هذه الحكاية جمعت بين طياتها الكثير من التناقضات .... فيها كل الألم وكل السعادة .... فيها وفاء وخيانة ... فيها دموع وضحكات ... وصال وفراق ... تضحية وأنانية .... لهذا كانت فعلاً بمثابة حكاية كل عاشق .... والآن أصدقائي سأدعكم مع بطل هذه القصة ليكمل لكم قصته وعذراً للإطالة بالنيابة عنه فهو يتحدث بحديث قلبه لا لسانه فاعذروه .... وإليكم ) ...................................................... .................................................. .....................
(ثلاثة ساعات على الهاتف .... تارةً أحسها وكأنها صحفية تجري معي لقاءً صحفياً ... وتارةً أحسها وكأنها حبيبة تحيطني بعطفها وخوفها علي وحرصها على مشاعري ....
تجاوبت معها إلى أبعد الحدود .... وحاولت أن أبعث في قلبها الراحة والأمان وأظن أنني نجحت ....)
قلت لها في آخر المكالمة ....
- أنت طوال الوقت تكلمينني بدافع من عقلك .... فهل لك أن تقولي شيئاً من قلبك ؟؟
- سأقول ( قالت لي ) .... في الحقيقة أنا سعيدة بمشاعرك وأنا فعلاً أميل إلى تصديقك لكنني ....
- ماذا ؟
- لكنني لا أملك لك شيء ...
( وهنا صمتُ ... صمت لأنني لم أعرف إن كنت أملك الحق في أن أطالبها بشيء .... وأنهيت المكالمة بطريقةٍ ما دون أن أعلق على قولها ....
وبعدها مر شهر كامل لم تتصل خلاله .... ولم أجدها على نافذتها المطلة على الحديقة ....
شهر كامل والنافذة مغلقة لم تفتح ... شهر كامل كل يوم أذهب ... كل يوم ...
كان قلبي يخوض أعتى المعارك مع عقلي .... وأتألم وأسهر ... وأمشي ... لا أرى أمامي إلا طيفها ....
بدا تأثيرها واضحاً على ملامحي وتصرفاتي وحتى عملي الذي أهملته ... فهي لم تكن مجرد قصة حب .... وإلا لكنت من أسعد البشر بها ....
وبعد شهر ... وفي أحد الأيام رن الهاتف عند الساعة الخامسة صباحاً تقريباً ....
انتفضت من فراشي وهرعت إلى السماعة ....)
- ألو ... ألو
- صباح الخير...
- صباح الخير ... أين أنتِ ...
- أنا هنا !!
- لماذا لم أعد أراك على النافذة ؟
-( قالت لي ) اسمعني أرجوك .... أريد أن أسألك شيئاً ...
- قولي ... اسالي ...
- أنت تحبني أعلم ذلك .... ولكن ماذا بعد ؟؟؟
- هذا سؤال قاتل .... لو تعلمين كم يقتلني كل يوم وكل ساعة ....
- لماذا ..؟
- سأخبرك ....اسمعي ....
أنا أحببتك بكل قلبي وعقلي دون إرادةٍ مني أو عزم أو استعداد .... هكذا فجأة ...
وأردت أن أخبرك بحبي كي لا أختنق ... أردت أن أخبرك لماذا أحببتك وكيف وبماذا أشعر .... ولكنني .... ولكنني لست واثق من أنني أريد أن تكوني جزءاً من حياتي أو رفيقة فيها ..
- ( قالت ) ... لماذا ؟؟
- سأخبرك وأرجو أن تتفهمي ....
- أعدكَ ...
( وهنا أخبرتها بقصة تلك الفتاة الطيبة التي تحبني وتنتظرني .... أخبرتها بكل التفاصيل ... وعندما انتهيت صمتت .... صمتت طويلاً ... سمعت منها تنهيدةً قصيرة شقت رأسي نصفين وفطرت قلبي ....
- ( قلت لها) ما بك ؟
- ( قالت بصوت يرتجف ) .... لا يهم ...
- ما الذي لا يهم ؟
- لا يهم طالما أنك أحببتني وأحببتك ...
- أحببتني ؟؟؟؟
- أجل .... أحببتك ... أحببتك ....
سأحيا بحبك حتى آخر لحظة ممكنة ... سأحبك دون أمل ... فهل تستطيع أن تبقى معي .... هل أملك الحق أن أكون أنانية وأطالبك بالبقاء ....
( وصارت تبكي ..... بكت ... وبكيت معها بمرارة .... ثم أكملت قائلة ....)
- كنت طوال الشهر الفائت أراقبك من طرف نافذتي تلك لأملأ عيني منك .... لكنني لم أستطع أن أبتعد عنك أكثر .... خفت أن تتركني ....
