المال
المصدر معاريف ـ مقال ـ 22/8/2008 2008-08-23 عدد القراءات 131
بقلم: بن كاسبيت
هذه كانت دائماً طريقة عمل إيهود باراك. ملتوية، محكمة وسرية. من دون أن يترك بصماته ومع نهاية متدنية البروز أو حتى من دون توقيع بالمرة. وحدة هيئة أركان خاصة من شخص واحد. هو موهوب وهناك من يعتقدون جازمين انه الأكثر مهارة ولكن بطريقة ما وفي وقت ما يتضح دائماً أن كل هذه القدرات تهدر وتضيع على المناورات التي لا يوجد لها داع. لأن الأقزام الذين يحيطون بباراك يزعجونه دائماً في آخر المطاف. على الدوام سيبرز حجرة عثرة صغير أو يقوم احد ما بالتسريب باللحظة غير الصحيحة فيتحول كل المبنى الفاخر الذي ابتدعه باراك وأقامه في خياله وخططه الضخمة إلى أنقاض. مثل إسرائيل 2001.
عندما يتعلق الأمر بمصالح الدولة الأمنية ليس هناك أكثر من إيهود باراك حزماً. كل من سمعه يتحدث عن المسألة أعجب به. شخصية أمنية شديدة المراس. عندما يرغب الأمريكيون بإزالة حاجز عسكري في يهودا والسامرة مائتي متر شمالاً يتصببون عرقاً أمام باراك لمدة شهرين. الفلسطينيون يكافحون والأوروبيون يأتون ويخرجون والجنرالات الأمريكيون يضربون على الطاولة وكونداليزا تأخذ في إثارة الضجة، ولكن باراك يقوم بالتحقق من كل حاجز من خلال المجهر مركزاً اهتمامه على امن مواطني إسرائيل. باراك اغرق بحمام بارد من الأمريكيين في زيارته الأخيرة لواشنطن لأسباب منها كل الوعود بإدخال تسهيلات على حياة الفلسطينيين والتي لم ينفذها.
وها هو ويا للعجب مشاركٌ ضالعٌ في صفقة إشكالية عملاقة قد تمس بالمصالح الأمنية الحساسة التي لا يوجد لها مثيل في دولة إسرائيل.
باراك يظهر كوسيط من اجل اوراسكوم شركة اتصالات مصرية عملاقة أرادت أن تزيد من قسطها في رأسمال شركة هتشيسون التي تمتلك 51 بالمائة من الشريكة الإسرائيلية. تفاني باراك في عمل الوساطة هذا كان مذهلاً. هو لاحق أولمرت وضغط على ارئيل اتيس أصر وعاند وأرسل الرسائل ولم يتنازل.
هو حاول أيضاً عقد مقابلة مع رئيس الشاباك يوفال ديسكن، ولكن ديسكن لم يوافق على مقابلته لأنه عرف ما الذي يريده واعتقد أن هذا الأمر غير مناسب. في آخر المطاف أرسل ديسكن لباراك القرار النهائي من خلال محادثة هاتفية. ديسكن قال له إن الصفقة غير مقبولة. رئيس جهاز الأمن العام رفض إعطاء إيهود باراك رئيس الوزراء الأسبق ورئيس هيئة الأركان الأسبق الأسباب التي دفعت جهاز الدفاع إلى رفض الصفقة. ديسكن رد على باراك بأن المسألة حساسة جداً لرجل أعمال خاص وانه سيحول المادة إلى رئيس الوزراء والى وزيري الدفاع والاتصالات. هذه كلمات تعبر عن عما يفكر به ديسكن حول باراك في هذه المسألة.
بالمناسبة، باراك لم يكن الوحيد الذي توسط في قضية اوراسكوم. هل تذكرون محمد رشيد؟ مستشار ياسر عرفات الاقتصادي السابق الذي كان يدير أموال عرفات في أوروبا مع يوسي غينوسار وجنى أرباحاً شخصية هائلة عبر السنين. اليوم لدى محمد رشيد شراكة في مشاريع نجيب سويرس الملياردير المصري وصاحب شركة اوراسكوم. رشيد أيضاً تدخل لدى مسؤولين إسرائيليين كبار في قضية صفقة اوراسكوم. كان هناك من سمع محمد رشيد يوصي بتوظيف باراك كوسيط في هذه القضية. يتبين أن محمد رشيد ما زال يدس أصابعه في الوعاء الإسرائيلي.
