موضوع موجه للجميع .... نرجوا الرد و التفاعل .
هل توجد فلسفة إسلامية ؟ :
أطلق كثير من أهل العلم اسم : الفلسفة الإسلامية ،و الفلسفة العربية الإسلامية ،و الفلسفة الإسلامية العربية ، على التراث الفكري الذي أنتجه الفلاسفة المسلمون خلال العصر الإسلامي . فهل حقا توجد فلسفة إسلامية ؟ . لقد تبين لي مما ذكرناه في هذا البحث عن الفلسفة اليونانية ، أن القول بوجود فلسفة إسلامية أنشأها الفلاسفة المسلمون ، هو قول غير صحيح ،و في غاية التضليل و التمويه ، و التدليس و التحريف و التغليط ،و أدلتي على ذلك كثيرة أذكر منها خمسة فقط ، أولها إن الفلسفة التي كانت سائدة بين المسلمين هي الفلسفة اليونانية عامة و المشائية خاصة ،و هذه الفلسفة إلهياتها و روحها تتناقض تماما مع الإسلام أصولا و فروعا ، كالقول بقدم العالم ،و جحود النبوات و الكتب المنزلة ،و إنكار علم الله بالجزئيات ، أفليس من الجهل المركب و الكذب المفضوح أن يُسمى هذا التراث بأنه فلسفة إسلامية ؟ ! .
و ثانيها أنه من الثابت تاريخيا أن الفلسفة التي كانت عند الفلاسفة المسلمين هي في معظمها تراث يوناني مُترجم إلى اللغة العربية ، ثم ضخمه الفلاسفة المسلمون بالشروحات و التلخيصات و التهذيبات و التعقيبات ، لكنه ظل في أساسه يونانيا في أصوله و تفاصيله ، لأن تلك الأعمال كانت أساسا في خدمة تلك الفلسفة و الانتصار لها،و لم تكن أعمالا علمية حرة موضوعية موجهة لنقدها على ضوء النقل الصحيح ، و العقل الصريح ، و العلم الصحيح . فهل يصح بعد هذا أن نسميه فلسفة إسلامية ؟ ! .
و ثالثها أنه لو كانت تلك الفلسفة إسلامية ، ما قاومها علماء أهل السنة في رجالها و أفكارها و تراثها ، فمقاومتهم لها دليل على أنها ليست إسلامية و أنها خطر علي الدين و الأمة معا . و هم غير متهمين ، فهم من أحرص المسلمين دفاعا عن الدين و تطبيقا له و غيرة عليه .
و رابعها إن معظم رجالات الفلسفة المسلمين كانوا منحرفين عن الإسلام عقيديا و سلوكيا بسبب الفلسفة اليونانية ، و هذا يعني أنهم كانوا يمثلون تلك الفلسفة لا الإسلام ، لذا فإنه من الخطأ الفادح أن ننسب هؤلاء و تراثهم لدين الإسلام .
و خامسها إن أي علم لكي يكون إسلاميا لا بد أن تكون أصوله و فروعه و مقاصده إسلامية قلبا و قالبا ، فهل يتوفر هذا في فلسفة اليونان المعرّبة التي كانت عند رجالات الفلسفة المسلمين ؟ لا شك أنها لا تتوفر على ذلك قطعا ، فهي فلسفة وثنية صابئية شركية ، بعيدة عن الإسلام و مناقضة له ، و ما أضافه إليها الفلاسفة المسلمون من مصطلحات و شروحات لم يُغير من حقيقتها شيئا .
و قد يُقال لماذا سميَّ فلاسفة العصر الإسلامي بالفلاسفة المسلمين و لم تسم فلسفتهم إسلامية ؟ و الجواب هو أن هناك فرق كبير بين النسبة للمسلمين و النسبة للإسلام ، فليس كل ما فعله المسلمون هو إسلامي بالضرورة ،و ليس كل ما هو إسلامي بالضرورة أن المسلمين قد التزموا به و فعلوه . كما أن اسم : المسلمون ، هو اسم عام يشمل كل أهل القبلة ، و فيهم المنافق و الزنديق و الضال ،و قد كان المنافقون زمن الرسول –عليه الصلاة و السلام – يُحسبون من المسلمين و هم في الدرك الأسفل من أهل النار . لذا فإن تسميتهم بالفلاسفة المسلمين لا تعني بالضرورة أن فلسفتهم إسلامية .