أجل لقد أحببتك ... أحببتك من اللحظة الأولى وأنت تعطيني بطاقتك ... أحببتك من اللحظة التي رأيت فيها عينيك المليئتين بالحب والدفء .... ومن لحظة سمعت صوتك المليء بالرقي والاحترام والقوة ...
لو تعلم كم كان قلبي يدق وأنا أقرأ بطاقتك وأنت أمامي ..... مزقتها وكأنني مزقت قطعةً من جسدي ...
هل تعدني أن تبقى ... هل ستسمح لمشاعري أن تحيا كمشاعر بقية البشر ممن أحبوا حتى ولو بدون أمل أنا موافقة .... أم أنك ستقتلها وهي كالطفلة في المهد .... أخبرني .....
- أعدك .... أعدك سأبقى .... سأبقى وسأحبك ....
أجل سأحبك إلى أن يشاء الله ويقدر مصيرنا .....
- أحقاً ؟
- نعم صدقيني ...
- لن أستطيع أن أخفي شعوري بالذنب ...
- وأنا أيضاً .... ولكن سأدع قلبي ليحيا حياته بعيداً عن كل دنياي الخاصة
- إذاً أنت حبيبي ؟؟
- نعم حبيبتي ..... حبيبك أنا ياحلوتي ...
- ههه يا إلهي لا أصدق ...
- أحبكِ
- أحبكَ
- أحبكِ
-أحبكَ ....
( وبدأت علاقة الحب مع مرور الوقت تنمو بيننا أكثر فأكثر .... ومرت سنوات ... كانت سريعة لم نشعر بها .... كانت أجمل أيام حياتنا ... جسدنا الحب بكل معانيه ... بكل تفاصيله ... وعشنا كل مشاعره ....
كنا نضحك سويةً ونبكي سويةً .... نغفو ونأرق ونصحو سويةً ....
الحب الذي خلق ليغمر الدنيا نذر نفسه لنا .... مشاويرنا كانت حكايا .... أشعارنا رسائلنا التي تبادلناها كلماتنا وكل المغامرات المجنونة التي عشناها كانت أنموذجاً فريداً لقصة من قصص الحب
طوال الوقت لم تسألني ( وماذا بعد ؟ ) ولم أسألها شيئاً ....
أما الفتاة التي كانت تحبني فكانت تسألني بين الحين والآخر نفس السؤال فتقول ( لا أعلم ... أحس وكأن بداخلك حزنٌ كبير .... ماهو ياترى ... ؟ ) وكنت أبتلع دموعي التي كان لطعمها في حلقي مرارة العلقم ... ثم أخفي عنها وجهي كي لا تلاحظ ملامحي وأجيبها بنفس الجواب كل مرة ( إنها الحياة .... الحياة تحب أن ترسم على وجوهنا ... تحب أن تترك آثار التعب دائماً ... لاتقلقي ... )
ومرت السنين .... ودقت ساعة الصفر .... وزاد ضغط والداي علي كي أتزوج وقد صرت جاهزاً لهذا الأمر ....
وأخيراً وبعد تردد طويل أخبرت حبيبتي بهذا الأمر .... أخبرتها بضغط والداي ... وبأنني صرت جاهز ... أخبرتها وقلبي يحترق بكامله ....
وماكان منها إلا أن قالت لي .... )
- هل أنت متأكد من أنك صرت جاهزاً للزواج ؟؟؟
- نعم (قلت لها )
- حسناً .... أريد منك أمراً هل تنفذه ....
- قولي ...
- أريدك أن تأتي غداً إلى النافذة عند الساعة التاسعة صباحاً ....
- لماذا ؟؟
- هناك شيء سأتركه لك ...
- ماهو ؟
- تعال وستعرف ....
- سآتي ولكن هل سأراك ؟
- طبعاً .... يجب أن تراني وأراك ... يجب ...
( وفي اليوم التالي ذهبت فعلاً ... دخلت الحديقة وكانت فارغة إلا من الحارس الجالس على بابها ...
وتوجهت إلى النافذة بحذر ... نظرت وإذ بظرف صغير ... أخذته وجلست على المقعد وأنا أنتظر خروجها .....
وفتحت النافذة .... أطلت منها كالشمس كالربيع كالسحر .... ولكن ثمة شيء ... فلقد كانت عينيها ليستا على طبيعتهما .... وكأنها كانت تبكي .... ماذا هنالك أومأتُ لها ....
فأجابت بالإشارة لا شيء وفجأةً أغلقت النافذة ودخلت ....
