اطردِ المَلَلَ مِنْ حياتِكَ
إن مَنْ يعِشْ عمرَهُ على وتيرةٍ واحدة جديرٌ أن يصيَبهُ المللُ ؛ لأن النفس ملولةٌ ، فإنَّ الإنسانَ بطبعهِ يَمَلُّ الحالةَ الواحدةَ ؛ ولذلكَ غايَرَ سبحانَهُ وتعالى بين الأزمنةِ والأمكنةِ ، والمطعوماتِ والمشروباتِ ، والمخلوقاتِ ، ليلٌ ونهارٌ ، وسهلٌ وجَبَلٌ ، وأبيضُ وأسودُ ، وحارٌّ وباردٌ ، وظلٌّ وحَرُور ، وحُلْوٌ وحامضٌ ، وقدْ ذكر اللهُ هذا التنُّوعَ والاختلافَ في كتابِهِ : ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ ﴿صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ ﴿مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾ ﴿ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ .
وقد ملَّ بنو إسرائيل أجود الطعامِ ؛ لأنهمْ أداموا أكْله : ﴿لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ . وكان المأمونُ يقرأُ مرةً جالساً ، ومرةً قائماً ، ومرةً وهو يمشي ، ثم قال : النفسُ ملولةٌ ، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾ .
ومن يتأمَّلِ العباداتِ ، يَجِدْ التنوُّعَ والجدَّةَ ، فأعمالٌ قلبيَّةٌ وقوليةٌ وعمليةٌ وماليةٌ ، صلاةٌ وزكاةٌ وصومٌ وحجٌّ وجهادٌ ، والصلاةُ قيامٌ وركوعٌ وسجودٌ وجلوسٌ ، فمنْ أراد الارتياح والنشاط ومواصلةَ العطاءِ فعليهِ بالتنويعِ في عملِهِ ، واطلاعِهِ وحياتِهِ اليوميَّةِ ، فعندَ القراءةِ مثلاً ينوِّعُ الفنونَ ، ما بين قرآنٍ وتفسيرٍ وسيرةٍ وحديثٍ وفقهٍ وتاريخٍ وأدبٍ وثقافةٍ عامَّةٍ ، وهكذا ، يوزِّع وقته ما بين عبادةٍ وتناولِ مباحٍ ، وزيادةٍ واستقبالِ ضيوفٍ ، ورياضةٍ ونزهةٍ ، فسوفَ يجدُ نفسَهُ متوثِّبةً مشرقةً ؛ لأنها تحبُّ التنويعَ وتستملحُ الجديدَ .
*************************************
دعِ القَلَقَ
لا تحزنْ ، فإنَّ ربك يقولُ :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ : وهذا عامٌّ لكلِّ من حمَلَ الحقَّ وأبصرَ النورَ ، وسلَكَ الهُدَى .
﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ : إذاً فهناك حقٌّ يشرحُ الصدور ، وباطلٌ يقسِّيها .
﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾ : فهذا الدينُ غايةٌ لا يصلُ إليها إلا المسدَّد .
﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾ : يقولُها كلُّ منْ يتيقَّنَ رعاية اللهِ ، وولايته ولطفه ونصرَه.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ : كفايتُه تكفيك ، وولايتُه تحميك .
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ : وكلُّ منْ سلك هذهِ الجادَّة حصل على هذا الفوزِ .
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ : وما سواهُ فميِّتٌ غَيْرُ حيٍّ ، زائلٌ غَيْرُ باقٍ ، ذليلٌ وليس بعزيزٍ .
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ{127} إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ : فهذهِ معيتهُ الخاصةُ لأوليائِهِ بالحفظِ والرعايةِ والتأييدِ والولايةِ ، بحسبِ تقواهمْ وجهادِهمْ .
﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: علوّاً في العبوديةِ والمكانةِ .
﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ .
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ .
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ .
وهذا عهدٌ لنْ يخْلَفَ ، ووعدٌ لنْ يتأخَّرَ .
﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44}فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ .
﴿ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ .
لا تحزنْ وقدِّرْ أنكَ لا تعيشُ إلا يوماً واحداً فَحَسْبُ ، فلماذا تحزنُ في هذا اليومِ ، وتغضبُ وتثورُ ؟!
في الأثرِ : (( إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ )) .
والمعنى : أن تعيشَ في حدودِ يومِك فَحَسْبُ ، فلا تذكرِ الماضي ، ولا تقلقْ من المستقبلِ . قال الشاعرُ :
ما مضى فاتَ والمؤمَّل غَيْبٌ
ولك الساعةُ التي أنت فيها
إنَّ الاشتغالَ بالماضي ، وتذكُّرَ الماضي ، واجترار المصائبِ التي حدثتْ ومضتْ ، والكوارثَ التي انتهتْ ، إنما هو ضَرْبٌ من الحُمْقِ والجنونِ .
يقول المَثَلُ الصينيُّ : لا تعبرْ جِسْراً حتى تأتيَه .
ومعنى ذلك : لا تستعجلِ الحوادثَ وهمومَها وغمومَها حتى تعيشَها وتدركَها .
يقولُ أَحَدُ السلفِ : يا ابن آدمَ ، إنما أنتَ ثلاثةُ أيامٍ : أمسُكَ وقدْ ولَّى ، وغدُكَ ولمْ يأتِ ، ويومُك فاتقِّ اللهَ فيه .
كيف يعيشُ منْ يحملُ همومَ الماضي واليومِ والمستقبلِ ؟! كيف يرتاحُ منْ يتذكرُ ما صار وما جرى ؟! فيعيدهُ على ذاكرتِهِ ، ويتألمُ لهُ ، وألمُه لا ينفعُه ! .
ومعنى : (( إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ )): أيْ : أن تكونُ قصيرَ الأملِ ، تنتظرُ الأجَلَ ، وتُحْسِنُ العَمَلَ ، فلا تطمحْ بهمومك لغيرِ هذا اليومِ الذي تعيشُ فيه ، فتركّزَ جهودكَ عليه ، وتُرتِّبَ أعمالَكَ ، وتصبَّ اهتمامَك فيهِ ، محسِّناً خُلقَكَ مهتمّاً بصحتِك ، مصلحاً أخلاقَكَ مع الآخرين .
*************************************
وقفــةٌ
لا تحزنْ : لأنَّ القضاءَ مفروغٌ منهُ ، والمقدورُ واقعٌ ، والأقلامُ جَفَّتْ ، والصحفُ طُويتْ ، وكلُّ أمرٍ مستقرٌّ ، فحزنُك لا يقدِّمُ في الواقعِ شيئاً ولا يؤخِّرُ ، ولا يزيدُ ولا يُنقِصُ .
لا تحزنْ : لأنك بحزنِك تريدُ إيقافَ الزمنِ ، وحبسَ الشمسِ ، وإعادةَ عقاربِ الساعةِ ، والمشيَ إلى الخلفِ ، وردَّ النهرِ إلى منبعِهِ .
لا تحزنْ : لأنَّ الحزَنَ كالريحِ الهوْجاءِ تُفسدُ الهواءَ ، وتُبعثرُ الماءَ ، وتغيِّرُ السماءَ ، وتكسرُ الورودَ اليانعة في الحديقةِ الغنَّاءِ .
لا تحزنْ : لأنَّ المحزون كالنهرِ الأحمقِ ينحدرُ من البحرِ ويصبُّ في البحرِ ، وكالتي نقضتْ غزلها من بعدِ قوةٍ أنكاثاً ، وكالنافِخِ في قربةٍ مثقوبةٍ ، والكاتبِ بإصبعهِ على الماءِ .
لا تحزنْ : فإنَّ عمركَ الحقيقيَّ سعادتُك وراحةُ بالِك ، فلا تُنفقْ أيامكَ في الحزْنِ ، وتبذِّرْ لياليَك في الهمِّ ، وتوزِّع ساعاتِك على الغمومِ ولا تسرفْ في إضاعةِ حياتِك ، فإنَّ الله لا يحبُّ المسرفين .
******************************
لفرح بتوبة الله عليك
ألا يشرحُ صدركَ ، ويزيلُ همَّك وغمَّك ، ويجلبُ سعادتك قولُ ربِّك جلَّ في علاه : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ؟ فخاطَبَهُمْ بـ «يا عبادي» تأليفاً لقلوبِهِمْ ، وتأنيساً لأرواحِهِمْ ، وخصَّ الذين أسرفُوا ، لأنهمُ المكثرون من الذنوبِ والخطايا فكيف بغيرِهم ؟! ونهاهْم عنِ القنوطِ واليأسِ من المغفرةِ وأخبر أنه يغفرُ الذنوب كلَّها لمنْ تاب ، كبيرها وصغيرَها ، دقيقها وجليلَها . ثم وصفَ نفسه بالضمائرِ المؤكدةِ ، و «الـ » التعريفِ التي تقتضي كمال الصفةِ ، فقال : ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ .
ألا تسعدُ وتفرحُ بقولِهِ جلَّ في علاه : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ ؟!
وقولِهِ جلَّ في علاه : ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ ؟!
وقولِهِ : ﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً ﴾ ؟!
وقولِهِ عزَّ من قائلٍ : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ ؟!
وقولِهِ تعالى : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ ؟!
ولما قَتَلَ موسى عليه السلامُ نفساً قال : ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾.
وقال عن داودَ بعدما تاب وأناب : ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ .
سبحانَهُ ما أرحَمهُ وأكرمَهُ !! حتى إنه عرض رحمته ومغفرته لمنْ قالَ يلبتثليثِ ، فقال عنهم : ﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{73} أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .
ويقولُ فيما صحَّ عنهُ : (( يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرْتُ لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لوْ بلغتْ ذنوبُك عَنَانَ السماءِ ، ثمَّ استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي ، يا ابن آدم ، لو أتيتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً ، لأتيتُك بقرابِها مغفرةً )) .
