الطوارق
يرجح بعض المؤرخين أن شعب الطوارق هم أحفاد القارامانت الذين عاشوا في سهول فزان بليبيا وهناك من يقول بالعكس بدليل أن القارامانت حسب المؤرخين القدماء هم من ذوي البشرة السوداء أما كهيرودو الطوارق فهم بيض ثم أن الشعوب التي شاركت مباشرة في تكوين الطوارق لم يسكنوا فزان وهم قبائل هوّارة " اللمطة، إزناكن، إماسوفن"
الفصل الرابع
في ذكر أخبارهم علي الجملة
من قبل الفتح الإسلامي ومن بعده إلى ولاية بني الأغلب
فبعث عبد الملك إلى حيان بن النعمان الغساني عامله على مصر أن يخرج إلى جهاد أفريقية، وبعث إليه بالمدد فزحف إليها سنة تسع وسبعين. ودخل القيروان وغزا قرطاجنة وافتتحها عنوة، وذهب من كان بقي بها من الإفرنجة إلى صقلية وإلى الأندلس.
ثم سأل عن أعظم ملوك البربر فدلوه على الكاهنة وقومها جراوة فمضى إليها حتى نزل وادي مسكيانة. وزحفت إليه فاقتتلوا قتالاً شديداً. ثم انهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير، واسر خالد بن يزيد القيسي. ولم تزل الكاهنة والبربر في إتباع حيان والعرب حتى أخرجوهم من عمل قابس، ولحق حسان بعمل طرابلس. ولقيه كتاب عبد الملك بالمقام فأقام وبنى قصوره وتعرف لهذا العهد به. ثم رجعت الكاهنة إلى مكانها، واتخذت عهدا عند أسيرها خالد بالرضاع مع ابنيها. وأقامت في سلطان أفريقية والبربر خمس سنين. ثم بعط عبد الملك إلى حسان بالمدد فرجع إلى أفريقية سنة أربع وسبعين، وخرجت الكاهنة جميع المدن والضياع. وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحدا في قرى متصلة.
وشق ذلك على البربر فاستأمنوا لحسان فأمنهم، ووجد السبيل إلى تفريق أمرها وزحف إليها وهي في جموعها من البربر فانهزموا وقتلت الكاهنة بمكان البير (بئر الكاهنة أو بئر عاطر نسبة إلى عطر الكاهنة بمدينة بئر العاتر ) المعروف بها لهذا العهد بجبل أوراس (أوراس النمامشة بمدينة بئر العاتر) "و يرجع اسم بئر العاتر الي فترة الفتح الإسلامي إذ تقول الرواية أنه عند شعور الكاهنة البربرية بالهزيمة أمرت جنودها بسكب كمية هائلة من العطور في بئر (تسمى الآن باسمها) في محاولة يائسة منها لهزم الفاتحين المسلمين وحرمانهم من الماء وعند وصول الفاتحين بقيادة حسان بن نعمان إلى البئر بعد فرار الكاهنة وقتلها فيما بعد رفضها الاستسلام وجدوا المياه معطرة فسموا البئر (بئر العاطر) ومع مرور الأزمنة حرفت بئر العاطر إلى بئر العاتر"
واستأمن إليه البربر على الإسلام والطاعة، وعلى أن يكون منهم إثنا عشر ألفاً مجاهدين معه فأجابوا وأسلموا وحسن إسلامهم، وعقد للأكبر من ولد الكاهنة على قومهم من جراوة وعلى جبل أوراس فقالوا: لزمنا الطاعة له سبقناها إليها وبايعناه عليها. وأشارت عليهم بذلك لإثارة من علم كانت لديها بذلك من شياطينها. وانصرف حسان إلى القيروان فدون الدواوين وصالح من ألقى بيده من البربر على الخراج
البرابرة البتر
الخبر عن البرابرة البتر وشعوبهم ونبدأ منهم
كان مادغيس الأبتر جد البرابرة البتر، وكان إبنه زحيك ومنه تشعبت بطونهم. فكان له من الولد فيما يذكر نسابة البربر أربعة: نفوس واداس وضرا ولوا
الخبر عن لواتة من البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم :
وهو بطن عظيم متسع من بطون البربر البترينتسبون إلى لوا الأصغر بن لوا الأكبر بن زحيك، ولوا الأصغر هو نفزاو كما قلناه. ولوا إسم أبيهم، والبربر إذا أرادوا العموم في الجمع زادوا الألف والتاء فصار لوات فلما عربته العرب حملوه على الأفراد وألحقوا به هاء الجمع. وذكر ابن حزم أن نسابة البربر يزعمون أن سدراتة ولواتة ومزاتة من القبط، وليس ذلك بصحيح، وابن حزم لم يطلع على كتب علماء البربر في ذلك. وفي لواتة بطون كثيرة، وفيهم قبائل كثيرة مثل سدراتة بن نيطط بن لوا، ومثل عزوزة بن ماصلت بن لوا. وعد سابق وأصحابه في بني ماصلت بطوناً أخرى غير عزوزة وهم: أكورة وجرمانة ونقاعة مثل بني زائد بن لوا، وأكثر بطونهم مزاتة. ونسابة البربر يعدون في مزاتة بطوناً كثيرة مثل: ملايان ومرنه ومحيحه ودكمه وحمره ومدونه. وكان لواتة هؤلاء ظواعن في مواطنهم بنواحي برقة كما ذكره المسعودي، وكان لهم في فتنة أبي يزيد آثار.
وكان منهم بجبل أوراس (أوراس النمامشة) أمة عظيمة ظاهروا أبا يزيد مع بني كملان على أمره. ولم يزالوا بأوراس (جبال الأطلس الصحراوي) لهذا العهد مع من به من قبائل هوّارة وكتامة، ويدهم العالية عليهم تناهز خيالتهم ألفاً وتجاوز رجالاتهم العدة. وتستكفي بهم الدولة في جباية من تحت أيديهم بجبل أوراس من القبائل الغارمة فيحسنون الغناء والكفاية.
والله أعلم
ABBAD_h