التقديم والتأخير في النحو العربي
-
تمهيد:
إنّ التّرابط المحكم في الكلام ووضع كلّ كلمة في موضعها اللآئق في الجملة من أهمّ مقوّمات البلاغة والبيان، وكثير من الكلمات لو قدّمتها أو أخّرتها عن موضعها لفسد عليك المعنى الذي تريده أو ضاع جماله ورونقه أو أخليت من بعض أساسيّات التّعبير العربي الفصيح، لذلك كان لكلّ كلمة موضعها من الجملة متقدّمة كانت أو متأخّرة. كذلك أنّ الأصل في الكلام أنّه ينقسم إلى جمل، والجمل بدورها تنقسم إلى جمل إسميّة، وفعليّة. والأصل في الجملة أن تكون مرتّبة العناصر فيرد المبتدأ أوّلا ثم الخبر في الجملة الإسميّة كقولنا: " الطّقس جميل ". ويرد الفعل ثمّ الفاعل أو نائب الفاعل حسب طبيعة الفعل ثمّ مكمّلات الجملة من مفعولات مختلفة أو توابع كالعطف والبدل..إلخ كقولنا: " شرح الأستاذ الدّرس ". " نزل المطر نزولاغزيرا "...إلخ
مفهوم التقديم والتأخير
يراد بالتقديم والتأخير أن تخالف عناصر التركيب ترتيبها الأصليّ في السياق فيتقدَّم ما الأصل فيه أن يتأخَّر ويتأخَّر ما الأصل فيه أن يتقدَّم
.
والحاكم للترتيب الأصليّ بين عنصرين يختلف إذا كان الترتيب لازمًا أو غير لازم ، فهو في الترتيب اللازم ( الرتبة المحفوظة ) حاكمٌ صناعيٌّ نحويّ ، أمَّا في غير اللازم ( الرتبة غير المحفوظة ) فيكاد يكون شيئًا غير محدَّد ، ولكن توجد بعض الأسباب العامَّة الَّتي قد تفسِّر الترتيب الأصليّ – بنوعيه - بين عنصرين ، وهي مختلفة في اعتباراتها ، فمنها ما اعتباره معنويّ ، ومنها ما اعتباره لفظيّ ، أو منطقيّ ، أو صناعيّ ، ومن أهمّ هذه الأسباب
:
1- أن تكون العلاقة بين العنصرين علاقة المحكوم عليه بالحكم ، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم المحكوم عليه ويتأخَّر الحكم ، كتقدُّم المبتدإ على الخبر .
2- أن تكون العلاقة بينهما علاقة العامل بالمعمول ، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم العامل ويتأخَّر المعمول ، كتقدُّم الفعل على المفعول .
3- أن تكون العلاقة بينهما علاقة المقدِّمة بالنتيجة ، فمقتضى الأصل أن تتقدَّم المقدِّمة وتتأخَّر النتيجة ، كتقدُّم فعل الشرط على جواب الشرط .
4- أن تكون العلاقة بينهما علاقة الكلِّ بالجزء المقتطَع منه ، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم الكلُّ ويتأخَّر الجزء ، كتقدُّم المُستثنى منه على المُستثنى .
5- أن يكون تقدُّم عنصرٍ ضروريًّا لحفظ تقسـيمٍ معلوم من اللغة بالضرورة ، كتقدُّم الفعل على الفاعل ؛ لما عُلم من وجود جملة فعليَّة تقف جنبًا إلى جنب مع الجملة الاسميَّة مكوِّنةً معها أساسًا ثنائيًّا لورود الجمل .
وللتقديم والتأخير علَّة هي الرتبة ، فالرتبة مبدأٌ نحـويٌّ لولاه لم يكن ثَمَّ تقديمٌ ولا تأخير ، فما الرتبة ؟ وما أنواعها ؟
الرتبة قرينةٌ نحويَّةٌ من قرائن المعنى ، يمكن تعريفها بأنَّها جزءٌ من النظام النحويِّ " يحدِّد موقع الكلمة من بناء الجملة " ويفرض لكلمتين بينهما ارتباط أن تأتي إحداهما أوَّلاً والأخرى ثانيًا ، ويمتنع العكس إذا كانت الرتبة محفوظة ، أمَّا إذا كانت الرتبة غير محفوظة فيجوز أن تتقدَّم إحدى الكلمتين في تعبيرٍ وتتأخَّر في تعبيرٍ آخر من غير اتِّصاف أحد التعبيرين بالخطأ النحويِّ
.
وهناك تجاذبٌ بين الرتبة والإعراب ، فالرتبة في اللغات غير الإعرابيَّة تُحدِّد الوظيفة التركيبيَّة لأجزاء الجملة ، أمَّا في اللغات الإعرابيَّة فتظهر مرونة الرتبة وإتاحتها حرِّيَّة الحركة لتلك الأجـزاء ؛بسـبب تكفُّل الإعـراب بتحديد الوظيفة التركيبيَّة لها ، فإذا خفي الإعراب انتفى ذلك ووجب الالتزام بالرتبة
.
والفرق بين الرتبة المحفوظة وغير المحفوظة أنَّ الترتيب السياقيَّ للكلمات في حالة الرتبة المحفوظة يُراعى في نظام اللغة وفي الاستعمال ، ولا يقع خلافه إلاَّ موصوفًا بالخطأ النحويِّ ، أمَّا في حالة الرتبة غير المحفوظة فترتيب الكلمات في السياق أصلٌ افتراضيٌّ اتَّخذه النظام النحويُّ ، وقد يُحتِّم الاستعمال – حسب المقام والغرض – خلافه بتقديم المتأخِّر
.
ويُوصَف العنصر المتقدِّم في الرتبة المحفوظة بأنَّه متقدِّم وجوبًا - ومن ذلك تقدُّم الموصـول على الصلة ، والموصـوف على الصـفة ، وحرف الجرِّ على المجرور ، وغيرها– أمَّا في الرتبة غير المحفوظـة – كالَّتي بين المبتدإ والخبر ، والفاعل والمفعـول به ، والضمير والمرجع ، وغير ذلك – فالتقديم والتأخير اختيارٌ أسـلوبيٌّ جائزٌ للمتكلِّم بحسـب ما يعبِّر عن غرضه ويُفهِم معناه المقصود
.
وقد يُلغى هذا الاخـتيار وتُحـفَظ الرتبة ؛ إمَّا لاتِّقاء لبس ، كما في ( ضرب موسى عيسى ) ، أو لاتِّقاء مخالفة القاعدة ، كما في ( رأيتُكَ ) ، فانتقال الرتبة من دائرة الرتبة غير المحفوظة إلى دائرة الرتبة المحفوظة أمرٌ وارد
.
والفرق بين الرتبة المحفوظة والرتبة غير المحفوظة هو عينه الفرق بين الواجب والجائز في النحو ؛ فالتقديم في الرتبة المحفوظة حكمٌ تركيبيٌّ نحويٌّ صِرف لا مجال فيه لاختيار المتكلِّم ، فهو إمَّا جارٍ على القاعدة بحفظها ، أو مخالفٌ للقاعدة مخلٌّ بسلامة التركيب بإهماله لها ، أمَّا الرتبة غير المحفوظة فالتقديم فيها أمرٌ اختياريٌّ يمكِّن من التصرُّف في العبارة ؛ لأنَّه يصبح وسيلة أسلوبيَّة تُستجلب بها المعاني وتُقلَّب العبارة لتناسب مقتضى الحال ، ولهذا دار البحث البلاغيُّ في علم المعاني حول الرتبة غير المحفوظة
.
مخالفة الأصل فيهما
:
ينطلق الحـديث عن التقـديم والتأخير من منطلـق الرتبة الَّتي منها – كما أسلفت – رتبة محفوظة لا تُخالَف إلاَّ خطأً وانحرافًا عن النظام السياقيِّ ، ورتبة غير محفوظة قد تُراعَى وقد لا تُراعَى
.
والترتيب الَّذي جعله النظام النحويُّ أصلاً في الرتبة غير المحفوظة لا يُسأل عن علَّته في غالب الأحيان ، وإنَّما يُسأل عمَّا جاء على خلافه : لمَ خالف ؟ وما الغاية من الخلاف ؟
فالتقديم والتأخير نوعٌ من التصرُّف في التركيب والعدول عن أصل ترتيب عناصره لغاية بيانيَّة معنويَّة ، وهذا التصرُّف لا يكون اعتباطًا لغير علَّة وإلاَّ كان جورًا على التركيب ومعناه وإفسادًا للكلام بأسره
.
حاصل القول في ظاهرة التقديم والتأخير ( الجائز ) أنَّها تفتقر إلى أمور
:
الأوَّل :
تحديد الأصل في ترتيب عناصر التركيب
.
الثاني :
تحديد العدول عن الأصل في هذا الترتيب
.
الآخر :
البحث عن علَّة هذا العدول وتأثيره في المعنى والدلالة
.
أغراض التقديم
:
للتقديم أغراض متعدِّدة متنوِّعة ، يتعيَّن أحدها بحسب العنصر المقدَّم ، وبحسب المقامات والأحوال ، إلاَّ أنَّ الغرض الأوَّل من تقديم عنصرٍ ما هو كون ذكره أهمّ من ذكر باقي أجزاء الكلام ، والعناية به أكثر من العناية بذكر غيره ، وهو ما عبَّر عنه سيبويه بقوله في الفاعل والمفعول : " ... يقدِّمون الَّذي بيانه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى ، وإن كانا جميعًا يُهِمَّانهم ويعنيانهم " ، وجعله الإمام عبد القاهر قاعدةً للتقديم بقوله : " ... لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئًا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام " ، إلاَّ أنَّه أكَّد أنَّ الاقتصار على العناية والاهتمام لا يكفي لبيان سبب تقديم لفظٍ ما ، بل يجب أن يُفسَّر وجه العناية فيه وسبب أهمِّيَّته الَّتي جعلته يتقدَّم في حين تأخَّر غيره
.
وما دام القول بالعناية وحدها لا يكفي فقد ذكر العلماء من الأغراض ما يُعدُّ وجوهًا لهذه العناية ؛ ففيها تفسيرٌ لها وتعليل ، وليس فيها حجرٌ على غيرها من الأغراض ؛ فلكلِّ سياقٍ خواصُّه ، ولكلِّ تقديمٍ أسراره
.
وممَّا ذكروه من أغراض تقديم الخبر المفرد على المبتدإ
:
1- التخصيص ، كأن يقول أحد : زيد إمَّا قائم أو قاعد ، " فيردِّده بين القيام والقعود من غير أن يخصصه بأحدهما " ، فالردُّ عليه يكون بتقديم الخبر لتخصيص المبتدإ به ، فيقال : قائمٌ هو
2-
الافتخار ، نحو : " تميميٌّ أنا " ، فتقديم الخبر هنا " يُفهَم منه معنى لا يُفهَم بتأخيره " ، وهو الافتخار – أو غيره كالتخصيص في مقام آخر – فيجب التقديم مراعاةً للمعنى والغرض .
3- التفاؤل أو التشاؤم ، مثل : ناجحٌ زيدٌ ، ومقتولٌ إبراهيم .
ومن أغراض تقديم الخبر الظرف والجارّ والمجرور
:
1- الاختصاص ، نحو قول الله تعالى : ﴿ لَهُ الْمُلْكُ وَلَـهُ الْحَمْدُ ﴾ ، فالغرض من التقديم هنا بيان " اختصاص الملك والحمد بالله عزَّ وجلَّ " لا بغيره .
ويجب التنبيه هنا إلى أنَّ التقديم للاختصاص ليس مقصورًا على كون المقدَّم ظرفًا والمؤخَّر مبتدأ ؛ فقد " كاد أهل البيان يُطبقون على أنَّ تقديم المعمول يفيد الحصر ، سـواء كان مفعـولاً أو ظرفًا أو مجرورًا ، ولهذا قيل في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ : معناه : نخصُّك بالعبادة والاستعانة
" .
2- التنبيه من أوَّل الأمر على أنَّ الظرف خبرٌ لا نعت ، كما في قول الشاعر :
له هـممٌ لا منتهى لكبارها وهمَّته الصغرى أجلُّ من الدهر
فإنَّه " لو أخَّر فقال : هممٌ له ، لتُوُهِّم أنَّه صفة " ، فقدَّم الخبر للتنبيه وإزالة الوهم
.
ولتقديم المبتدإ على الفعل أغراض كثيرة ، منها
:
1- التخصيص بالخبر الفعليِّ ، نحو : أنا سعيتُ في حاجتك ؛ لإفادة الانفراد بالسعي وعدم الشركة فيه .
2- تحقيق الأمر وإزالة الشكِّ ، نحو : هو يعطي الجزيل ، فليس الغرض هنا ادِّعاء اختصـاصه بذلك دون غيره ، وإنَّما الغرض تأكيد المعنى في نفس السامع .
3- تعجيل مسـرَّة السامع أو مسـاءته ، نحو : خليلك عاد من السفر ، ونحو : الكئيب يزورك اليوم .
وغير ذلك من الأغراض ممَّا سيأتي مفصَّلاً في موضعه
.
قيمة التقديم والتأخير
:
ظاهرة التقديم والتأخير – شـأن الظواهر السـياقيَّة الأخرى كالحذف والزيادة وغيرها – مظهرٌ من مظاهر شجاعة العربيَّة ؛ ففيها إقدام على مخالفة لقرينة من قرائن المعنى من غير خشـية لبس ، اعتمادًا على قرائن أخرى ، ووصولاً بالعبارة إلى دلالاتٍ وفوائد تجعلها عبارةً راقيةً ذات رونقٍ وجمال
.
والقيمة البيانيَّة للتقديم والتأخير مرتبطةٌ بالجائز منه ، ومرهونةٌ بحسن استعماله على وفق مقتضى الحال ، والوعي باستعماله في موضعه ، وإلاَّ كان عبثًا لا قيمة له ولا فائدة بل ربَّما يؤدِّي إلى إفساد المعنى
.
والأغراض الَّتي تتفتَّق عنها ظاهـرة التقديم تبيِّن ثراءها وكثرة فوائـدها ، وكونها منبعًا ثرًّا لرقيِّ الأساليب وارتفاعها في البيان
.
فلا عجب حين نرى احتفاء الإمام عبد القاهر الجرجاني بهذه الظاهرة في قوله عن بابها : " هو بابٌ كثير الفوائد ، جمُّ المحاسن ، واسع التصرُّف ، بعيد الغاية ، لا يزال يفترُّ لك عن بديعة ، ويفضي بك إلى لطيفة ، ولا تزال ترى شعرًا يروقك مسمعُه ، ويَلطُف لديك موقعُه ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن قُدِّم فيه شيءٌ وحُوِّل اللفظ عن مكان إلى مكان
"
أسباب التّقديم والتّأخير
:
إنّ للتّقديم والتّأخير أسباباً كثيرة وقد كان القرآن المثل الذي يتطلّع إليه أهل الصّناعة الأدبيّة والبيانيّة ليهتدوا إلى أفضل السّبل لتجميل الكلام والأحاديث ومن هذه الأسباب:
ـ أن يكون الأصل في الكلمة التّقديم ولا يجوز العدول عن ذلك.
ـ أن يكون في التّأخير إخلال في المعنى فيقدّم لتفادي ذلك.
ـ أن يكون في التّأخير إخلال في التّناسب فيقدّم لمشاكلة الكلام ومراعاة الفاصلة.
ـ يقدّم الكلام لعظمته والإهتمام به.
ـ قد يكون التّقديم لإرادة التّعجّب من المذكور أو تحقيره.
ـ قد يراد به الإختصاص فتتقدّم مكمّلات الكلام.
ـ قد يراد به االتّشريف فيقدّم الأشرف على غيره.
وقبل الحديث عن هذه الأسباب مفصّلة، تجدر بنا الإشارة إلى طبيعة قواعد اللّغة العربيّة وتركيبة مكوّنات الجمل الإسميّ منها أو الفعليّة حيث نجد أنّه قد يتقدّم المفعول به في الجملة الفعليّة على الفاعل وجوبا أو جوازا، كما يتقدّم على الفعل والفاعل معاً وجوبا أوجوازا. كما يجوز أن يتقدّم الخبر على المبتدأ وذلك لأسباب نحويّة بحثة. كما تتعرّض الجملة الإسميّة أو الفعليّة إلى التّقديم والتّأخير وهذا لأسباب بلاغيّة مختلفة. وسنتعرّض لهذه الأسباب ونحاول تسليط الضّوء عليها ونبسّطها وهي على النّحو التّالي.
ـ الأسباب النّحويّة.
1. الجملة الإسميّة:
يتقدّم الخبر على المبتدأ وجوبا في أربعة مواضع هي.
ـ إذا كان الخبر من الألفاظ التي لها الصّدارة مثل: "أين أستاذك؟ متى الرّجوع ؟ كيف الحال ؟ "
ـ إذا كان الخبر مقصورا على المبتدأ مثل: " ما مجيب الدّعوات إلاّ ربّي ".
ـ إذا كان الخبر شبه جملة والمبتدأ نكرة لا مسوّغ لها مثل: " عندك إخلاصٌ، للجار حرمةٌ ".
ـ إذا عاد على الخبر ضمير في المبتدأ مثل: " للمجتهدِ جزاء عمله. في المدرسة تلاميذها ".
يجوز أيضا أن يتقدّم الخبر على المبتدأ: إذا أعرب مخصوص نعم أوبئس مبتدأ، والجملة قبله خبر مثل: " نِعْمَتِ العودةُ عوعتنا إلى ذلك الكتابِ ". فيجوز إعراب لفظ عودتنا مبتدأ والجملة قبله خبر مع صحّة تأخير الخبر فنقول عودتنا إلى ذلك الكتاب نِعْمَتِ العودة.
2. الجملة الفعليّة:
يتقدّم المفعول على الفاعل وجوبا في مواضع ثلاث هي:
1. إذا كان الفاعل محصورا بإنّما مثل: إنّما هذب النّاسَ الدّينُ القويمُ. أو أن يكون محصورا بإلاّ مثل: ما هذّب النّاسَ إلاّ الدّينُ القويمُ.
2. إذا كان المفعول ضميرا متّصلا، والفاعل اسماً ظاهرا مثل: كافأني والدي.
3. إذا اتّصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول مثل: أحبّ التّلميذَ أستاذُهُ. علّم أحمدَ أختُهُ.
كما يتقدّم المفعول على الفاعل جوازا عند وجود قرينةمعنويّة مثل: فهم الدّرسَ موسى. أضْنَتْ ليلَى الحمّى. أو عند وجود قرينة لفظيّة مثل: " علّم موسى عيسى " و " ضرب التلميذَ الأستاذُ ".
كما يتقدّم المفعول على الفعل والفاعل معا وجوبا في مواضع ثلاث هي:
1. إذا كان المفعول من أسماء الصّدارة مثل: " أيَّ كلامٍ تتكلّم ؟ ". و" من رأيتَ ؟ ". و" كم من متحف زرت ؟ ".
2. إذا كان المفعول به ضميرا منفصلا مرادا به التخصيص مثل: " إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين ".
3. إذا وقع فعل المفعول به بعد فاء الجزاء، وليس للفعل مفعول آخر مقدّم مثل قوله تعالى:" فأمّا اليتيم فلا تقهر". وقوله أيضا: " وربّك فكبِّرْ ".
ـ الأسباب البلاغيّة:
قد تتقدّم تلك العناصر السّالفة الذّكر على بعضها وذلك لأداء المعنى ومنها:
1. القصروالتخصيص:
ويقصد به قصر صفة على موصوف لتحديده وإبرازه كقوله تعالى: " كذلك إنّما يخشى اللّهَ من عباده العلماءُ ". فقد تقدّم المفعول به " اللهَ " على الفاعل "العلماءُ " وهذا قصد إبرازه وتخصيصه.
2. التخصيص:
وهو تخصيص شيء بشيء عن طريق مخصوص، أو نقول أيضا: إذا كان المفعول به ضميرا منفصلا أُريد به التّخصيص وقد مرّ بنا في الأسباب النّحويّة مثل: " إياك نعبد ". فقد تقدّم المفعول به " الضّمير" جوازا على الفاعل حتّى نخصّص العبادة ونحدّدها في الله وحده لاغير. وقوله أيضا: " ولله ما في السّماوات وما في الأرض". تقدّم الخبر على المبتدأ لأنّه جاء شبه جملة جار ومجرور في قوله " لله ".
3. الإهتمام بأمر المتقدّم:
ـ إذا كان المتقدّم " المفعول به" أو" الخبر" محطّ التّعجّب مثل قول الشّاعر:
تعبٌ كلّها الحياةُ فما أعجبُ إلاّ من راغب في ازدياد.
فقد تقدّم الخبر " تعبٌ " على المبتدأ " الحياةُ " لأنّ الخبر محطّ الإعجاب.
ـ أو كان المتقدّم " المفعول به" أو " الخبر" محطّ الإنكار كقوله تعالى: " أغيرَ الله تدعون".
فقد تقدّم المفعول به " غيرَ " على الفاعل لأنّه كان محطّ اللإنكار.
4. التّعجيل بذكر الفرحة أو السّيئة:
كقول الفائز: " البكالورياَ نلتُ ". فقد تقدّم المفعول به على الفعل والفاعل جوازا وذلك قصد التّعجيل بذكز الفرحة والمسرّة التي غمرت القلب.
وفي قولنا: " الطّردَ حكمَ المجلسُ". فقد تقدّم المفعول به على الفعل والفاعل جوازا قصد إبراز الحالة النّفسيّة السّيئة.
5. الحفاظ على النّغم الموسيقي ونظم الكلام:
كقوله تعالى: " خذوه فغلّوه، ثمّ الجحيم صَلّوه ".
فقد تأخّر المفعول به " الجحيم " للحفاظ على النّغم الموسيقيّ.
6. التّشويق:
ونعني به تقديم ما تحبّه النّفس ومنه قوله تعالى: " وإذا الجنة أزلفت ".
7. التهويل:
وهو تقديم ما يسوء النّفس ويفزعها كقول الرّصافي في وصف أرملة:
الموت أفجعها والفقر أوجعها والهمُّ أنْحَلَهَا والغمُّ أَضْنَاهَا.
8. تقوية الحكم وتقريره:
وذلك من خلال السّؤال عن الفاعل وليس عن الفعل كقوله تعالى: " وإذ قال الله ياعيسى بن مريم: أأنت قلت للنّاس اتّخدوني وأمّي إلهين من دون الله ؟ ".
فقد كان السّؤال عن الفاعل وليس عن الفعل لذلك تقدّم الضّمير المنفصل "أنت" وهو الفاعل ممّا أكسب المعنى حكم القوّة والتّقرير.