وفي الصحيح عنهُ أنه قال : (( إنَّ الله يبسُطُ يدهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ ، ويبسُطُ يدهُ بالنهار ليتوب مسيءُ الليلِ ، حتى تطلعَ الشمسُ من مغربِها )) .
وفي الحديث القدسيِّ : (( يا عبادي ، إنكمْ تُذنبون بالليلِ والنهارِ ، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً ، فاستغفروني أغفرْ لكم )) .
وفي الحديثِ الصحيحِ : (( والذي نفسي بيدهِ ، لو لمْ تذنبُوا لذهبَ اللهُ بكمْ ولجاءَ بقومٍ آخرين يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفرُ لهم )) .
وفي حديثٍ صحيحٍ : (( والذي نفسي بيدهِ لو لمْ تذنبوا لَخِفْتُ عليكم ما هو أشدُّ من الذنبِ ، وهو العُجْبُ )) .
وفي الحديثِ الصحيح : (( كلُّكمْ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائين التوابون )) .
وصحَّ عنه أنه قالَ : (( للهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه من أحدكم كان على راحلتِهِ ، عليها طعامُهُ وشرابه ، فضلَّت منهُ في الصحراء ، فبحث عنها حتى أيِسَ ، فنام ثم استيقظ فإذا هي عند رأسِه ، فقال : اللهمَّ أنت عبدي ، وأنا ربُّكَ . أخطأ من شَّدةِ الفرحِ )) .
وصحَّ عنه أنه قالَ : (( إنَّ عبداً أذنب ذنباً فقال : اللهم اغفرْ لي ذنبي فإنهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت ، ثم أذنب ذنباً ، فقال : اللهمَّ اغفرْ لي ذنبي فإنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت ، ثم أذنب ذنباً ، فقال : اللهمَّ اغفرْ لي ذنبي فإنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ علِمَ عبدي أنَّ له ربّاً يأخذُ بالذنبِ، ويعفو عن الذنبِ ، فليفعلْ عبدي ما شاء)).
والمعنى : ما دام أنهُ يتوبُ ويستغفرُ ويندمُ ، فإني أغفرُ له .
***************************************
كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدَر
كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ ، وهذا معتقدُ أهلِ الإسلامِ ، أتباعِ رسولِ الهدى ؛ أنهُ لا يقعُ شيءٌ في الكونِ إلا بعلمِ اللهِ وبإذنِه وبتقديرِه .
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ .
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ .
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ .
وفي الحديثِ : (( عجباً لأمرِ المؤمنِ !! إنَّ أمرهَ كلَّه له خير ، إنْ أصابْتهُ سرَّاءُ شكر فكان خيراً له ، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ صبر فكان خيراً له ، وليسَ ذلك إلا للمؤمن )) .
وصحَّ عنه أنه قال : (( إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنت فاستعنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعُوا على أنْ ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ لك ِ ، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قدْ كتبهُ اللهُ عليكَ ، رُفعتِ الأقلامُ ، وجفَّتِ الصحفُ )) .
وفي الحديثِ الصحيح أيضاً : (( واعلمْ أن ما أصابك لم يكنع لِيخطئَك ، وما أخطأكَ لمْ يكن ليصيبَك )) .
وصحَّ عنه أنه قالَ : (( جفَّ القلمُ يا أبا هريرة بما أنت لاقٍ )) .
وصحَّ عنه أنهُ قالَ : (( احرصْ على ما ينفعُك ، واستعنُ باللهِ ولا تعجزْ ، ولا تقلْ : لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا ، ولكنْ قلْ : قدَّر اللهُ وما شاءَ فَعَلَ )) .
وفي حديثٍ صحيحٍ عنه : (( لا يقضي اللهُ قضاءً للعبدِ إلا كان خيراً له )) .
سُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عن المعصيةِ : هلْ هيَ خَيْرٌ للعبدِ ؟ قالَ : نعمْ بشرطِها من الندمِ والتوبةِ ، والاستغفارِ والانكسارِ .
وقولُه سبحانه : ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
هيَ المقاديرُ فلُمني أو فَذَرْ
تجري المقاديرُ على غرْزِ الإِبَرْ
*****************************************
انتظرِ الفرَجَ
في الحديثِ عند الترمذيِّ : « أفضلُ العبادةِ : انتظارُ الفَرَجِ » . ﴿ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ .
صُبْحُ المهمومين والمغمومين لاحَ ، فانظرْ إلى الصباحِ ، وارتقبِ الفَتْحَ من الفتَّاحِ .
تقولُ العربُ : « إذا اشتدَّ الحبلُ انقطع » .
والمعنى : إذا تأزَّمتِ الأمورُ ، فانتظرْ فرجاً ومخرجاً .
وقالَ سبحانَهُ وتعالى : ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ . وقالَ جلَّ شأنُه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ . ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ .
وقالت العَرَبُ :
الغَمَراتُ ثمَّ يَنْجلِينَّهْ
ثم يذهبْنَ ولا يجنَّهْ
وقال آخرُ :
كمْ فرجٍ بَعْدَ إياسٍ قد أتى
وكمْ سرورٍ قد أتى بَعْدَ الأسى
من يحسنِ الظنَّ بذي العرشِ جنى
حُلْوَ الجنَى الرائقَ من شَوْكِ السَّفا
وفي الحديثِ الصحيحِ : (( أنا عند ظنِّ عبدي بي ، فلْيظنَّ بي ما شاءَ )) .
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء ﴾ .
وقولهُ سبحانَهُ : ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾ .
قال بعضُ المفسرين – وبعضُهُم يجعلُهُ حديثاً - : (( لنْ يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن )) .
وقال سبحانهُ : ﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ .
وقالَ جلَّ اسمُه: ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ .﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وفي الحديثِ الصحيح : (( واعلمْ أنَّ النصْرَ مع الصَّبْرِ ، وأن الفَرَجَ مَعَ الكُرْبِ )) .
وقال الشاعرُ :
إذا تضايقَ أمرٌ فانتظرْ فَرَحاً
فأقربُ الأمرِ أدناهُ إلى الفَرجِ
وقال آخرُ :
سهرتْ أعينٌ ونامتْ عيونُ
في شؤونٍ تكونُ أو لا تكونُ
فدعِ الهمَّ ما استطعتَ فحِمْـ
ـلانُك الهمومَ جُنونُ
إن ربّاً كفاكَ ما كانَ بالأمـ
ـسِ سيكفيكَ في غدٍ ما يكونُ
وقال آخرُ :
دعِ المقاديرَ تجري في أعنَّتِها
ولا تنامنَّ إلا خالي البالِ
ما بينَ غمضةِ عيْنٍ وانتباهتِها
يغيّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ
************************************
وقفــة
لا تحزنْ : فإنَّ أموالك التي في خزانتِك وقصورَك السامقةَ ، وبساتينَك الخضراءَ ، مع الحزنِ والأسى واليأسِ : زيادةٌ في أسَفِكَ وهمِّكَ وغمِّكَ .
لا تحزنْ : فإنَّ عقاقير الأطباء ، ودواء الصيادلةِ ، ووصفةَ الطبيبِ لا تسعدُكَ ، وقدْ أسكنت الحزن قلبَك ، وفرشتَ له عينك ، وبسطتَ له جوانحَك ، وألحفتَه جلدَك .
لا تحزنْ : وأنت تملكُ الدعاءَ ، وتُجيدُ الانطراح على عتباتِ الربوبيةِ ، وتُحسنُ المسكنة على أبواب ملِكِ الملوكِ ، ومعكَ الثلثُ الأخيرُ من الليلِ ، ولديكَ ساعةُ تمريغ الجبينِ في السجودِ .
لا تحزنْ : فإنَّ الله خَلَقَ لكَ الأرض وما فيها ، وأنبت لك حدائقَ ذاتَ بهجةٍ ، وبساتين فيها من كلِّ زوجٍ بهيجٍ ، ونخلاً باسقاتٍ له طلعٌ نضيدٌ ، ونجوماً لامعاتٍ ، وخمائل وجداول ، ولكنَّك تحزن !!
لا تحزنْ : فأنت تشربُ الماء الزلال ، وتستنشقُ الهواء الطَّلْق ، وتمشي على قدميْك معافى ، وتنام ليلكَ آمناً .
***************************************
أكثِرْ من الاستغفارِ
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾ .
فأكثر من الاستغفارِ ، لترى الفرَحَ وراحةَ البالِ ، والرزق الحلالِ ، والذرية الصالحةَ ، والغيثَ الغزيرَ .
﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ .
وفي الحديثِ : (( من أكثر منَ الاستغفارِ جعلَ اللهُ لهُ منْ كلِّ همٍّ فَرَجاً ، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً )) .
وعليكَ بسيّدِ الاستغفار ، الحديثُ الذي في البخاري : (( اللهمَّ أنت ربي لا إلهَ إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدُك ، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعتُ ، أبوءُ لكَ بنعمتِك عليَّ ، وأبوءُ بذنبي فاغفِرْ لي ، فإنهُ لا يغفرُ الذنوب إلا أنت)).
**********************************
عليكَ بذكرِ اللهِ دائماً
قال َ سبحانه : ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ . وقال : ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ . وقال : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً{41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ . وقال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ . وقال : ﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ . وقال : ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ{48} وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ . وقال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ﴾ .
وفي الحديثِ الصحيحِ : (( مَثَلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكرُ ربَّه ، مَثَلُ الحيِّ والميتِ )) .
وقوله : (( سَبَقَ المفرِّدون )) . قالوا : ما المفِّردون يا رسولَ اللهِ ؟ قال (( الذاكرون الله كثيراً والذاكرات )) .
