باب ما جاء في السحر
أورد فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله
رحمة واسعة في كتابه القيم ( فتح المجيد ) شرح كتاب التوحيد بابا قيما في السحر أسماه( باب ما جاء في السحر) ولأهمية هذا الباب فيما يتعلق بالرقية الشرعية وما يتعلق بصلب موقع الرقية الشرعية ولتعميق الفائدة وتأصيلها لدي الاخوة الباحثين من المسلمين أردنا أن نقدم لهم ما ورد في كتاب الشيخ وخاصة الاخوة الذين لا يمكنهم الحصول علي هذا الكتاب في بلادهم نسأل الله أن ينتفعوا بعلمه الغزير. (باب ما جاء في السحر) قوله(باب ما جاء في السحر) أي والكهانة . السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه ، ولهذا جاء في الحديث " ان من البيان لسحرا " وسمي السحر سحرا لأنه يقع خفيا آخر الليل . قـال أبو محمد المقدسي في الكافي : السحر عزائم ورقى وعقـد يؤثر في القلوب والأبدان ، فيمرض ويقتل ، ويفرق بين المرء وزوجه قال تعالى : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه ) 2 :102 و قال سبحانه( و من شر النفاثات في العقد ) يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن و ينفثن في عقدهن . و لولا لأن للسحر حقيقة لم يأمر الله بالاستعاذة منه. و عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر حتى انه ليخيل اليه انه يفعل الشيء و ما يفعله، و أنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسي و الآخر عند رجلي ، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب قال: و من طبه ؟ قال: لبيد ابن الأعصم في مشط و مشاطة ، و في جف طلعة ذكر في بئر ذروان " رواه البخاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قول الله تعالي ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) 2:102 و قولهيؤمنون بالجبت و الطاغوت)4 : 51 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال "و قول الله تعالى(و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق)" قال ابن عباس " من نصيب" قال قتادة: و قد علم أهل الكتاب فيما عهد اليهم:أن الساحر لا خلاق له في الآخرة،و قال الحسن: ليس له دين. فدلت الآيه على تحريم السحر، و كذلك هو محرم في جميع أديان الرسل عليهم السلام، كما قال تعالى(و لا يفلح الساحر حيث أتى)20 :69 و قد نص أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه و تعليمه. و روى عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم" من تعلم شيئا من السحر قليلا كان أو كثيرا كان آخر عهده من الله" و هذا مرسل. واختلفوا: هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف الى أنه يكفر، و به قال مالك و أبوحنيفة و أحمد رحمهم الله.قال أصحابه:الا أن يكون سحره بأدوية و تدخين و سقى شيء يضر فلا يكفر. و قال الشافعي: اذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فان وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب الى الكواكب السبعة ،و أنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، و ان كان لا يوجب الكفر فان اعتقد اباحته كفر.اهـو قد سماه الله كفرا بقوله ) : انما نحن فتنة فلا تكفر) 2 :102 و قوله: ( وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا) قال ابن عباس في قوله ( انما نحن فتنة فلا تكفر) و ذلك انهما علما الخير و الشر و الكفر و الايمان ، فعرفا أن السحر من الكفر. قال : " و قوله تعالى( يؤمنون بالجبت و الطاغوت)" تقدم الكلام عليهما في الباب قبله و فيه أن السحر من الجبت . قاله المصنف رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال عمر: الجبت :السحر ، و الطاغوت: الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله" قال عمر رضي الله عنه: الجبت: السحر . و الطاغوت: الشيطان" هذا الأثر رواه ابن ابي حاتم و غيره.قوله" و قال جابر : الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان ، في كل حي واحد " هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم بنحوه مطولا عن وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون اليها ، فقال : ان في جهينة واحدا . و في أسلم واحدا ، و في هلال واحدا ، و في كل حي واحدا، و هم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين ". ( 1 ) قوله" قال جابر" هو ابن عبد الله بن حرام الأنصاري. ( 2 ) قوله" الطواغيت: كهان " أراد أن الكهان من الطواغيت ، فهو من افراد المعنى . قوله" كان ينزل عليهم الشيطان" أراد الجنس لا الشيطان الذي هو ابليس خاصة ، بل تنزل عليهم الشياطين و يخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع فيصدقون مرة و يكذبون مئة. قوله" في كل حي واحد " الحي واحد الأحياء ، وهم القبائل ، أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون اليه ويسألونه عن الغيب ، وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبطل الله ذلك بالاسلام ، وحرست السماء بكثرة الشهب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم : أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله واخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله . سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الانس ، والأ شجار والأحجار وغيرها . ويدخل في ذلك بلا شك : الحكم بالقوانين الأجنبية عن الاسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الانسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال ، وليبطل بها شرائع الله ، من اقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها . والقوانين نفسها طواغيت ، وواضعوها ومروجوها طواغيت . وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم اما قصدا أو عن غير قصد من واضعه . فهو طاغوت .
( 2 ) توفي جابر سنة 74 هـ ، وقيل : سنة 77 هـ ، وكان عمره أربعا وتسعين سنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق . وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " (اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) .كذا أورده المصنف غير معزو ، وقد رواه البخاري ومسلم . قوله ( اجتنبوا ) أي أبعدوا ، وهو ابلغ من قوله : دعوا واتركوا ؛ لأن النهي عن القربان أبلغ ، كقوله تعالي ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) . قوله ( موبقات ) بموحدة وقاف : أي المهلكات . وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات ، وفي الآخرة من العذاب . وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير ، وعبد الرزاق مرفوعا وموقوفا قال " الكبائر تسع ـ وذكر السبعة المذكورة ـ وزاد : الالحاد في الحرم وعقوق الوالدين " ولابن أبي حاتم عن علي قال " الكبائر ـ فذكر السبع ـ الا مال اليتيم وزاد: العقوق ، والتعرب بعد الهجرة ، وفراق الجماعة ، ونكث الصفقة " قال الحافظ: ويحتاج عندي هذا الجواب عن الحكمة في الاقتصار علي سبع . ويجاب : بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف ، أو بأنه أعلم أولا بالمذكورات . ثم أعلم بما زاد ، فيجب الأخذ بالزائد ، أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة الي السائل . وقد أخرج الطبراني واسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له : " الكبائر سبع " قال " هن أكثر من سبع وسبع " وفي رواية " هي الي السبعين أقرب " وفي رواية " الي السبعمائة " (1) قوله ( قال : الشرك بالله ) هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف الله ، بدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به ، كما في الصحيحين عن ابن مسعود " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ـ
الحديث "
"