و قد يتساءل بعض الناس فيقول : ألم يُطلق على فلاسفة المسلمين اسم : فلاسفة الإسلام ؟ ،و و ما هو الاسم الذي يصح أن نطلقه على تراث الفلاسفة المسلمين ؟ ،و هل يمكن أن توجد حكمة و فلسفة إسلامية ؟ . ففيما يخص التساؤل الأول ، فقد أطلق المتأخرون اسم فلاسفة الإسلام على الفلاسفة المسلمين[1] . و أطلقه الشيخ ابن تيمية على يعقوب الكندي ، لكنه حدد معناه بقوله : (( أعني الفيلسوف الذي في الإسلام ، و إلا ليس الفلاسفة من المسلمين ، كما قالوا لبعض أعيان القضاة في زماننا : ابن سينا من فلاسفة الإسلام ، فقال ليس للإسلام فلاسفة ))[2] . فالمقصود من مصطلح : فلاسفة الإسلام ، هو فلاسفة عصر الإسلام ، أو فلاسفة العصر الإسلامي ، أي الفلاسفة الذين ظهروا في تاريخ الإسلام ،و ليس المقصود به : فلاسفة دين الإسلام ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هؤلاء فلاسفة دين الإسلام ؛ و قد سبق و أن ذكرنا ضلالاتهم و شركياتهم و انحرافاتهم و أقوال العلماء في تضليلهم .
و مما يزيد الأمر وضوحا أن ابن الجوزي قال : زنادقة الإسلام ثلاثة ، ابن الرواندي ،و أبو العلاء المعري ،و أبو حيان التوحيدي [3] . فمقصوده زنادقة العصر الإسلامي ، أي الذين ظهروا في تاريخ الإسلام ، و ليس مقصوده زنادقة دين الإسلام ، فدين الإسلام له مؤمنون و علماء ،و ليس له زنادقة ! .
و أما التساؤل الثاني ، فبما أنه قد تبين أن تراث الفلاسفة المسلمين ليس فلسفة إسلامية ، فلابد إذن من تغيير اسمها ،و أنا اقترح أن تسمى-مثلا -: الفلسفة اليونانية المعرّبة ، أو الفلسفة اليونانية العربية ، أو فلسفة المسلمين اليونانية ، أو فلسفة العرب اليونانية .
و بالنسبة للتساؤل الثالث عن الحكمة و الفلسفة في الإسلام ، فأقول : نعم في الإسلام حكمة ،و الحكمة من صفات الله تعالى ، فهو حكيم ،و الأنبياء – عليهم الصلاة و السلام – أتاهم الله الحكمة و فصل الخطاب ، قال تعالى : (( و أتيناه الحكمة و فصل الخطاب )) سورة ص /20 -، و (( و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة )) سورة النساء /123 - ، و الحكيم من المسلمين هو الذي جمع بين معرفة الدين و العلم النافع و العمل الصالح [4] ؛ و ليس هو الذي تعلم فلسفة اليونان و انحرف عن دين الإسلام .
و أما الفلسفة ، فيمكن أن توجد فلسفة إسلامية – بغض النظر عن التسمية - ، إذا ما كانت أصولها و فروعها و مقاصدها إسلامية ، و كان منهاجها قائما على الوحي أولا ، ثم على العقل الصريح و العلم الصحيح ثانيا ، لا على الظنون و الأوهام ، و الأهواء و الشركيات و الأساطير . على أن ينحصر مجال عملها في فهم نصوص الكتاب و السنة و إظهار حكمتهما ، و الاجتهاد في اكتشاف آيات الآفاق و الأنفس ،و مختلف مظاهر الكون الظاهرة و الخفية ، مع الابتعاد كلية عن الخوض في الغيبيات التي لا يدركها العقل و التي تكفّل الشرع بتبيانها ، لأنه ليس من العقل أن يخوض العقل فيما لا يدركه العقل ، مع التسليم المطلق للشرع ، لقوله تعالى : (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم و لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يُسلّموا تسليما )) سورة النساء /56 .
[1] انظر : الشهرستاني : الملل و النحل ، ج 2 ص: 61، 135، 138 .و ابن خلدون : المقدمة ، ص: 491 .
[2] مجموع الفتاوى، ج 9 ص: 186 .
[3] الذهبي : السيّر ، ج 17 ص: 120 .
[4] ابن تيمية : الصفدية ، ج2 ص: 325 .و ابن القيم : إغاثة اللهفان، ج 2 ص: 356 .