وفي حديثٍ صحيحٍ : (( ألا أخبرُكم بأفضلِ أعمالِكِم ، وأزكاها عند مليكِكُمْ وخيْرٍ لكمْ من إنفاقِ الذهبِ والورِقِ ، وخيرٍ لكمْ من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهُمْ ويضربوا أعناقُكُمْ )) ؟ قالوا : بلى يا رسول اللهِ . قال : (( ذِكْرُ اللهِ )) .
وفي حديث صحيح : أنَّ رجلاً أتى إلى رسول فقال : يا رسول اللهِ إنَّ شرائع الإسلام قدْ كُثرَتْ عليَّ ، وأنا كَبِرْتُ فأخبرْني بشيءٍ أتشبَّثُ بهِ . قال : (( لا يزالُ لسانُكَ رطْباً بذكرِ اللهِ )) .
*****************************************
لا تيأسْ منْ رَوْحِ اللهِ
﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ .
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا ﴾ .
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .
﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا{10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ .
******************************************
اعفُ عمَّن أساء إليكَ
ثمنُ القَصَاصِ الباهظِ ، وهو الذي يدفعُه المنتقمُ من الناسِ ، الحاقدُ عليهمْ : يدفعُه من قلبِه ، ومن لحمِهِ ودمِهِ ، من أعصابِه ومن راحتِهِ ، وسعادتِه وسرورِهِ ، إذا أراد أنْ يتشفَّى ، أو غضبَ عليهِمْ أو حَقَدَ . إنه الخاسرُ بلا شكٍّ .
وقدْ أخبرَنا اللهُ سبحانه وتعالى بدواءِ ذلك وعلاجِهِ ، فقالَ : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ .
وقالَ : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ .
وقالَ : ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ .
*************************************
عندك نعم كثيرة
فكِّرْ في نِعَمِ اللهِ الجليلةِ وفي أعطياتِهِ الجزيلةِ ، واشكُرْهُ على هذهِ النعمِ ، واعلمْ أنكَ مغمورٌ بأعطياتِهِ .
قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ .
وقال : ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ .
وقال سبحانه : ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ .
وقال سبحانه وهو يقررُ العبدُ بنعمِهِ عليهِ : ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ .
نِعَمٌ تَتْرَى : نعمةُ الحياةِ ، ونعمةُ العافيةِ ، ونعمةُ السمعِ ، ونعمةُ البصرِ ، واليدينِ والرجليْن ، والماءِ والهواءِ ، والغذاءِ ، ومن أجلِّها نعمةُ الهدايةِ الربانية: ( الإسلاَمُ ) . يقولُ أحدُ الناسِ : أتريدُ بليون دولار في عينيك ؟ أتريُد بليون دولارٍ في أذنيك ؟ أتريدُ بليون دولار في رجليك ؟ أتريدُ بليون دولارٍ في يديك ؟ أتريدُ بليون دولارٍ في قلبك ؟ كمْ من الأموالِ الطائلةِ عندك وما أديتَ شُكْرَها !! .
****************************************
الدنيا لا تستحق الحزن عليها
إنَّ مما يثبتُ السعادة وينمِّيها ويعمقُها : أنْ لا تهتمَّ بتوافهِ الأمورِ ، فصاحبُ الهمةِ العاليةِ همُّه الآخرةُ .
قال أحدُ السلفِ وهو يُوصِي أحد إخوانِه : اجعلْ الهمَّ همّاً واحداً ، همَّ لقاءِ اللهِ عز وجل ، همَّ الآخرة ، همَّ الوقوفِ بين يديْهِ ، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ . فليس هناك همومٌ إلا وهي أقلُّ من هذا الهمِّ ، أيّ همٍّ هذه الحياةُ ؟ مناصبِها ووظائِفها ، وذهبِها وفضتِها وأولادِها ، وأموالِها وجاهِها وشهرتِها وقصورِها ودورِها ، لا شيء !!
واللهُ جلّ وعلا قد وصف أعداءَهُ المنافقين فقال : ﴿ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ ، فهمُّهم : أنفسُهْم وبطونُهم وشهواتُهم ، وليست لهمْ هِمَمٌ عاليةٌ أبداً !
ولمَّا بايع الناس نَحتَ الشجرةِ انفلت أحدُ المنافقين يبحثُ عن جَمَلٍ لهُ أحمر ، وقالَ : لحُصولي على جملي هذا أحبُّ إليَّ من بيْعتِكُمْ . فورَدَ : « كلُّكمْ مغفورٌ له إلاَّ صاحبَ الجملِ الأحمرِ » .
إنَّ أحد المنافقين أهمتْهُ نفسهُ ، وقال لأصحابهِ : لا تنفروا في الحرِّ . فقال سبحانه : ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ﴾ .
وقال آخرُ : ﴿ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ . وهمُّه نفسُه ، فقال سبحانه : ﴿ أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ﴾ .
وآخرون أهمتْهُمْ أموالُهُمْ وأهلوهْم : ﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾ . إنهِا الهمومُ التافهةُ الرخيصةُ ، التي يحملُها التافهون الرخيصون ، أما الصحابة الأجلاَّءُ فإنهمْ يبتغون فضلاً من اللهِ ورضواناً .
**********************************
لا تحزنْ واطردِ الهمَّ
راحةُ المؤمن غَفْلَةٌ ، والفراغُ قاتلٌ ، والعطالَةُ بطالَةٌ ، وأكثرُ الناسِ هموماً وغموماً وكدراً العاطلونَ الفارغونَ . والأراجيفُ والهواجسُ رأسُ مالِ المفاليسِ من العملِ الجادِّ المثمرِ .
فتحرَّك واعملْ ، وزاولْ وطالعْ ، واتْلُ وسبِّحْ ، واكتبْ وزُرْ ، واستفدْ منْ وقتِك ، ولا تجعلْ دقيقةً للفراغِ ، إنك يوم تفرغُ يدخلُ عليك الهمُّ والغمُّ ، والهاجسُ والوساوسُ ، وتصبحُ ميداناً لألاعيبِ الشيطانِ .
*************************************
اطلب ثوابك من ربك
اجعلْ عملك خالصاً لوجهِ اللهِ ، ولا تنتظرْ شكراً من أحدٍ ، ولا تهتمَّ ولا تغتمَّ إذا أحسنت لأحدٍ من الناسِ ، ووجدته لئيماً ، لا يقدِّرْ هذهِ اليد البيضاء ، ولا الحسنة التي أسديتها إليه ، فاطلبْ أجرك من اللهِ .
يقول سبحانه عن أوليائِه : ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ﴾ . وقال سبحانه عن أنبيائِه : ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ . ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ .﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى﴾ . ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً﴾ .
قال الشاعرُ :
مَنْ يفعلِ الخيرَ لا يعدمْ جوازِيَهُ
لا يذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ
فعاملِ الواحدَ الأحد وحدهُ فهو الذي يُثيبُ ويعطي ويمنحُ ، ويعاقبُ ويحاسبُ ، ويرضى ويغضبُ ، سبحانهُ وتعالى .
قُتلَ شهداءُ بقندهار ، فقال عمرُ للصحابةِ : من القتلى ؟ فذكروا لهُ الأسماء ، فقالوا : وأناسٌ لا تعرفُهم . فدمعتْ عينا عمرَ ، وقال : ولكنَّ الله يعلَمُهم .
وأطعمَ أحدُ الصالحين رجلاً أعمى فالوْذَجاً ( من أفخرِ الأكلاتِ ) ، فقال أهلُه : هذا الأعمى لا يدري ماذا يأكلُ ! فقالَ : لكنَّ الله يدري !
ما دام أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليك ويعلمُ ما قدَّمته من خيرٍ ، وما عملته من بِرٍّ وما أسديتهُ منْ فضلٍ ، فما عليك من الناسِ .
********************************
لوم اللائمينَ وعذْل العُذَّالِ
﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ ﴿ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ . ﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ . ﴿ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾ .
لا يضرُّ البحرَ أمسى زاخراً
أنْ رمى فيهِ غلامٌ بِحَجَرْ
وفي حديثٍ حسن أنَّ الرسول قال : : (( لا تبلِّغوني عن أصحابي سوءاً ، فإني أُحِبُّ أنْ أخرجَ إليكمَ وأنا سليمُ الصَّدرِ )) .
***********************************
لا تحزنْ منْ قلَّةِ ذاتِ اليدِ ، فإن القِلَّةُ معها السّلامةُ
كلّما ترفَّهَ الجسمُ تعقدتِ الروحُ ، والقلَّةُ فيها السلامةُ ، والزهدُ في الدنيا راحةٌ عاجلةٌ يقدِّمها اللهُ لمن شاءَ من عبادهِ : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾ .
قال أحدُهم :
ماءٌ وخبزٌ وظِلُّ
ذاك النعيمُ الأجَلُّ
كفرتُ نعمةَ ربِّي
إنْ قلتُ إني مُقلُّ
ما هيَ الدنيا إلا ماءٌ باردٌ وخبزٌ دافئٌ ، وظلٌ وارفٌ !!
وقال الشافعي :
أمطري لؤلؤاً سماء سرنْديـ
ـبَ وفيِضي آبارَ تكْرُور تبِِرا
أنا إنْ عشتُ لستُ أعدمُ قوتاً
وإذا متُّ لستُ أعدمُ قبرا
همَّتي هِمَّةُ الملوكِ ونفسي
نفسُ حرٍّ ترى المذلَّةَ كُفْرا
إنها عزَّةُ الواثقين بمبادئِهمْ ، الصَّادقين في دعوتِهِمْ ، الجادّين في رسالتِهِمْ .
*********************************
لا تحزنْ ممَّا يُتَوَقَّع
وُجدَ في التوراةِ مكتوباً : أكثرُ ما يُخاف لا يكونُ !
ومعناهُ : إنَّ كثيراً مما يتخوَّفُهُ الناسُ لا يقعُ ، فإنَّ الأوهامَ في الأذهانِ ، أكثُر من الحوادثِ في الأعيانِ .
إذا جاءك حدثٌ ، وسمعتَ بمصيبةٍ ، فتمهَّلْ وتأنَّ ولا تحزنْ ، فإنَّ كثيراً من الأخبارِ والتوقُّعات لا صحَّة لها ، إذا كان هناك صارفٌ للقدرٍ فيُبحثُ عنهُ، وإذا لم يكنْ فأين يكونُ؟!
﴿ َأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44}فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾.
***********************************
نقْد أهلِ الباطلِ والحُسَّادِ
فإنك مأجورٌ – من نقدهمْ وحسدهِمْ – على صبرِك ، ثمَّ إنَّ نقدهُمْ يساوي قيمتك ، ثم إنَّ الناس لا ترفسُ كلباً ميتاً ، والتافهين لا حُسَّاد لهم .
قال أحدُهمْ :
إن العرانين تلقاها مُحَسَّدةً
ولا ترى لِلِئَامِ الناسِ حُسَّادا
وقال الآخر :
حَسَدُوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيَهُ
فالناسُ أعداءٌ لهُ وخصومُ
كضرائرِ الحسناءِ قُلْن لوجهِهَا
حسداً ومقتاً إنهُ لذميمُ
وقال زهيرٌ :
مُحسَّدُون على ما كان من نِعَمٍ
لا ينزعُ الله منهمْ ما له حُسِدوا
وقال آخرُ :
همْ يحسدوني على موتي فوا أسفاً
حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ
وقالُ الشاعرُ :
وشكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تجدْ
ذا سؤددٍ إلا أُصيب بحُسَّدِ
لا زلت ياسِبط الكرامِ محسَّداً
والتافهُ المسكينُ غيرُ محسَّدِ
سألَ موسى ربَّ أنْ يكفَّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : (( يا موسى ، ما اتخذتُ ذلك لنفسي ، إني أخلقُهم وأرزقُهُمْ ، وإنهم يسبُّونَنِي ويشتُموننِي )) !!
وصحَّ عنهُ أنهُ قال : (( يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : يسبُّني ابنُ آدمَ ، ويشتمني ابنُ آدم ، وما ينبغي له ذلك ، أمَّ سبُّه إياي فإنهُ يسبُّ الدهر ، وأنا الدهرُ ، أقلِّبُ الليلَ والنهارَ كيف أشاءُ ، وأما شتمُه إياي ، فيقولُ : إنّ لي صاحبةً وولداً، وليسَ لي صاحبةٌ ولا ولدٌ)).
إنكَ لنْ تستطيع أن تعتقل ألسنةَ البشرِ عن فرْي عِرْضِك ، ولكنك تستطيعُ أن تفعلَ الخيرَ ، وتجتنب كلامهم ونقدهم .
قال حاتمٌ :
وكلمةِ حاسدٍ منْ غيرِ جرْمِ
سمعتُ فقلتُ مٌرّي فانفذيني
وعابوها عليَّ ولم تعِبْني
ولم يند لها أبداً جبيني
وقال آخرُ :
ولقدْ أمرُّ على السفيهِ يسُبُّني
فمضيتُ ثَمَّة قلتُ لا يعنيني
وقال ثالثٌ :
إذا نَطَقَ السَّفيهُ فلا تُجِبْهُ
فخيرٌ مِنْ إجابِتِه السكوتُ
إنَّ التافهين والمخوسين يجدون تحدِّياً سافراً من النبلاءِ واللامعين والجهابذةِ .
إذا محاسني اللائي أُدِلُّ بها
كانتْ ذنوبي فَقُلْ لي كيف أعتذرُ؟!
أهلُ الثراءِ في الغالبِ يعيشون اضطراباً ، إذا ارتفعتْ أسهمُهم انخفضَ ضغطُ الدمِ عندهم ، ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ{1} الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ{2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ .
يقولُ أحدُ أدباءِ الغَرْبِ : افعلْ ما هو صحيحٌ ، ثم أدرْ ظهرك لكلِّ نقدٍ سخيفٍ !
ومن الفوائدِ والتجاربِ : لا تردَّ على كلمةٍ جارحةٍ فيك ، أو مقولةٍ أو قصيدةٍ ، فإنَّ الاحتمالَ دفنُ المعايبِ ، والحلم عزٌّ ، والصمت يقهرُ الأعداء ، والعفو مثوبةٌ وشرفٌ ، ونصفُ الذين يقرؤون الشتم فيك نسوهُ ، والنصفُ الآخرُ ما قرؤوه ، وغيرهم لا يدرون ما السببُ وما القضيةُ ! فلا تُرسِّخْ ذلك أنت وتعمِّقهُ بالردِّ على ما قيل .
يقولُ أحدُ الحكماءِ : الناسُ مشغولون عني وعنك بنقصِ خبزِهم ، وإنَّ ظمأ أحدِهم ينُسيهم موتي وموتك .
بيتٌ فيه سكينةٌ مع خبز الشعيرِ ، خيرٌ من بيتٍ مليء بأعدادٍ شهيةٍ من الأطعمةِ ، ولكنه روضة للمشاغبة والضجيج .
***********************************
وقفــة
لا تحزنْ : فإنَّ المرضَ يزولُ ، والمصابَ يحولُ ، والذنبَ يُغفرُ ، والدَّيْنَ يُقضى ، والمحبوسَ يُفكُّ ، والغائبَ يقدمُ ، والعاصي يتوبُ ، والفقيرَ يغتني .
لا تحزنْ : أما ترى السحاب الأسود كيف ينقشعُ ، والليل البهيم كيف ينجلي ، والريح الصَّرْصَرَ كيف تسكنُ ، والعاصفة كيف تهدأ ؟! إذاً فشدائدُك إلى رخاء ، وعيشُك إلى هناء ، ومستقبلُك إلى نَعْماءِ .
لا تحزنْ : لهيبُ الشمس يطفئُهُ وارفُ الظلِّ ، وظمأُ الهاجرةِ يُبردُه الماءُ النميرُ ، وعَضَّةٌ الجوعِ يُسكِّنُها الخُبْزُ الدافِئُ ، ومعاناةُ السهرِ يعقبُهُ نومٌ لذيذٌ ، وآلامُ المرضِ يُزَيُلها لذيذُ العافيةِ ، فما عليك إلا الصبرُ قليلاً والانتظارُ لحظةً .
لا تحزنْ : فقدْ حارِ الأطباءُ ، وعَجَزَ الحكماءُ ، ووقفَ العلماءُ ، وتساءلَ الشعراء ، وبارت الحيل أُمام نفاذِ القدرةِ ، ووقوعِ القضاءِ ، وحتميةِ المقدورِ قال عليُّ بنُ جبلةَ :
عسى فرجٌ يكونُ عسى
نعلّلُ نفسنا بعسى
فلا تقنط وإن لاقيْـ
ـت همّاً يقبضُ النَّفسَا
فأقربُ ما يكونُ المرْ
ءُ مِنْ فرجٍ إذا يئسِا
***************************************
اخترْ لنفسك ما اختاره اللهُ لك
قمْ إن أقامك ، واقعدْ إنْ أقعدك ، واصبرْ إذا أفقرَك ، واشكرْ إذا أغناك .
فهذه من لوازم : (( رضيتُ باللهِ رباً ، وبالإسلامِ ديناً ، وبمحمد نبياً )) .
قال أحدُهُمْ :
لا تُدبِّرْ لك أمراً
فأولوا التدبيرِ هلْكى
وارضَ عنَّا إن حَكمْنا
نحنُ أولى بِك مِنكا
***************************************
لا تراقبْ تصرُّفات الناس
فإنَّهم لا يملكون ضرّاً ولا نفعاً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ولا ثواباً ولا عقاباً .
قال أحدُهم :
مَنْ راقب الناسَ ماتَ همّاً
وفاز باللذةِ الجسورُ
وقال بشَّار :
من راقب الناس لم يظفرْ بحاجتهِ
وفاز بالطيباتِ الفاتِكُ اللَّهِجُ
قالَ إبراهيمُ بن أدهم : نحن في عيْشٍ لوْ علم بهِ الملوكُ لجالدونا عليهِ بالسيوفِ .
وقال ابنُ تيمية : إنه ليمرُّ بالقلبِ حالٌ ، أقولُ : إن كان أهلُ الجنةِ في مثلِ حالِنا إنهم في عيشٍ طيبٍ .
قال أيضاً : إنه ليمرُّ بالقلبِ حالاتٌ يرقصُ طرباً ، من الفرحِ بذكرهِ سبحانه وتعالى والأنس به .
وقال ابنُ تيمية أيضاً عندما أُدخِل السجنَ ، وقدْ أغلق السجَّانُ الباب ، قال ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ .
وقال وهو في سجنِه : ماذا يفعلُ أعدائي بي ؟! أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنَّى سرْتُ فهي معي ، إنَّ قتلي شهادةٌ ، وإخراجي من بلدي سياحةٌ وسجني خلوةٌ .
يقولون : أيُّ شيء وَجَدَ من فقدَ الله ؟! وأيُّ شيءٍ فقدَ من وجد الله ؟! لا يستويان أبداً ، منْ وجد الله وجد كلَّ شيء ، ومنْ فقد الله فقد كلَّ شيءٍ .
يقول : (( لإن أقولُ : سبحان اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إله إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ ، أحبُّ إليَّ مما طلعتْ عليه الشمسُ )) .
قال أحدُ السلفِ عنِ الأثرياءِ وقصورِهمْ ودورِهمْ وأموالهمْ : نأكلُ ويأكلون ، ونشربُ ، ويشربون ، وننظرُ وينظرون ، ولا نُحاسبُ ويُحاسبون .
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ .
المؤمنون يقولون : ﴿ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﴾ . والمنافقون يقولون : ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾ .
حياتُك منْ صنع أفكارِك فالأفكارُ التي تستثمرُها وتفكرُ فيها وتعيشُها هي التي تؤثرُ في حياتِك ، سواءٌ كانتْ في سعادةٍ أو شقاوةٍ .
يقولُ أحدُهم : إذا كنت حافياً ، فانظرْ لمنْ بُتِرَتْ ساقاه ، تحمَّدْ ربَّك على نعمةِ الرجْلَيْن .
قال الشاعرُ :
لا يملأُ الهولُ قلبي قبل وقعتِهِ
ولا أضيقُ به ذرعاً إذا وقعا
************************************
أحسن إلى الناس
فإنَّ الإحسانَ على الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ . وفي حديثٍ صحيح : (( إنَّ الله يقولُ لعبدهِ وهو يحاسبُهُ يوم القيامةِ : يا ابنَّ آدم ، جعتُ ولم تطعمْني . قال : كيف أطعمُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ جاع فما أطعمْتهُ ، أما إنكَ لو أطعمْتَهُ وجدتَ ذلك عندي . يا ابن آدم ، ظمئتُ فلمْ تسقني . قال : كيف أسقيك وأنت ربُّ العالمينَ! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ ظمِئَ فما أسقيته ، أما إنَّك لوْ أسقيته وجدْت ذلك عندي . يا ابن آدم ، مرضْتُ فلم تعُدني . قال : كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمْت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ مرض فما عدْتَهُ ، أما إنك لوْ عدتهْ وجدتني عندهُ ؟! )) .
هنا لفتةٌ وهي وجدتني عندهُ ، ولم يقلْ كالسابقتين : وجدته عندي ؛ لأنَّ الله عند المنكسِرة قلوبُهم ، كالمريض . وفي الحديثِ : (( في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ )) . واعلمْ أنَّ أدخل امرأةً بغِيّاً منْ بني إسرائيل الجنة ، لأنها سقتْ كلباً على ظمأ . فكيف بمنْ أطعمَ وسقى ، ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ ؟!
وقدْ صحَّ عنهُ أنهُ قال : (( مَنْ كان لهُ فضلُ زادٍ فليَعُد بهِ على مَنْ لا زاد لهُ ، ومنْ كان له فضلُ ظهْرٍ فليعدْ بهِ على منْ لا ظهر لهُ )) . أي ليس لهُ مركوبٌ .
وقدْ قال حاتمٌ في أبياتٍ لهُ جميلةٍ ، وهو يُوصِي خادمهُ أنْ يلتمس ضيفاً يقولُ
أوقدْ فإنَّ الليل ليلٌ قرُّ
إذا أتى ضيفٌ فأنت حُرُّ
ويقول لامرأته :
إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ
أكيلاً فإني لستُ آكلُهُ وحدي
وقال أيضاً :
أماويَّ إنَّ المال غادٍ ورائحٌ
ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذِّكْرُ
أماويَّ ما يُغني الثراءُ عنِ الفتى
إذا حشرجتْ يوماً وضاق بها الصدرُ
ويقول :
فما زادنا فخراً على ذي قرابةٍ
غِنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقْرُ
وقال عروةُ بنُ حزامٍ
أتهزأُ مني أن سمنِت وأن ترى
بوجهي شحوب الحقِّ والحقُّ جاهدُ
أوزِّعُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ
وأحسو قراح الماءِ والماءُ باردُ
وكان ابنُ المباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ ، فكان يبدأ فيُطعم اليهوديَّ قبل أبنائهِ ، ويكسوه قبل أبنائِه ، فقالوا لليهوديِّ : بعنا دارك . قال : داري بألفيْ دينارٍ ، ألفٌ قيمتُها ، وألفٌ جوارُ ابن المباركِ ! . فسمع ابن المباركِ بذلك ، فقال : اللهمَّ اهدِهِ إلى الإسلامِ . فأسلم بإذنِ اللهِ !.
ومرَّ ابنُ المبارك حاجّاً بقافلةٍ ، فرأى امرأةً أخذتْ غُراباً مْيتاً من مزبلةٍ ، فأرسلَ في أثرِها غلامه فسألها ، فقالتْ : ما لنا منذُ ثلاثةِ أيامٍ إلا ما يُلقى بها . فدمعتْ عيناهُ ، وأمر بتوزيعِ القافلةِ في القريةِ ، وعاد وترك حجّته تلك السنةِ ، فرأى في منامِهِ قائلاً يقولُ : حجٌّ مبرورٌ ، وسعيٌ مشكورٌ ، وذنبٌ مغفورٌ .
ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ .
وقالَ أحدُهُمْ :
إني وأنْ كنتُ امرأً متباعداً
عن صاحبي في أرضهِ وسمائِهِ
لمفيدهُ نصري وكاشفُ كَرْبهِ
ومجيبُ دعوتِه وصوتُ ندائِه
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لمْ أقلْ
يا ليت أنَّ علىَّ فضلَ كسائِهِ
يا للهِ ما أجملَ الخلُقَ ! وما أجلَّ المواهبَ ! وما أحسن السجايا !
لا يندمُ على فعْلِ الجميلِ احدٌ ولو أسرف ، وإنما الندمُ على فعلِ الخطأ وإنْ قلَّ .
وقال أحدُهُمْ في هذا المعنى :
الخيرُ أبقى وإنْ طال الزمانُ بهِ
والشرُّ أخبثُ ما أوْعَيْتَ مِنْ زَادِ
*****************************************
إذا صكَّتْ أذانك كلمةٌ نابيةٌ
احرِصْ على جمعِ الفضائلِ
واجتهدْ
واهجرْ ملامةَ مَنْ تشفَّى أو حَسَدْ
واعلمْ بأنَّ العمرَ موْسمُ طاعةٍ
قُبِلتْ وبعد الموتِ ينقطعُ الحسدْ
يقولُ أحدُ علماءِ العصرِ : إنَّ على أهلِ الحساسيةِ المرهفة من النقدِ أنْ يسكبوا في أعصابِهم مقادير من البرودِ أمام النقدِ الظالمِ الجائرِ .
وقالوا : « للهِ دَوُّ الحسدِ ما أعْدَلَهُ ، بدأ بصاحبِهِ فقتلهُ » .
وقال المتنبي :
ذِكْرُ الفتى عمرهُ الثاني وحاجتُه
ما فاته وفضولُ العيْشِ أشغالُ
وقال عليٌّ رضي اللهُ عنهُ : الأجلُ جنةٌ حصينةٌ .
وقال أحدُ الحكماء : الجبانُ يموتُ مرَّاتٍ ، والشجاعُ يموتُ مرةً واحدةً .
وإذا أراد الله بعبادهِ خيراً في وقت الأزمات ألقى عليهم النعاس أَمَنَةً منه، كما وقع النعاس على طلحة رضي الله عنه في أُحُد ، حتى سقط سيفُه مراتٍ منْ يدِه ، أَمْناً وراحة بالٍ .
وهناك نعاسٌ لأهلِ البدعِة ، فقدْ نعس شبيبُ بنُ يزيدٍ وهو على بغلتِهِ ، وكان منْ أشجعِ الناسِ ، وامرأتُهُ غزالةُ هي الشجاعةٌ التي طردتِ الحجَّاج ، فقال الشاعرُ :
أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ
فتخاءُ تَنْفِرُ مِن صفيرِ الصافرِ
هلاّ برزتَ إلى غزالةَ في الوغى
أم كان قلبُك في جناحيْ طائرِ
وقال اللهُ تعالى عزَّ وجلَّ : ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ﴾ .
وقال سبحانه : ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ .
وقال الشاعرُ :
أقولُ لها وقدْ طارتْ شعاعاً
مِن الأبطالِ ويْحكِ لَنْ تُراعِي
فإنكِ لو سألتِ بقاء يومٍ
عن الأجلِ الذي لكِ لم تُطاعي
فصبراً في مجالِ الموتِ صبْراً
فما نيلُ الخلودِ بمستطاعِ
وما ثوبُ الحياة بثوبِ عِزٍّ
فيُخلعُ عن أخِ الخنعِ اليراعِ
إي والله ، فإذا جاء أجلُهم لا يستأخرون عنه ساعةً ولا يستقدمون .
قال عليٌّ رضي اللهُ عنه :
أيُّ يوميَّ مِن الموتِ افرُّ
يوم لا قُدِّر أمْ يوم قُدِرْ
يوم لا قُدِّر لا أرهبُهُ
ومِن المقدورِ لا ينجو الحَذِرْ
وقال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه : اطلبوا الموت تُوهَبْ لكمُ الحياةُ .
*********************************
وقفــة
لا تحزنْ : فإنَّ الله يدافعُ عنك، والملائكةُ تستغفرُ لك، والمؤمنون يشركونك في دعائِهمْ كلَّ صلاةٍ ، والنبيُّ يشفعُ ، والقرآنُ يِعدُك وعداً حسناً ، وفوق هذا رحمةُ أرحم الراحمين .
لا تحزنْ : فإنَّ الحسنة بعشر أمثالِها إلى سبعمائةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ، والسيئةُ بمثلها إلا أنْ يعفوَ ربّك ويتجاوز ، فكمْ للهِ مِن كرمٍ ما سُمع مثله ! ومن جودٍ لا يقاربُه جُودٌ!
لا تحزنْ : فأنت من روَّادِ التوحيدِ وحَملةِ الملَّةِ وأهلِ القبلةِ ، وعندك أصلُ حبِّ اللهِ وحبِّ رسوله ، وتندمُ إذا أذنبت ، وتفرحُ إذا أحسنت ، فعندك خيرٌ وأنت لا تدري .
