أذل العلماء، وهجر العقول، وجعل المال والسلطة هي الحكم بين الناس، الضعيف فيهم لا حق له، سخر من الدين وأهله، وباع الأرض والعرض، وجعل المصريين أضحوكة العالم، فتجرأ عليهم الناس، وسمح لكل قبيح أن يعلو ويظهر، واضطهد كل جميل يدعو لمكارم الأخلاق، لم يرحم أحد، ولم يرق قلبه لأحد، شبع والناس جوعى، وعاش والناس موتى، وسلم وفقد الناس الأمان، جمع المال والناس فقراء يشكون لله مرارة العيش، لم تتحرك فيه شعرة لنصرة مظلوم وهو الحاكم، ولم يغضب لقتل مسالم وهو صاحب السلطة، ولم يعترض على سجن بريء وقد أطلق اللصوص والقتلة والمجرمين أحرارا، كلما اشتد ظلم إنسان ارتفعت أسهمه عنده وأسند إليه المناصب، قرب إليه الظالمين وأبعد المخلصين الشرفاء، اغتر بقوة نظامه وبطشه وتنكيله بالناس ونسي أن الله هو القوي العزيز، حتى الفن في عهده لم يكن إلا فسقا وفجورا وانحطاطا وإباحية، فسد في عهده كل شي، كل شيء، التعليم والصحة والفن والأدب والصحافة والإعلام والأمن والسياسة والاقتصاد والأخلاق، ضاق الناس من كل شيء، وأصابهم اليأس والمرض، ما ترك سوءا إلا وجلبه لمصر، إن أسوأ حقبة في تاريخ مصر الحديث هي فترة حكمه، وسنظل نعاني منها كثيرا، إن حسني مبارك يا سادة ليس عزيز قوم ذل، إن الظالم الفاسد الفاجر هو الذليل الحقير وإن كان حاكما، ولن تخدعنا تلك الأقاويل التافهة، إن العز لا يكون إلا في طاعة الله، لا يكون إلا في العدل والخير والصلاح، ولا يكون عزيزا يستحق الرحمة إن ذل أو لم يذل إلا من كان نافعا للناس، عادلا إذا حكم، كريما إذا أعطى، رحيما بكل ضعيف، يفزع للمظلوم فينصره، وللمجروح فيداويه، يأخذ على يد الظالم حتى يرده عن ظلمه، ويعاقب الفاسد، ويحترم الدين وأهله، ويجل العلم والعلماء، هذا هو العزيز، أما مبارك فليس بعزيز يا سادة، ولو كان فيه خير لنفع نفسه وطلب من الله المغفرة، ولكن كل إناء بالذي فيه ينضح، وقد مليء مبارك ظلما وضلالا وكبرا إلى مُشاشه، ولن يجد في نفسه اليوم ما ينفعه، فكفوا عن هذا الكلام، فإن الذي يستحق الرحمة هو هذا الشعب الذي عانى عشرات السنين من الظلم والاضطهاد والوحشية، هذا الشعب الذي استشهد منه الكثير وفقد الكثير من الأمهات فيه أبناءهن، انه الشعب الذي استضعفه الظالم أكثر من ثلاثين عاما، لهو اليوم الذي يستحق أن يعيش مرفوع الرأس كريما عزيزا، وهو الذي يستحق الرحمة بحق، وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد أرسل الله رسائل تحذيرية كثيرة لمبارك وعصابته، ولكنهم لم يستوعبوا الدرس، يقول الحجاج لعجوز، والله لأقتلن ابنك، قالت لو لم تقتله مات، وهذا من ذكاء العجوز، ولكن الطغاة لا يفهمون الرموز، هؤلاء الطغاة الذين استذلهم الشيطان فعبدوا أنفسهم وعبدوا السلطة والمال والهوى، وشاء الله أن يجعل كل طاغية ذليلا مهانا حقيرا حتى يكون عبرة للناس فيتعظوا، ولكن أكثر الناس لا يعلم