بالمناسبة، محمد رشيد ارتبط مع إيهود باراك في كل ما يتعلق في صفقة الغاز الفلسطينية. التحقيق الذي نشر في هذه الصفحات طرح أسئلة صعبة حول الدوافع التي دفعت إيهود باراك رئيس الوزراء حينئذ ووزير الدفاع بالموافقة على قيام الفلسطينيين بالتنقيب عن الغاز رغم معارضة جهاز الدفاع وجهاز الحكومة الإسرائيلي كله لذلك. باراك تجاهل الجميع ووافق لعرفات على التنقيب متجاهلاً الشركة الإسرائيلية «يم تاتيس» ولم يترك من وراءه أثراً على أية وثيقة كانت. بعد حين أتضح أن لمحمد رشيد ويوسي غينوسار صلة قوية بحقل الغاز المذكور هذا الحقل الذي اتيح التنقيب عنه بفضل قرار واحد خلافي من وزير الدفاع.
دوافع إنسانية
إذن ما هي مصلحة باراك في هذه الوساطة من اجل اوراسكوم؟ بكل بساطة أو في الواقع ليست بكل بساطة هناك ما يقال. تعرفوا على ريتشارد (ريك) غيرسون الأمريكي اليهودي الدافئ صاحب صندوق بلوردج. ولتتعرفوا أيضاً على نجيب سويرس الملياردير المصري صاحب شركة اوراسكوم العملاقة التي حاولت السيطرة على الشريك. هذان الشخصان غيرسون وسويرس يمتلكان علاقات تجارية مشتركة. غيرسون في إدارة سويرس الذي يستثمر من ناحيته في بلوردج ويعتبر احد أصحابها وبالمناسبة هما شخصان مثيران للإعجاب. غيرسون يعبتر من قبل كل معارفه شخصاً ممتازاً محباً لإسرائيل وصهيونياً متشدداً. سويرس هو رجل أعمال ذو شهرة عالمية.
غيرسون يتبرع لحملة باراك بعشرات آلاف الشواقل. وشقيقه مارك أيضاً يتبرع. غيرسون يقوم بتجميد باراك كـ «مستشار خاص» لبلوردج. أجره الشهري كبير. غيرسون يعرف على باراك على سويرس صاحب شركة اوراسكوم الذي هو أيضاً شريك في بلوردج التي تدفع أجراً لباراك. وهكذا عندما يحاول سويرس زيادة نصيبه في هتشيسون بطريقة تحول نسبة الشركة المصرية أكثر من 10 بالمائة، الأمر الذي يستوجب مصادقة الجهات الأمنية في إسرائيل، يظهر باراك كوسيط فعال وعنيد من وراء هذه الخطوة. وبعد كل ذلك يحاول أن يوضح في رده التفصيلي لمعاريف أن باراك تعرف على سيد سويرس عندما كان مواطناً عادياً على خلفية طلب سويرس منه مساعدته في تلقي علاج طبي لبناته اللواتي يعانين من مرض نادر في إسرائيل.
باختصار باراك يحاول إقناعنا في الواقع انه زاهد ورجل صالح. فجأة هو يهب لمساعدة طفلتين مصريتين مريضتين وإثر ذلك يتحول إلى وسيط لوالدهن الملياردير في مساعيه التي ستحوله في آخر المطاف إلى مسيطر على شركة اتصالات إسرائيلية. هو لا يفعل ذلك كمواطن عادي وإنما عندما كان قد أعلن عن انه سيخوض معركة سياسية وجند الأموال للانتخابات التمهيدية واختطف الميكروفونات من موشيه شاحل وتملص من المنافسة الأولى ضد عمير بيرتس في اللحظة الأخيرة فقط.