لا تحزنْ : فأنت على خيرٍ في ضرائِك وسرائِك ، وغناك وفقرِك ، وشدَّتِك ورخائِك ، (( عجباً لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرهَ كلَّه له خيرٌ ، وليسَ ذلك إلا للمؤمنِ ،نْ أصابْته سرَّاءَ فشكر كان خيراً له ، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ فصبر فكان خيراً له )) .
***********************************
الصبر على المكارِهِ وتحمُّلُ الشدائدِ
طريقُ الفوزِ والنجاحِ والسعادةِ
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ ﴾ . ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾. ﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ﴾ . ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾ . ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ ﴿اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ ﴾ .
قال عمرُ رضي اللهُ عنهُ : « بالصبرِ أدركنا حسْن العيشِ » .
لأهلِ السنةِ عند المصائبِ ثلاثةُ فنونٍ : الصبرُ ، والدُّعاءُ ، وانتظارُ الفَرَجِ .
وقال الشاعرُ :
سقيناهُمُو كأساً سقوْنا بمثلِها
ولكنَّنا كُنا على الموتِ أصبر
وفي حديث صحيح : (( لا أحد أصبرُ على أذى سمِعه من اللهِ : إنهم يزعمون أنَّ له ولداً وصاحبةً ، وإنهُ يعافيهم ويرزقُهم )) . وقال : (( رحِم اللهُ موسى ، ابتُلي باكثر من هذا فصبرَ )) .
وقال : (( من يتصبَّرْ يُصبِّرهْ اللهُ )) .
دببتَ للمجدِ والساعون قد
بلغُوا
جهد النفوسِ وألقوا دونهُ الأُزُرَا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهمْ
وعانق المجد مَنْ أوفى ومنْ صبرا
لا تحسبِ المجد تمراً أنتَ آكلُهُ
لنْ تبلغ المجد حتى تلْعق الصَّبِرا
إن المعالي لا تُنالُ بالأحلامِ ، ولا بالرؤيا في المنامِ ، وإنَّما بالحزمِ والعَزْمِ .
************************************
لا تحزنْ من فِعلِ الخَلْقِ مَعَكَ
وانظرْ إلى فعْلِهم مع الخالقِ
عندَ أحمد في كتابِ الزهدِ ، أن الله يقولُ : (( عجباً لك يا ابن آدم ! خلقتُك وتعبدُ غيري ، ورزقتُك وتشكرُ سواي ، أتحبَّبُ إليك بالنعمِ وأنا غنيٌّ عنك ، وتتبغَّضُ إليَّ بالمعاصي وأنت فقيرٌ إليَّ ، خيري إليك نازلٌ ، وشرُّك إليَّ صاعدٌ )) !! .
وقد ذكروا في سيرة عيسى عليه السلامُ أنه داوى ثلاثين مريضاً ، وأبرأ عميان كثيرين ، ثم انقلبوا ضدَّه أعداءً .
************************************
لا تحزنْ منْ تعسُّر الرزقِ
فان الرزَّاق هو الواحدُ الأحدُ ، فعنده رِزْقُ العبادِ ، وقدْ تكفَّلَ بذلك ، ﴿ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ .
فإذا كان اللهُ هو الرزاقُ فلِم يتملَّقُ البشرُ ، ولِم تُهانُ النفسُ في سبيلِ الرزقِ لأجل البشرِ ؟! قال سبحانه : ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ . وقال جلَّ اسمُه : ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾ .
*********************************
أسبابٌ تهوِّنُ المصائب
انتظارُ الأجرِ والمثوبةِ من عند اللهِ عزَّ وجلَّ : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ .
2. رؤيةُ المصابين :
ولولا كثرةُ الباكِين حولي
على إخوانِهمْ لَقَتَلْتُ نفسي
فالتفِتْ يَمْنَةً والتفتْ يَسْرَةً ، هل ترى غلا مصاباً أو ممتحناً ؟ وكما قيل : في كلِّ وادٍ بنو سعدٍ .
3. وأنها أسهلُ منْ غيرِها .
4. وأنها ليستْ في ديِنِ العبدِ ، وإنما في دنياه .
5. وأنَّ العبودية في التسليم عند المكارهِ أعظمُ منها أحياناً في المحابِّ .
6. وأنه لا حيلة :
فاتركِ الحيلة في تحويِلها
إنما الحيلةُ في تَرْكِ الحيَلْ
7. وأنَّ الخبرة للهِ ربِّ العالمين : ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ .
*******************************
لا تتقمص شخصية غيرِك
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ﴾ .
الناسُ مواهبُ وقدراتٌ وطاقاتٌ وصنعاتٌ ، ومن عظمةِ رسولِنا أنه وظَّف أصحابه حسب قُدراتِهمْ واستعداداتِهم ، فعليٌّ للقضاءِ ، ومعاذٌ للعِلْمِ ، وأُبيٌّ للقرآنِ ، وزيدٌ للفرائضِ ، وخالد للجهادِ ، وحسَّانُ للشعِر ، وقيسُ بنُ ثابتٍ للخطابةِ .
فوضْعُ الندى في موضعِ السيف بالعُلا
مُضِرٌّ كوضعِ السيفِ في موضعِ الندى
الذوبانُ في الغيرِ انتحارٌ تقمُّصُ صفاتِ الآخرين قتلٌ مُجْهِزٌ.
ومنْ آياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ : اختلافُ صفاتِ الناسِ ومواهبِهمْ ، واختلافِ ألسنتِهمْ وألوانِهمْ ، فأبو بكر برحمتِهِ ورفقِهِ نفعَ الأمةَ والملَّة ، وعمرُ بشدَّتِهِ وصلابتِهِ نصر الإسلامَ وأهله ، فالرضا بما عندك من عطاءٍ موهبةٌ ، فاستثمرها ونمِّها وقدِّمها وانفع بها ، ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ .
إنَّ التقليد الأعمى والانصهار المسرف في شخصياتِ الآخرين وأدٌ للموهبةِ ، وقَتْلٌ للإرادةِ وإلغاءٌ متعمَّدٌ التميُّزِ والتفرُّدِ المقصودِ من الخليقةِ .
**********************************
عـزُّ العزلةِ
وأقصدُ بها العزلة عن الشرِّ وفضولِ المباحِ ، وهي ممّا يشرحُ الخاطر ويُذهبُ الحزن .
قال ابن تيمية : لا لابدَّ للعبدِ من عزلةٍ لعبادتِه وذكرِه وتلاوتِه ، ومحاسبتِه لنفسِه ، ودعائِه واستغفارِه ، وبُعدِه عن الشرِّ ، ونحوِ ذلك .
ولقد عقد ابنُ الجوزي ثلاثة فصولٍ في ( صيْدِ الخاطرِ ) ، ملخَّصها أنه قال : ما سمعتُ ولا رأيتُ كالعزلة ، راحةً وعزّاً وشرفاً ، وبُعداً عن السوءِ وعن الشرِّ ، وصوْناً للجاهِ والوقتِ ، وحِفظاً للعمرِ ، وبعداً عن الحسَّادِ والثقلاءِ والشامتين ، وتفكُّراً في الآخرةِ ، واستعداداً للقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، واغتناماً في الطاعةِ ، وجولان الفكر فيما ينفعُ ، وإخراج كنوزِ الحِكَمِ ، والاستنباط من النصوصِ .
ونحو ذلك من كلامِهِ ذكرهُ في العزلةِ هذا معناه بتصرُّف .
وفي العزلةِ استثمارُ العقلِ ، وقطْفُ جَنَى الفكرِ ، وراحةُ القلبِ ، وسلامةُ العرْض ، وموفورُ الأجرِ ، والنهيُ عن المنكر ، واغتنامُ الأنفاسِ في الطاعةِ ، وتذكُّرُ الرحيمِ ، وهجرُ الملهياتِ والمشغلاتِ ، والفرارُ من الفتنِ ، والبعدُ عن مداراةِ العدوِّ ، وشماتةِ الحاقدِ ، ونظراتِ الحاسدِ ، ومماطلةِ الثقيلِ ، والاعتذارِ على المعاتِبِ ، ومطالبةِ الحقوقِ ، ومداجاةِ المتكبِّرِ ، والصبرِ على الأحمقِ .
وفي العزلةِ سَتْرٌ للعوراتِ : عوراتِ اللسانِ ، وعثراتِ الحركاتِ ، وفلتاتِ الذهنِ ، ورعونةِ النفسِ .
فالعزلةُ حجابٌ لوجهِ المحاسنِ ، وصدَفٌ لدُرِّ الفضلِ ، وأكمامٌ لطلْع المناقبِ ، وما أحسن العزلةَ مع الكتابِ ، وفرةً للعمرِ ، وفسحةً للأجلِ ، وبحبوحةً في الخلوةِ ، وسفراً في طاعةِ ، وسياحةً في تأمُّلٍ .
وفي العزلةِ تحرصُ على المعاني ، وتحوزُ على اللطائفِ ، وتتأملُ في المقاصدِ ، وتبني صرح الرأيِ ، وتشيدُ هيْكلَ العقلِ .
والروحُ في العزلةِ في جَذلٍ ، والقلبُ في فَرَحٍ اكبرَ ، والخاطرُ في اصطيادِ الفوائدِ .
ولا تٌرائي في العزلةِ : لأنهُ لا يراك إلا اللهُ ، ولا تُسمعِ بكلامِك بشراً فلا يسمعك إلا السميعُ البصيرُ .
