ماذا فعل ذلك الطفل؟*************
محمد الصالح مجيّد: أيّ ذنب اقترفه محمد "الطفولة" و"البراءة" فكان عقابه الموت؟ ماذا جنت يداه كي يكتب صاروخٌ نهايته وهو الذي لم يرفع القلم بعد لخطّ كلمته الأولى في سِفْر الحياة الحزين؟ هل نزل من بطن أمّه يحمل رشّاشا؟ هل كان مشدودا إليها بحزام ناسف أم أنّ عرّافة/جرّافة إسرائيليّة، في غرفة مهجورة قذرة، تنبأت بميلاد ثائر جديد يلمع من عينيه..؟ هل كانت بسمته البريئة وهو يستقبل حياته الجديدة المتورّطة في الموت والدّمار نسخة مُطوّرة من صواريخ "القسّام"؟...
ها هو محمّد جديد، في غفلة من كبريائنا الواهية، وضمائرنا التي بعناها للوهم، يفارق حضن أمّ لم يشبع من ضمّها بعد، وينضاف إلى سجلّ الموعودين بالموت في الأرحام، مخترقا جدار الصّمت الذي عشّش فينا من الرّأس إلى القدمين... قدر هذا الشّعب الذي رسمه الطّغاة بجبروتهم، وعبّد طريقه عرب النّكبة والنّكسة والقمم الجوفاء، أن يكون على موعد مع الموت من صرخة المجيء إلى ظلمة القبر الأخير...
ينتظره، في كلّ صباح وعند المساء، أن ينزل مع الماء من الحنفيّة، أو أن يُدسّ له في عجين الخبز الصباحيّ... يتعقّبه في الحافلة.. في الحقل.. في المدرسة.. في الكنائس.. في المساجد وفي يقظته ومنامه... أينما ولّى وجهه- هروبا من طبخة تهجيره وتوطينه وتشريده- فثمّة أصناف متنوّعة من موت لذيذ له أن يختار أشهاها...
في كلّ أرض يولد النّاس كي يحيوا، ويولد الفلسطينيّون للكفن.. محكوم عليهم أن يموتوا في الملاجئ وفي المنافي وفي سجون وطنهم... دورهم أن يزيّنوا مشهد الحقد والغطرسة بدمائهم... حياتهم- في شبه وطن- صفقة وموتهم صدفة... يستوي في المصير المحتوم الصغير والكبير، والرّاضي المستكين، والرّافض..
محمّد "الموؤود" رسالة مضمونة الوصول واضحة المعالم إلى قمّة الآمال الموؤودة... اجتمعوا أو لا تجتمعوا.. إنّا هاهنا ميّتون، الآن أو غدا، غرقا في بترولكم الوسخ أو اختناقا بوعودكم الكاذبة أو احتراقا بقراراتكم الباردة... فكلَّ "جامعة" وأنتم عرب وكلَّ "عرب" وأنتم مجتمعون..