*
أسكت يا قلبي حتى الصباح .
أسكت ، فالفضاء قد أتخمته رائحة الأشلاء فلن يتشرب أنفاسك .
أصغ يا قلبي واسمعني متكلمـ،ا :
كانت بالأمس فكرتي سفينة تتقلب بين أمواج البحار وتتنقل مع الأهوية من شاطئ إلى شاطئ .
ولقد كانت سفينة فكرتي خالية إلا من سبعة أكواب طافحة بألوان مختلفة تشابه ألوان قوس قزح بنضارتها .
وجاء زمن مللت فيه التنقل على وجه البحار فقلت سأعوج بسفينة فكرتي الفارغة إلى ميناء البلد الذي ولدت فيه .
ثم أخدتُ أطلي جوانب سفينتي بألوان صفراء كشمس المغيب ، وخضراء كقلب الربيع ، وزرقاء ككبد السماء ، وحمراء كذوب الشفق ، وأرسم على شراعها ودفتها رسوما غريبة تجذب العين وتبهج البصيرة . ولما انتهيت من عملي وقد ظهرت سفينة فكرتي كرؤيا نبي تطوف بين اللانهايتين : البحر والسماء ، دخلت ميناء بلدي فخرج الناس لملاقاتي بالتهليل والتعظيم وادخلوني المدينة ضاربين الدفوف ، نافخين الزمور .
فعلوا ذلك لأن خارج سفينتي كان مزخرفا بهجا ولم يدخل أحد جوف سفينة فكرتي .
ولم يسأل أحد ماذا جلبت فيها من وراء البحار .
ولم يدر أحد أني عدت بها فارغة و إلى الميناء .
عند ذلك قلت في سري: لقد ظللت الناس ، وبسبعة أكواب من الألوان قد كذبتُ على باصراتهم وبصائرهم .
وبعد عام ركبت سفينة فكرتي وأبحرت ثانية .
سرت إلى جزر الشرق فجمعت منها المر واللبان والند والصندل وأدخلتها إلى سفينتي .
وإلى جزر الغرب فجلبت منها التبر والعاج والياقوت والزمرد وجميع الحجارة الكريمة .
وإلى جزر الشمال فعدت منها بالخز والشي والبرفير .
وإلى جزر الجنوب فحملت منها الدروع المزرجة والسيوف المشرفية والرماح السمهرية وسائر أنواع الأسلحة .
ملأت سفينة فكرتي بنفائس الأرض وغرائبها وعُدت إلى ميناء بلدي قائلا :
سوف يمجدني قومي ولكن عم جدارة . وسيدخلونني المدينة منشدين مزمرين ولكن عن استحقاق .
ولكن لما بلغت الميناء لم يخرج أحد لملاقاتي ، ودخلت شوارع بلدي فلم يلتفت إلي أحد .
ووقفت في ساحاتها معلنا للناس ما جلبتُ لهم من ثمار الأرض وطرائفها فكانوا ينظرون إلي والضحك ملء أفواههم والسخرية على وجوههم ثم يتحولون عني .
للقصة تكملهـْ ،،