كلُّ اللامعين والنافعين ، والعباقرِة والجهابذةِ وأساطين الزمنِ ، وروَّادِ التاريخِ ، وشُداةِ الفضائلِ ، وعيونِ الدهرِ ، وكواكبِ المحافلِ ، كلُّهم سَقَوْا غَرْسَ نُبْلهم من ماءِ العزلةِ حتى استوى على سُوقِهِ ، فنبتتْ شجرةُ عظمتِهم ، فآتتْ أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها .
قال عليُّ عبدِالعزيز الجُرْجانيُّ :
يقولون لي فيك انقباضُ وإنما
رأوا رجلاً عن موقفِ الذُّلِّ أحْجَما
إذا قيلَ هذا موردٌ قلتُ قدْ أَرَى
ولكنَّ نفس الحُرِّ تحتملُ الظَّما
ولم أقضِ حقَّ العلمِ إن كنتُ كلَّما
بدا طمعٌ صيَّرتُهُ لِيَ سُلَّما
أأشقى به غَرْساً وأجنيهِ ذلَّةً
إذن فاتَّباعُ الجهلِ قدْ كان أحزما
ولو أنَّ أهل العلمِ صانوه صانهمْ
ولو عظَّموه في النفوسِ لَعُظَّما
ولكنْ أهانُوهُ فهانوا ودنَّسوا
مُحَيَّاهُ بالأطماعِ حتى تهجَّما
وقال أحمدُ بنُ خليلٍ الحنبليُّ :
مَنْ أراد العزَّ والرا
حةَ مِن همِّ طويلِ
ليكُنْ فرداً من النا
سِ ويرضى بالقليلِ
كيف يصفو لامرئٍ ما
عاش مِنْ عيشٍ وبِيلِ
بين غمزٍ مِنْ ختولٍ
ومداجاةِ ثقيل ِ
ومداراةِ حسودٍ
ومعاناةِ بخيلِ
آهِ منْ معرفةِ النا
سِ على كلِّ سبيلِ
وقال القاضي عليُّ بن عبدالعزيزِ الجرجانُّي :
ما تطعَّمتُ لذةَ العيشِ حتَّى
صرتُ للبيتِ والكتابِ جليسا
ليس شيءٌ أعزّ من العلـ
ـم فما أبتغي سواهُ أنيسا
إنَّما الذُّل في مخالطةِ النا
سِ فدعْهُم وعِشْ عزيزاً رئيساً
وقال آخر :
أنِسْتُ بوحدتي ولزِمتُ بيتي
فدام لِي الهنا ونَمَا السرورُ
وقاطعتُ الأنامَ فما أبالي
أسارَ الجيشُ أم ركِبَ الأميرُ
وقال الحميدي المحدِّث :
لقاءُ الناسِ ليس يُفيدُ شيئاً
سوى الإكثارِ منْ قيلٍ وقالِ
فأقْلِلْ منْ لقاءِ الناسِ إلاَّ
لكسبِ العلمِ أو إصلاحِ حالِ
وقال ابنُ فارس :
وقالوا كيف حالُك قلتُ خيراً
تًقضَّى حاجةٌ وتفوتُ حاجُ
إذا ازدحمتْ همومُ الصدرِ قُلْنا
عسى يوماً يكونُ لهُ انفراجُ
نديمي هِرَّتي وأنيسُ نفسي
دفاترُ لي ومعشوقي السراجُ
قالوا : كلُّ من أحبَّ العزلة فهي عِزٌّ لهُ . ولك أن تراجع كتاب (( العزلةِ)) للخطَّابي .
**********************************
فوائد الشدائد
فإنَّ الشدائد تقوِّي القلب ، وتمحو الذنب ، وتقصِمُ العُجْبَ ، وتنسفُ الكِبْرَ ، وهي ذوبانٌ للغفلةِ ، وإشعالٌ للتذكُّرِ ، وجلْبُ عطفِ المخلوقين ، ودعاءٌ من الصالحين ، وخضوعٌ للجبروتِ ، واستسلامٌ للواحد القهارِ ، وزجْرٌ حاضرٌ ، ونذيرٌ مقدمٌ ، وإحياءٌ للذكرِ ، وتضرُّع بالصبرِ ، واحتسابٌ للغصصِ ، وتهيئةٌ للقدومِ على المولى ، وإزعاجٌ عن الركونِ على الدنيا والرضا بها والاطمئنان إليها ، وما خفي من اللطفِ أعظمُ ، وما سُتِرَ من الذنبِ أكبرُ ، وما عُفي من الخطأ أجلُّ .
***********************************
وقفـةٌ
لا تحزنْ : لأنَّ الحزن يضعفُك في العبادةِ ، ويعطِّلك عن الجهادِ ، ويُورثُك الإحباط ، ويدعوك إلى سوء الظنِّ ، ويُوقعُك في التشاؤمِ .
لا تحزنْ : فإنَّ الحزن والقلق أساسُ الأمراضِ النفسيةِ ، ومصدرُ الآلامِ العصيبةِ ، ومادةُ الانهيارِ والوسواسِ والاضطرابِ .
لا تحزنْ : ومعك القرآنُ ، والذكرُ ، والدعاءُ ، والصلاةُ ، والصدقةُ ، وفعْلُ المعروفِ ، والعملُ النافعُ المثمِرُ .
لا تحزنْ : ولا تستسلمْ للحزن عن طريقِ الفراغِ والعطالةِ ، صلِّ .. سبِّحْ اقرأْ .. اكتبْ .. اعملْ .. استقبلْ .. زُرْ .. تأمَّلْ .
﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ ﴿ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾ .
*******************************
قواعد في السعادة
1. اعلمْ أنك إذا لم تعِشْ في حدودِ يومِك تشتَّت ذهنُك ، واضطربتْ عليك أمورُك ، وكثرتْ همومُك وغمومُك ، وهذا معنى : (( إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظرِ الصباح )) .
2. انْس الماضي بما فيه ، فالاهتمامُ بما مضى وانتهى حُمْقٌ وجنونٌ .
3. لا تشتغلْ بالمستقبلِ ، فهو في عالمِ الغيبِ ، ودعِ التفكرَ فيه حتى يأتي .
4. لا تهتزَّ من النقدِ ، واثبتْ ، واعلمْ أنَّ النقد يساوي قيمَتَكَ .
5. الإيمانُ باللهِ ، والعملُ الصالحُ هو الحياةُ الطيبةُ السعيدةُ .
6. من أراد الاطمئنان والهدوء والراحةَ ، فعليه بذكرِ اللهِ تعالى .
7. على العبدِ أن يعلم أنَّ شيءٍ بقضاء وقدرٍ .
8. لا تنتظرْ شكراً من أحدٍ .
9. وطَِنْ نفسك على تلقِّي أسوأ الفروضِ .
10. لعلَّ فيما حصل خيراً لك .
11. كلُّ قضاءٍ للمسلمِ خيرٌ له .
12. فكِّرْ في النعمِ واشكرْ .
13. أنت بما عندك فوق كثيرٍ من الناسِ .
14. من ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ .
15. بالبلاءِ يُسْتَخْرَجُ الدعاءُ .
16. المصائبُ مراهمُ للبصائرِ وقوَّةٌ للقلبِ .
17. إنَّ مع العُسْرِ يُسْراً .
18. لا تقضِ عليك التوافِهُ .
19. إن رَّبك واسعُ المغفرةِ .
20. لا تغضبْ ، لا تغضبْ ، لا تغضبْ .
21. الحياةُ خبزٌ وماءٌ وظلٌّ ، فلا تكترثْ بغير ذلك .
22. ﴿ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ .
23. أكثر ما يٌخافْ لا يكونُ .
24. لك في المصابين أُسوةٌ .
25. إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهُمْ .
26. كَرِّرْ أدعيةَ الكَرْبِ .
27. عليك بالعملِ الجادِّ المثمرِ ، واهجرِ الفراغ .
28. اتركِ الأراجيف ، ولا تصدقْ الشائعاتِ .
29. حقدُكَ وحرصُك على الانتقامِ يضُرُّ بصِحَّتِكَ أكثر مما يَضُرُّ الخصّمُ .
30. كلُّ ما يصيبك فهو كفَّارةٌ للذنوبِ .
***********************************
ولِم الحزنُ وعندك ستَّةُ أخلاطٍ ؟
ذكر صاحبُ ( الفرجِ بعد الشدةِ ) : أنَّ احدَ الحكماءِ ابتُليَ بمصيبةٍ ، فدخلَ عليه إخوانُه يعزُّونَهُ في المصابِ ، فقال : إني عملتُ دواءً من ستةِ أخلاطٍ . قالوا : ما هي ؟ قال : الخلطُ الأولُ : الثقةُ باللهِ . والثاني : علمي بأنَّ كلَّ مقدور كائنٌ . والثالثُ : الصبرُ خيرٌ ما استعملهُ الممتحنُون . والرابعُ : إنْ لم أصبرْ أنا فأيًّ شيء أعمل ؟! ولم أكنْ أُعين على نفسي بالجزع . والخامسُ : قد يمكنُ أن أكون في شرٍّ مما أنا فيه . والسادسُ : من ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ .
**********************************
لا تَحْزَنْ إذا واجهتْكَ الصعابُ وداهمتْك المشاكلُ واعترضتك العوائق ، واصبر وتحمَّلُ
إنْ كانَ عندك يا زمانُ بقيَّةٌ
مما تُهينُ بهِ الكرامَ فهاتِها
إنَّ الصبر أرفقُ من الجزعِ ، وإنَّ التحمل أشرفُ من الخورِ ، وإن الذي لا يصبرُ اختياراً سوف يصبرُ اضطراراً .