باراك كان في عام 2006 سياسياً ووسيطاً تجارياً في آن واحد. وبعد كل ذلك تجد زوجته هي الأخرى جرأة إن لم نقل وقاحة مذهلة وتقيم شركة وساطة إسرائيلية محلية ـ تاولس التي تدار من الشقة الفاخرة في اكيروف وتعتبر نفسها شركة مختصة بإنتاج العلاقات مع «مجموعة 800 ـ 900 الذين هم صناع القرار في دولة إسرائيل».
نيلي باراك ـ برئيل تعرف التسعمائة شخص هؤلاء! من أين؟. ربما تعرف 90 من الـ 900 ولكنهم في أسفل القائمة. برئيل امرأة لطيفة بصورة خاصة وكانت ذات مرة في وقت بعيد مختصة في العلاقات العامة من الدرجتين الثانية أو الثالثة. هي تعرف قادة الأجهزة الأمنية والجهاز السياسي وكبار الصحفيين من خلال باراك. بالمناسبة بعض كبار الصحفيين موجودين أيضاً في الصالون في أبراج اكيروف بصورة دائمة تقريبا. من المثير أن نعرف إن كانوا يحصلون على المال مقابل العلاقات معهم.
ضغط من اجل الصفقة
هناك في هذه القضية حنجرة عميقة. هي لا تتحدث مع الصحفيين ولكنه اجل يتحدث. احدٌ ما يعرف الحكاية يعتبر العلاقات بين «الحنجرة العميقة» وبين إيهود باراك كـ «نوع من الصديق المتبرع والمستشار التجاري الذي يقوم بنسج العلاقات». هذا الشخص يتابع باراك عن كثب منذ فترة طويلة ويعرف كل تحركاته معرفة شخصية قريبة. إليكم ما يقوله في الأيام الأخيرة: «باراك حصل على المال من بلوردج بصورة ثابتة ولكنه ليس مالاً كبيراً. لدي أساس للافتراض أن باراك يريد المال والكثير منه. حسب اعتقادي هو متشوق لذلك هو يريد مالاً كثيراً وحقيقياً».
على حد قول المصدر «باراك تواجد في كل اللقاءات مع الزبائن المحتملين لشركة تاولس. هو قال أموراً يفهم منها الآن فصاعداً أن الوسيلة لمساعدته تمر عبر تاولس». على سؤال أي نوع من الدفعات يمكن لباراك أن يحصل عليه مقابل الوساطة في صفقة بيع شريك يقول الشخص: «هو ضغط بقوة شديدة من اجل هذه الصفقة. غيرسون عرفه على نجيب سويرس، وسويرس اراد هتشيسون، وبصورة غير مباشرة نسبة كبيرة وأكثر أهمية في الشراكة وغيرسون تبرع لباراك وباراك حصل على المال من بلوردج.
تماما مثلما في عام 1999
إذن إن كانت قضية بيع شريك تذكر بصفقة الغاز الفلسطيني، فإن إقامة شركة تاولس يجب أن تذكر بجمعيات باراك في 99. نمط العمل لا يتغير. في حينه استبق باراك الأحداث وفي رسالة للمستشار القضائي للحكومة أباح الأمر غير السليم مسبقاً في حكاية «لاكونا»، واليوم يحاول القيام بخطوة مشابهة وإعلام مراقب الدولة مسبقاً عن إقامة تاولس حتى يقول بعد ذلك انه أرسل تقريراً بالأمر. المراقب بالمناسبة سكب بالأمس مياه باردة على هذا «التقرير» الذي يدعى باراك انه أرسله.
باراك طبعا ينفي جوهر الأمور «ريك غيرسون لم يكن في أية مرحلة زبون لتاولس». هو محق فيما يقوله العقل بين تاولس وغيرسون كان معداً ولكن غيرسون قرر عدم التوقيع عليه في اللحظة الأخيرة. هو حصل على توصية مهنية حازمة من تلك «الحنجرة العميقة« بأن هذه قضية لا تخلو من الإشكالية. أما رد باراك في قضية سويرس فقد طرحناه سالفاً.
