B.Badisأخي الكريم:
ان كل أزمة تحدث في العالم العربي ترافقها مهرجانات الكلام الفارغ، والمفاوضات داخل الجامعة العربية حول انعقاد أو عدم انعقاد القمة العربية التي يحضرها ما يدعى بقادة الأنظمة العربية المترهلة. إنه غالبا ما تنشب حروب التناقضات بين هذه الأنظمة دون مبرر شرعي.
وفي الواقع، فإن ما يسمى بالنظام العربي لا وجود له إلا في أوهام الحالمين، فالذي تحقق من المحيط إلى الخليج هو الانحراف الكامل عن خط حركات التحرر الوطني وتراثها النضالي المستمد من أيام الكفاح ضد كل أشكال الاستعمار الأوروبي. إنه لا بد من تقديم بعض الخلفيات التي تؤكد أن الانقسام الحالي بخصوص الموقف من الإبادة الوحشية الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة ليس حالة شاذة أو استثنائية، بل إنه تحصيل حاصل ونتاج التواطؤ العربي منذ سنوات طويلة.
إذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد الانقسام العربي قد اتخذ أشكالا متباينة ومتنوعة سواء بخصوص المشكلات الوطنية، أو بخصوص النزاعات بين هذه الدولة أو تلك في الفضاء العربي. عندما حوصرت ليبيا لسنوات طويلة اكتفت الدول العربية بالتنزه من بعيد، ولم يتحرك النظام العربي جماعيا وفي إطار موقف موحد وقوي لإسقاط الحصار. وحينما دخلت الجزائر في نفق الصراع المسلح على السلطة لم تتدخل الجامعة العربية على أساس موقف عربي لإيجاد حل للنزاع، ولحقن الدماء، وبالعكس فإن الذي حصل عربيا هو السلبية المطلقة الأمر الذي جعل الجزائر مسرحا للاقتتال وتحطيم المجتمع.
إنه لا بد من التذكير بأزمة العراق- الكويت التي كان من المفترض أن يتحرك النظام العربي لإيجاد مخرج لها، ولكن الذي حدث هو العكس تماما حيث انقسم العرب إلى صفين: الأول انضم إلى الجيش الأمريكي لمحاربة العراق، ومن ثم محاصرته، والثاني اكتفى بمعسول الكلام السياسي والدبلوماسي لذر الرماد في العيون. ولقد توج هذا الانقسام بنتائج وخيمة منها فتح بعض الدول العربية لأراضيها للقواعد العسكرية الأمريكية لتصبح بذلك قوة استعمارية جديدة أطبقت بأنيابها على ما تبقى من أمن شعوبنا.
لقد كانت هذه الوقائع مقدمة لاحتلال العراق بالكامل على مرأى ومسمع من الجميع. وفي الحقيقة فإن النظام العربي قد لعب الدور الأساسي في احتلال العراق. وفي فترة حرب تموز 2006م التي شنتها القوات الإسرائيلية على لبنان انقسمت الأنظمة العربية مجددا حيث غابت أشكال التضامن مع المقاومة اللبنانية ما عدا بعض التصريحات الرنانة والجوفاء التي لا معنى لها. ولقد وصل الأمر ببعض الأنظمة العربية في المشرق العربي إلى تبرير العدوان الإسرائيلي على لبنان وتحميل حزب الله مغبة ونتائج ذلك العدوان. وفي السودان لم يحصل أن برز موقف عربي واضح ومحدد مما حدث ولا يزال يحدث في دارفور.
من المعروف أن القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لها أطماع مباشرة وإمبريالية في السودان. إن تقسيم هذا البلد هو برنامج هذه القوى حيث أن الرهان الأكبر لاستراتيجيات أمريكا يتمثل في فصل جنوب السودان عن شماله. ولكن النظام العربي ليس له موقف جدّي لضرب هذه الأطماع الأمريكية، أو التصدي لها بطرق دبلوماسية على الأقل. وفي الحقيقة فإن واقع النظام العربي مترهل ومنقسم على نحو دراماتيكي ولا يمكن بأي حال من الأحوال فهمه إلا على ضوء نكوص الحس الوطني، والقومي معا. ومن هنا فإن الانقسام الفلسطيني هو نتاج طبيعي مؤسف لهذا التشظي العربي العام.