فاجأني تصرفها ولكنني كنت أعلم أنه ثمة شيء وكنت أتوقع أي شيء بعد الذي قلته لها البارحة
.... فتحت الظرف وإذ به منديل صغير فيه خصلة صغيرة من شعرها ( آآآآآآآآآآآآآآآآآه يا عمري .... آآآآآآآآآآآآآآه يا قلبي ... قلتُ في نفسي ) ....
وفيه ورقة صغيرة فتحتها وإذ بها حرفياً ....
(- إمض حبيبي .... إمض إلى وعدك وعهدك ....
كن رجلاً وامض ولا تلتفت للخلف أبداً .... ولا تندم على أي شيء ...
أنا لست نادمة ... بل أنا ممتنةٌ لك ... ممتنةٌ للحب ....
أنا أحببتك وعشت حبك بإرادتي واختياري .... وسأكمل حبي لك ولكن هذه المرة لوحدي ....
لوحدي بين جدران غرفتي ... بين أوراقي ... وعلى وسادتي ...
لم أعد أملك لك إلا أمرين ... وأعدك بهما .... الأول هو أنني سأحبك ماحييت ... والثاني هو أنني سأسمي أحد أولادي باسمك إن اضطررت يوماً للزواج ...
سامحني حبيبي .... فأنا أدرك تماماً كيف سيكون وقع كلماتي عليك ... لكن ماعندي غيرها ...
سأصارحك بأمر ....
عندي أمل واحد ... وهو أن نتزوج في الجنة .... أرجوك ... عدني بذلك بينك وبين نفسك ...وستسمعك روحي وسأصدقك ... فقط عدني ...
والآن وداعاً .... وداعاً يا بطلي ... يا حبيبي ... يا عيوني ...
وعش حياتك كما ينبغي ..
( فلانة )
( التوقيع ) . )
................................................
( عدت إلى البيت جثةً هامدة .... وبقيت أكثر من أسبوعين مريضاً في الفراش .... لا آكل ... لا أتكلم .... تنهمر الدموع من عيناي بصمت ...
وضعوا لي ( السيروم ) .... وبكت عليّ أمي وأخواتي ... وحزن أبي كثيراً ....
وجاء أصدقائي وأقاربي لزيارتي والكل مستغرب مما اعتراني فجأة ....
ونجح أخيراً أحد الأطباء أن يقنعني بأن أشرب كوباً من عصير البرتقال .... وصار يأتي كل يوم ليجالسني ويحاول أن يفهم مني بأسلوبه ماجرى معي وماهو سبب إنهياري المفاجئ ... ولكنني تكتمت ... وقررت أن أنهض .... ونهضت فعلاً ... ( إلى الآن مازال والداي يجهلان سبب مرضي ذاك ويضعان احتمالاً تلو الآخر دون أن ينطلي عليهم العذر الذي قدمته لهما ... )
أما تلك الفتاة الطيبة فأخبرتها أختي بأنني مسافر بإيحاء مني ....
وبعد أن استعدت عافيتي كان علي أن أقرر .... وفعلاً قررت .... قررت وحزمت أمري بعد عدة أيام فقط ....
قررت أن أتزوج تلك الفتاة الطيبة التي أحبتي بصدق .... قررت لأنني أخبرتها بأنني أحببتها ووعدتها بالزواج وانتظرتني كل هذه السنين .... وإن كان لأحد أن يدفع الضريبة فهو أنا وليست هي ....
دست على قلبي بكل ثقلي ...دست على كل سنين الحب ورسائل الحب ودموع الحب وعناق الحب وسهر الحب ....
دست على صدري ورأسي .... وقررت أن أكون رجلاً وأحكم بضميري ....
أخبرت والدتي التي كانت تعلم مسبقاً بها بان تطلبها من أهلها للزواج ... وفعلت على الفور وكلها فرح وسرور ....
وتم الأمر بسرعة .... وتزوجتها .... أجل تزوجتها ....
ومضت السنين ... سنة تلو سنة .... عشت معها زوجاً صالحاً ودوداً بكل ما أستطيع .... وبملئ إرادتي .... كنت ومازلت معها كما تحب هي أن أكون معها ....
وطوال تلك السنين ... بقيت تلك النافذة مغلقة .... لم تفتح أبداً وكأن كل من في البيت قد رحل ....
مازلت أمر من هناك بين الحين والآخر أقف دقيقة صمت على روح حبنا الذي استشهد في سبيل الضمير والوعد .... ومازلت أتألم كلما خطر على بالي ذلك السؤال ( أين هي وماذا جرى لها )
ومازالت زوجتي تسألني بين الحين والآخر نفس السؤال .... ( أحس ياعزيزي وكأن بداخلك حزناً كبيراً .... آه كم أتمنى أن أدخل إلى قلبك وأقرأ ما فيه ... )
وتستمر الحياة ويستمر الألم ..
تمت .
.................................................. .................................................. ........................
(