قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
(( فأمَّا قصدُ الصلاة في تلك البقاع التي صلَّى فيها اتفاقاً، فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حُجَّاجاً وعُمَّاراً ومسافرين، ولَم يُنقل عن أحد منهم أنَّه تحرَّى الصلاة في مصلَّيات النَّبيِّ (r)
ومعلوم أنَّ هذا لو كان عندهم مستحبًّا لكانوا إليه أسبقَ؛ فإنَّهم أعلمُ بسنَّته وأتبعُ لها من غيرهم، وقد قال (r):
(عليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ
وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة)
وتَحرِّي هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مِمَّا ابتُدع، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟!
أيضاً فإنَّ تحرِّي الصلاة فيها ذريعةٌ إلى اتِّخاذها مساجد، والتشبُّه بأهل الكتاب مِمَّا نُهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارعُ قد حسَم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، فإذا كان قد نهي عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سدًّا للذريعة، فكيف يُستحبُّ قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه، أو صلاتهم فيه، من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟! )).
"اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" (2/278 ـ 279)