مأساة أخرى: وأثناء سيرنا في المخيم للبحث عن النازحين الجدد ومعرفة أحوالهم قابلنا رجل كبير في السن يمشى وحده ويحمل جوال به كيلو دقيق تقريبا استوقفناه لنتكلم معه قال: "فقدت كل أسرتي ماتوا جميعا" لم يخبرنا أماتوا في "الصومال"؟ أم ماتوا في الطريق؟ واضح أنه مشى مسافة طويلة هذا الرجل نظره ضعيف جدا وهو أقرب إلى الهيكل العظمى ذهب إلى مكتب الأمم المتحدة كان يحلم بالطعام وعلاج عينيه لم يعطوه إلا هذا الكيلو من الدقيق سألنا: "ماذا أفعل بالدقيق؟! وكيف أأكله؟!" أعطيناه مبلغ بسيط من المال ليشترى طعام جاهز -هناك بعض اللاجئين القدامى يبيعون بعض الأطعمة- وتركناه يبحث عن مأوى. النساء والأطفال: توغلنا داخل المخيمات لفت نظري ملابس الأطفال الصغار؛ بعضهم يستر الجزء العلوي فقط، وبعضهم يستر الجزء السفلى فقط، نادرا ما ترى طفلا يرتدى كامل ملابسه. والأطفال في غاية النحافة أذرعهم وأرجلهم نحيفة جدا، بعضهم يلهو ويلعب وأغلبهم يبكون. أما النساء فقلما تجد امرأة في المخيمات تستر كامل جسدها ليس تبرجا ولكنهم لا يجدون ما يستترون به، والنساء يملئون المياه من الحنفيات التي وضعتها الأمم المتحدة في أماكن متفرقة من المخيمات، والزحام شديد جدا على هذه الحنفيات، وكلما سرنا في مكان تجمع حولنا الرجال والنساء والأطفال ظنا منهم أننا سنوزع عليهم أي شيء لكن لم يكن معنا شئ نعطيه لهم لأن خطتنا كانت دراسة الوضع أولا وتحديد كيفية التوزيع بعد ذلك. لاحظنا أن الخيام التي يعيشون فيها لا تحميهم من شمس ولا ريح ولا مطر عبارة عن فروع الشجر المغطاة بالأكياس والكرتون. وسعداء الحظ منهم حصل على خيمة بلاستيكية من الأمم المتحدة صغير جدا تكفى بالكاد شخصين أما أماكن قضاء الحاجة فهي الخلاء الفسيح المحيط بالمخيمات، وهناك بعض الحمامات عبارة عن غرفة ضيقه جدا من الصفيح ليس بفيها اى ماء بالطبع فهي لاتصلح للاستخدام الادمى من أعجب ما رأيت: وأثناء السير نادانا رجل قال: "تعالوا انظروا..." وكان أعجب ما رأيت طفلة صغيرة عمرها 5 سنوات عبارة عن هيكل عظمى جلد على عظم القفص الصدري في غاية الوضوح، العينين شحابتين وفى الداخل بشكل غريب وزنها لا يتعدى الثلاثة كيلوجرامات بحال من الأحوال مشهد تبكى له القلوب والعيون إذا لمسها أحد لا تتحمل وتبكى بكاء شديد كان يتمنى أبوها أن تعالجها الأمم المتحدة في المستشفى لكن من الواضح أن ليس لها مكان فالحالات التي تشبه حالتها كثيرة جدا، رحماك بنا يا رب. دار في ذهني ماذا سنقول لله عز وجل إذا سألنا عنها يوم القيامة اسمها نظيفة ووضع أسرتها في غاية السوء كان وقت الإفطار قد اقترب وكانت أمها تشعل النار وتطبخ أحببت أن أرى ما في داخل هذه الحلة السوداء الصغيرة كان فيها ماء يغلى به طماطم مقطعة قطع صغيرة هذا هو إفطار هذه الأسرة لم نتمالك أنفسنا وانصرفنا كان يجب علينا العودة إلى الفندق في مدينة جاريسا حتى ندرك الإفطار لكن لم يرغب احد منا في مغادرة المخيم. مخيم "دجحلى": انتقلنا بعد ذلك إلى المخيم الثاني في هذه المنطقة فهي مقسمة إلى 3 مخيمات: الأول: اسمه "ايفو" والثاني: "دجحلى" والثالث: "حجر دير". والأمم المتحدة غير منظمة في ترتيب اللاجئين في المخيمات، ولا ترتيب أماكن تواجدهم. قابلنا في الطريق نازحين جدد يكادون يموتون عطشا. وصلنا إلى مخيم "دجحلى" شاهدنا نفس المشاهد وشاهدنا مجموعة من النازحين يبنون مسجدا بأخشاب الأشجار، وساعدناهم ببعض الأموال، وشاهدنا مسجدا آخر مبنى أيضا من فروع الشجر فأعطينا القائمين عليه مصاحف -كانت معنا أرسلها الإخوة من جمعية "تبليغ الإسلام"- وفرحوا بالمصاحف فرحا شديدا.