بين عباس والمقاومة الفلسطينية:
يبدو واضحا أن الرئيس محمود عباس وجماعته والأنظمة العربية الموالية للمشروع الأمريكي في المنطقة العربية تريد مجتمعة أن تستقيل من القضية الفلسطينية بدعوى أن المفاوضات السلمية مع الكيان الصهيوني هي الحل. مما لا شك فيه أن هذا المحور يدرك تماما أن إسرائيل ترفض رفضا باتا الحل المؤسس على الشرعية الدولية ومقايضة الأرض بالسلام على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت بعد هزيمة 1967م. فإسرائيل تلعب منذ عودة الرئيس عرفات إلى الضفة الغربية ألاعيب شتى لإجهاض مشروع إعلان الدولة الفلسطينية.
رغم هذا الوضوح الكامل فإن محور المفاوضات السلمية الفارغة من أي محتوى لا يزال يجري وراء السراب، وينتظر أن يتحول المستحيل إلى واقع ملموس لصالح القضية الفلسطينية.
وهكذا، فإن الانقسام الفلسطيني هو في حد ذاته تعبير متكامل عن الشروخ الكبرى في الموقف العربي. ومن هنا، فإن اكتفاء الرئيس محمود عباس بالمواقف الشكلية الباردة من المجزرة في غزة هو حالة متطابقة مع مواقف عدد كبير من الدول العربية وعلى وجه الخصوص السعودية، ومصر، والأردن. إن هذا التطابق في الموقف بين جزء من الفصائل الفلسطينية وبين بعض الدول العربية يمثل وضعا عربيا انهزاميا بكل ما تعني كلمة الانهزام من معان ودلالات.
انتظار أوباما:
هل توجد مبررات موضوعية لانتظار انسحاب الرئيس جورج بوش من البيت الأبيض ودخول باراك أوباما إليه؟ ألم يقل أوباما بوضوح أثناء حملته الانتخابية بأن القدس هي عاصمة للدولة اليهودية، وأن عودة اللاجئين من رابع المستحيلات؟ ألم تصرح وزيرة خارجية أمريكا القادمة السيدة كلينتون بأنها لن تحاور المقاومة الفلسطينية بشكل قاطع؟ كما هو واضح فإن الموقف الأمريكي لن يتغير تجاه فلسطين جوهريا. ولذلك فإن انتظار الرئيس عباس وجماعته بمعية بعض الدول العربية هو مضيعة للوقت وضحك على الذقون.
حرب القمم:
ما معنى هذا التطاحن العربي حول تفريخ القمم في أسبوع. القمة الاقتصادية العربية في الكويت، وأخرى يدعى إليها لكي تنعقد في الدوحة، وقمة مفاجئة لدول مجلس التعاون الخليجي؟
إن هذا التعدد في القمم دليل آخر على تناقض جذري في الموقف العربي. ثم هل ينتظر أحد أية مواقف جدية من هذه القمم التي فشلت قبل أن تنعقد؟ مما لا شك فيه أن المطلوب عربيا هو سلسلة من الإجراءات العملية وبدون ذلك لا معنى لهذه القمم. فالإجراء الأول هو مطالبة الدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بقطع هذه العلاقات بشجاعة. أما الإجراء الثاني فهو الانسحاب الجماعي من منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها احتجاجا على السيطرة الأمريكية والإسرائيلية على مواقفها الهزيلة.
أما الإجراء الثوري فهو دعوة مصر إلى اختيار تاريخها النضالي وفتح معبر رفح ودعم المقاومة الفلسطينية على اساس وفاق عربي، وبرنامج تحرري واحد وموحد. إن هذه الإجراءات هي القادرة على صياغة عهد جديد للموقف العربي، وبدون تحققها وتجسدها، سوف يستمر العبث الإسرائيلي، وسوف يتواصل التآمر الأمريكي على القضية الفلسطينية سواء في عهد بوش أو في عهد باراك أوباما.
وعود إسرائيل:
إن المقترح المصري الذي يدعو المقاومة في غزة إلى القبول بالهدنة لمدة 15 سنة ملغم وخطير جدا. إن مدة هذه الهدنة تعني شيئا واحدا وبوضوح كامل وهو عدم قبول إسرائيل الضمني بالاستقلال الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية طوال هذه المدة الطويلة. فإسرائيل لم تقل بأنها تريد هدنة من أجل التفاوض في إطار جدول زمني محدد لإنهاء احتلالها لفلسطين، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، بل إنها تخطط لخلق وقائع جديدة لإنهاء المشروع التحرري الفلسطيني.
ومن هنا، فإن الهرولات العربية سواء على مستوى انعقاد القمم، أو في أروقة الأمم المتحدة ومجلس أمنها هي مجرد سراب.