« الظلم ظلمات يوم القيامة »
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« الظلم ظلمات يوم القيامة »
متفق عليه .
هذا الحديث فيه التحذير من الظلم ،
والحث على ضده ، وهو العدل .
والشريعة كلها عدل ، آمرة بالعدل ، ناهية عن الظلم .
قال تعالى :
{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } .
[ الأعراف : 29 ]
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } .
[ النحل : 90 ] .
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ
مُهْتَدُونَ } .
[ الأنعام : 82 ]
فإن الإيمان أصوله وفروعه ، باطنة وظاهره - كله عدل ، وضده
ظلم .
فأعدل العدل وأصله :
الاعتراف وإخلاص التوحيد لله ، والإيمان بصفاته وأسمائه الحسنى ،
وإخلاص الدين والعبادة له ، وأعظم الظلم ، وأشده الشرك بالله ،
كما قال تعالى :
{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } .
[ لقمان : 13 ]
وذلك أن العدل وضع الشيء في موضعه ،
والقيام بالحقوق الواجبة ، والظلم عكسه ،
فأعظم الحقوق وأوجبها :
حق الله على عباده : أن يعرفوه ويعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ،
ثم القيام بأصول الإيمان ،
وشرائع الإسلام من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان ،
وحج البيت الحرام ، والجهاد في سبيل الله قولا وفعلا ،
والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر .
ومن الظلم :
الإخلال بشيء من ذلك ،
كما أن من العدل : القيام بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم
من الإيمان به ومحبته ، وتقديمها على محبة الخلق كلهم ،
وطاعته وتوقيره وتبجيله ،
وتقديم أمره وقوله على أمر غيره وقوله .
ومن الظلم العظيم :
أن يخل العبد بشيء من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الذي
هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ،
وأرحم بهم وأرأف بهم من كل أحد من الخلق ،
وهو الذي لم يصل إلى أحد خير إلا على يديه .
ومن العدل :
بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وأداء حقوق الأصحاب والمعاملين .
ومن الظلم : الإخلال بذلك .
ومن العدل : قيام كل من الزوجين بحق الآخر ،
ومن أخل بذلك منهما فهو ظالم .
وظلم الناس أنواع كثيرة ،
يجمعها قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع :
« إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
في شهركم هذا في بلدكم هذا » .
فالظلم كله بأنواعه ظلمات يوم القيامة ،
يعاقب أهلها على قدر ظلمهم ،
ويجازى المظلومون من حسنات الظالمين ،
فإن لم يكن لهم حسنات أو فنيت أخذ من سيئاتهم
فطرحت على الظالمين .
والعدل كله نور يوم القيامة :
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }
[ الحديد : 12 ] .
والله تعالى حرم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده محرما .
فالله تعالى على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله وجزائه ،
وهو العدل .
وقد نصب لعباده الصراط المستقيم الذي يرجع إلى العدل ،
ومن عدل عنه عدل إلى الظلم والجور الموصل إلى الجحيم .
والظلم ثلاثة أنواع :
نوع لا يغفره الله ،
وهو الشرك بالله :
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ }
[ النساء : 48 ] .
ونوع لا يترك الله منه شيئا ،
وهو ظلم العباد بعضهم لبعض ،
فمن كمال عدله : أن يقص الخلق بعضهم من بعض بقدر مظالمهم .
ونوع تحت مشيئة الله :
إن شاء عاقب عليه ، وإن شاء عفا عن أهله ،
وهو الذنوب التي بين العباد وبين ربهم فيما دون الشرك .
بهجة قلوب الأبرار للعلامة السعدي رحمه الله
__________________
أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا
لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا