أخرج أبو نعيم في "الحلية" و ابن الأنباري في "المصاحف" والمرهبي في "العلم" و غيرهم قال سيدنا علي رضي الله عنه: (القلوب أوعية فخيرها أوعاها, احفظ ما أقول لك, الناس ثلاث: فعالم ربّانيٌّ, و متعلّم على سبيل نجاة, و همج رعاع أتباع كلّ ناعق, يميلون مع كلّ ريح, لم يستفيئوا بنور العلم, و لم يلتجأوا إلى ركن وثيق...)اهـ
فأسأل الله أن يحفظنا وجميع المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أمّا بعد,
أراك انتقلت من تقليد و عصبية, بحسب ما فهمت من كلامك الآتي, لأهل السنة إلى تقليد و عصبية للسلفية.
وهذا كلامك:"وكنت أنافح وأجادل عن هؤلاء في المجالس وعن أفكارهم
ووالله إن الحسرة لتعصر قلبي حين أتذكر أني كنت أفعل ذلك في يوم من الأيام"
و لهذا يحرص علماء أهل السنّة في العقيدة على تعلّم الدليل و لو جمليا
قال صاحب جوهرة التوحيد:
إذ كلّ من قلّد في التوحيد:::::: إيمانه لم يخل من ترديد
فإن كنت تعرف عقيدة أهل السنة الأشاعرة و منهجهم ما نقلت الكلام الآتي الردّ عليه لأن فيه تزويرا و تحريفا ظاهرا لا يخفى على كلّ ذي بصيرة من عقيدته.
من الأدلة على أنّك كنت مقلدا نقلك هذا الكلام (الشبه)
الشبهة الأولى:
فأول هذه الأصول ( مصدر التلقي ) : فعند الأشاعرة هو العقل .
قال السنوسي في " شرح الكبرى " : ( وأصول الكفر ستة . والسادس التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية ) . وانظر " أساس التقديس " للرازي ، و " الشامل " للجويني وغيره.
الردّ:
كما هو عادة المبطلين يحرّفون النصوص أو ينقلون ما يهوون ويتركون باقي الكلام و حسبنا الله ونعم الوكيل.
هذا نص الشيخ السنوسي رحمه الله: (والسادس التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية.)
و كلام الشيخ واضح و لكن نزيده وضوحا لقوم ثَقُل فهمهم:
ما هي القواطع الشرعية؟ أليست الكتاب والسنّة. فلماذا حذفها الذي نقلت عنه؟
فهل هذا أمين حتى يؤخذ عنه الدين أو يُؤخذ عن أمثاله؟
قال محمد بن سيرين: (إنّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم). رواه مسلم
أولا: الشيخ مقر بالكتاب والسنّة .
ثانيا: الشيخ مقرّ بما فيهما.
ثالثا: ظواهر الكتاب و السنة في المتشابه تعرض على البراهين العقلية و القواطع الشرعية مثل قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
فمن أين فهم كاتب الشبهة من كلام الشيخ أنّ مصدر التلقي عند الأشاعرة العقل؟؟
[ فتح البارى- البخارى] كتاب العلم: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا").اهـ
....وفى هذا الحديث الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هى الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم. واستدل به الجمهور على القول بخلو الزمان عن مجتهد، ولله الأمر يفعل ما يشاء.) اهـ
قال خادم الحديث الشريف , أبو محمد يوسف, فريد الباجي في كتابه "الفيض السديد شرح جوهرة التوحيد" ص 52:
( اعلم حفظك الله تعالى أنّه يجب على من أراد الخوض في هذا العلم و لو على سبيل الإجمال, أن عرف قواعد ضرورية مطّردة متفقا عليها عند جميع العقلاء من جميع البشر ليتسنّى له معرفة الله تعالى بالعقل توكيدا للشرع, و يسهل دفع شُبهات من يدّعي العقل و يخالف الحقّ.) اهـ
أذكر مثالا على تلك القواعد: الأثر يدل على المؤثر. فالمؤمن و الكافر يقرّ بهذه القاعدة, و لا يُنكرها إلاّ من لا عقل له.
و بعد أسطر: ( و أمّا عندنا أهل السنة فالحسن ما حسّنه الشرع و إن قبّحه العقل, و إنّ القبيح ما قبّحه الشرع و إن حسنّه العقل, و الشرع و النقل الصحيح من الكتاب والسنة مُقدَّم على العقل في أصول الدِّين و فروعه و إن كانا لا يتعارضان في نفس الأمر.) اهـ
أصول الدّين: و يسمى علم العقيدة, علم التوحيد, علم الإيمان, علم الكلام, الفقه الأكبر.
فمصدر التلقي عند أهل السنّة الأشاعرة النقل الصحيح من الكتاب والسنة.
و إن وافقت السلفية أهل السنّة ( الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث) في هذه المسألة فلا يدل هذا على أنّهم على حقّ في باقي المسائل.
وصلى الله و سلّم على سيدنا محمد سيد الكونين والثّقلين و على آله وصحبه وحزبه.