«دولة إسرائيل»، قال مصدر امني في هذا الأسبوع «لا تستطيع أن تسمح لنفسها بترف أن لا يكون باراك مع تجربته المتراكمة وقدراته الأمنية في الصف الأول من صناع القرار في السنة القادمة». هذه مقولة يمكن التجادل معها. ليس هناك أي شيء من الأمور التي قام بها باراك منذ أن تسرح من الجيش قد انتهى بصورة جيده. كل ما فعله انتهى بالبكاء والدم والنار والمقربين المذهولين والمؤيدين الذين خابت آمالهم في دولة تشتعل نارا. مرة تلو الأخرى يبرهن باراك على انه لم يتعلم شيئاً. وانه لا ينوي التعلم وليس هناك من يتعلم منه. هو كما نذكر عبقري محاط بالأقزام الذين يتوجب بهم أن يخدموه لفترة محدودة ومن ثم ينصرفوا حتى المرة القادمة هذا هو باراك.
التجسيد المدهش الذي حصلنا عليه من ذلك، جاءنا في الأسبوع الأخير، أولاً، الفصل المذهل من مذكرات مارتن أنديك الذي يبرهن عن مدى لا مبالاة وإهمال باراك وجبنه في اتصالاته مع سوريا من اجل السلام. في الأسبوع الماضي رد باراك في مقالة بقلمه على أنديك. أحقاً؟ كان من الأفضل لو انه لم يرد. رده كان مثيراً للغضب أكثر من الفصل الأصلي. ظهر من رده في الواقع أن الأمر الأساسي الذي منعه من استنفاد المفاوضات مع السوريين في المرحلة الحاسمة كان أن أحداً ما قد حدثه في الطائرة أن أعضاء الوفدين يجلسون معاً في المقاهي مع الصحفيين ويسربون.
هذه بلا شك نوعاً من المشكلة النفسية. هو فر من شبردستاون بسبب التسريبات! أين هي القيادة؟ أين الرؤيا؟ من الذي يهتم بمثل هذه التسريبات في هذه الأوضاع؟ حتى أوري سغيه الذي يستخدمه باراك اليوم أيضاً كمستشار خاص للشؤون السورية قال عبر التلفاز انه لم يكن ليستطيع الاختلاف مع مقاله أنديك.
احدٌ ما من مقربي قال بأسى قبل مدة أنهم يحنون لباراك القديم. هذه مناسبة للاعتذار أمام القراء الآن الذين قرأوا عن باراك الجديد في عام 2007 وانه فهم أخطاؤه واستخلص العبر من إخفاقاته وأدرك أن عليه أن يركز على الأمن ويترك كل ما تبقى لمن يفهمون فيه. كل هذه الأمور لم تحدث بالمرة. سياسياً بقي باراك نفس الرجل المتعثر الذي يفتقد للذكاء للعاطفي والذي قدم في الأسبوع الأخير خدمة هائلة لتسيبي ليفني في انقضاضه عليها فزاد من مكانتها أكثر فأكثر.
عموماً هذا لم يكن أسبوعاً سيئاً لليفني التي تواصل التفوق في كاديما. في الأسبوع القادم ستعلن داليا ايتسك رسمياً عن المرشح الذي ستؤيده. قرار صحيح ايتسك تتبوأ منصباً رسميا وهو رئاسة الكنيست وقائمة بأعمال الرئيس وبإمكانها أن تجد نفسها مسؤولة عن اختيار الشخص الذي ستكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة. هي ممزقة بين موفاز وليفني (رغم أنها اقرب إلى ليفني). القرار المثير والأصيل في الأسبوع الماضي كان إعلان الوزير يعقوب ادري عن تأييده لمئير شطريت. المرشح المنسي الذي يمتلك تجربة ورصيداً أكثر من الآخرين كلهم يظهر علامات الحياة. المنافسة في كاديما لم تنتهي بعد وستستمر على ما يبدو حتى الدقيقة التسعين.