وقال المتنبي :
رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتى
فؤادي في غشاءٍ من نبالِ
فصرتُ إذا أصابتني سهامٌ
تكسَّرتِ النصالُ على النصالِ
فعشتُ ولا أُبالي بالرزايا
لأني ما انتفعتُ بأنْ أُبالي
وقال أبو المظفر الأبيوردي :
تنكَّرَ لي دهري ولم يدرِ أنني
أَعِزُّ وأحداثُ الزمانِ تهُونُ
فبات يُريني الدهرُ كيف اعتداؤُهُ
وبِتُّ أُريهِ الصبر كيف يكونُ
إن الكوخ الخشبيَّ ، وخيمةَ الشَّعْرِ ، وخبز الشعيرِ ، أعزُّ وأشرفُ – مع حفظِ ماءِ الوجهِ وكرامةِ العِرْضِ وصوْنَ النفسِ – من قَصْرٍ منيفٍ وحديقةٍ غنَّاءَ مع التعكيرِ والكَدَرِ .
المحنةُ كالمرض ، لابدَّ له من زمن حتى يزول ، ومن استعجل في زوالهِ أوشك أن يتضاعف ويستفحل ، فكذلك المصيبةُ والمِحْنَةُ لابدَّ لها من وقتٍ ، حتى تزول آثارُها ، وواجبُ المبتلي : الصبرُ وانتظارُ الفرجِ ومداومةُ الدُّعاءِ .
*******************************
وقفـــة
﴿ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ . ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ﴾ . ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ . ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ . ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ . ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ . ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ . ﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾ . ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ . ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ . ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ .
قال الشاعرُ :
متى تصفُو لك الدنيا بخيرٍ
إذا لم ترض منها بالمزاجِ
ألم تر جوهر الدنيا المصفَّى
ومخرجهُ من البحرِ الأُجاجِ
ورُبَّ مُخيفةٍ فجأتْ بِهوْلٍ
جرتْ بمسرَّةٍ لك وابتهاجِ
ورُبَّ سلامةٍ بَعْدَ امتناعٍ
وربَّ إقامةٍ بَعْدَ اعوِجاجِ
*************************************
وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ
إنّ من أسباب السعادة : الانقطاع إلى مطالعة الكتاب ، والاهتمام بالقراءة ، وتنمية العقلِ بالفوائدِ .
والجاحظ يُوصِك بالكتاب والمطالعة ، لتطرد الحزن عنك فيقول :
والكتاب هو الجليسُ الذي لا يُطرِيك ، والصديقُ الذي لا يُغرِيك ، والرفيقُ الذي لا يَمَلُّك ، والمستميحُ الذي لا يستريثك ، والجارُ الذي لا يستبطيك ، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملقِ ، ولا يعاملُك بالمكْر ، ولا يخدعُك بالنفاق ، ولا يحتالُ لك بالكذِبِ .
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك ، وشحذ طباعك ، وبسط لسانك ، وجوَّ بنانك ، وفخَّم ألفاظك ، وبحبح نفسك ، وعمَّرَ صدرك ، ومنحك تعظيم العوامِّ ، وصداقة الملوك ، وعرفت به شهرٍ ما لا تعرفه من أفواهِ الرجال في دهْرٍ ، مع السلامة من الغُرْمِ ، ومن كدِّ الطلب ، ومن الوقوفِ ببابِ المكتسب بالتعليم ، ومن الجلوس بين يدي مَن أنت أفضلُ منه خُلُقاُ ، وأكرمُ منه عِرقاً ، ومع السلامة من مجالسة البغضاء ، ومقارنة الأغنياء .
والكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ، ويطيعك في السفر كطاعته في الحضَرِ ، ولا يعتلُّ بنومٍ ، ولا يعتريهِ كَلَلُ السهرِ ، وهو المعلِّمُ الذي إن افتقرت إليه لم يخْفِرْك ، وإن قطعت عنه المادة لم يقطعْ عنك الفائِدةَ ، وإن عزلته لم يدعْ طاعتك ، وإن هبَّت ريحُ أعاديك لم ينقلبْ عليك ، ومتى كنت معه متعلِّقاً بسبب أو معتصماً بأدنى حبْل كان لك فيه غنىً من غيره ، ولم تضرَّك معه وحشةُ الوحدة إلى جليسِ السوءِ ، ولو لم يكن من فضله عليك وإحسانه إليك إلاَّ منْعُه لك من الجلوس على بابِك ، والنظرُ إلى المارة بك . مع ما في ذلك من التعرُّض للحقوق التي تلزم ، ومن فضولِ النظرِ ، ومن عادةِ الخوْضِ فيما لا يعنيك ، ومن ملابسةِ صغارِ الناسِ ، وحضورِ ألفاظهم الساقطة ، ومعانيهم الفاسدة ، وأخلاقِهم الرديئة ، وجهالاتهم المذمومة . لكان في ذلك السلامةُ ثم الغنيمةُ ، وإحرازُ الأصل مع استفادةِ الفرْعِ ، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه يشغلك عن سخف المُنى ، وعن اعتياد الراحةِ وعن اللَّعبِ ، وكل ما أشبه اللعب ، لقد كان على صاحبه أسبغ النعمة وأعظم المِنَّةَ .
وقد علمنا أن أفضل ما يقطع به الفُرَّاغُ نهارهم ، وأصحاب الفكاهات ساعاتِ ليلهم : الكتابُ ، وهو الشيء الذي لا يُرى لهم فيه مع النيل أثر في ازدياد تجربة ولا عقل ولا مروءة ، ولا في صوْن عِرض ، ولا في إصلاح دينٍ ، ولا في تثمير مال ، ولا في رب صنيعةٍ ولا في ابتداءِ إنعامٍ .
* أقوالٌ في فضل الكتاب :
وقال أبو عبيدة : قال المهلَّب لبنيه في وصيته : يا بَنِيَّ ، لا تقوموا في الأسواق إلا على زرَّاد أو ورَّاق .
وحدّثني صديق لي قال : قرأتُ على شيخ شامي كتاباً فيه من مآثرِ غطفان ، فقال : ذهبتِ المكارم إلا من الكتب . وسمعتُ الحسن اللؤلؤي يقول: غبرتُ أربعين عاماً ما قِلتُ ولا بتُ ولا اتكأتُ ، إلا والكتاب موضوع على صدري .
وقال ابن الجهم : إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم . وبئس الشيء النوم الفاضل عن الحاجة . تناولتُ كتاباً من كتب الحِكم ، فأجدُ اهتزازي للفوائد ، والأريحية التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة ، والذي يغشى قلبي من سرور الاستبانة ، وعزُّ التبين أشدُّ إيقاظاً من نهيقِ الحميرِ ، وهدَّةِ الهَدْمِ .
وقال ابنُ الجهم : إذا استحسنتُ الكتاب واستجدتُه ، ورجوتُ منه الفائدة ، ورأيتُ ذلك فيه ، فلو تراني وأنا ساعة بعد ساعة أنظرُ كم بقي من ورقة مخافة استنفاده ، وانقطاع المادة من قلبه ، وإن كان المصحفُ عظيم الحجمِ كثير الورقِ كثير العددِ فقد تمَّ عيشي وكمل سروري .
وذكر العتبي كتاباً لبعض القدماء فقال : لولا طولُه وكثرةُ ورقِهِ لنسختُه . فقال ابن الجهم : لكني ما رغَّبني فيه إلا الذي زهَّدك فيه ، وما قرأتُ قطُّ كتاباً كبيراً فأخلاني من فائدة ، وما أحصي كم قرأتُ من صغار الكتب فخرجتُ منها كما دخلتُ ! .
وأجلُّ الكتب وأشرفها وأرفعها : ﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ .
* فوائد القراءة والمطالعة :
1. طردً الوسواسِ والهمِّ والحزنِ .
2. اجتنابُ الخوضِ في الباطلِ .
3. الاشتغالُ عن البطَّالين وأهلِ العطالةِ .
4. فتْقُ اللسان وتدريبٌ على الكلام، والبعدُ عن اللَّحْنِ، والتحلِّي بالبلاغةِ والفصاحةِ.
5. تنميةُ العَقْلِ ، وتجويدُ الذِّهْنِ ، وتصفيةُ الخاطِرِ .
6. غزارةُ العلمِ ، وكثرةُ المحفوظِ والمفهومِ .
7. الاستفادةُ من تجاربِ الناسِ وحكمِ الحكماءِ واستنباطِ العلماءِ .
8. إيجادُ المَلَكَةِ الهاضمةِ للعلومِ ، والمطالعةُ على الثقافات الواعية لدورها في الحياة .
9. زيادةُ الإيمانِ خاصَّةً في قراءة كتبِ أهلِ الإسلامِ ، فإن الكتاب من أعظم الوعَّاظ ، ومن أجلِّ الزاجرين ، ومن أكبر الناهين ، ومن أحكمِ الآمرين .
10. راحةٌ للذِّهن من التشتُّتِ ، وللقلب من التشرذُمِ ، وللوقتِ من الضياعِ .
11. الرسوخُ في فَهْمِ الكلمةِ ، وصياغةِ المادةِ ، ومقصودِ العبارةِ ، ومدلولِ الجملةِ ، ومعرفةِ أسرارِ الحكمةِ .
فروحُ الروحِ أرواحُ المعاني
وليس بأنْ طعمت ولا شربتا
***********************************
وقفــة
مرض أبو بكرٍ رضي الله عنه فعادوه ، فقالوا : ألا ندعو لك الطبيب ؟ فقال : قد رآني الطبيب . قالوا : فأيُّ شيء قال لك ؟ قال : إني فعّالٌ لما أريدُ .
قال عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه : وجدنا خَيْرَ عيشنِا بالصبرِ .
وقال أيضاً : أفضلُ عيشٍ أدركناه بالصبر ، ولو أنَّ الصبر كان من الرجالِ كان كريماً .
وقال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا إن الصَّبْرَ من الإيمان بمنزلة الرأسِ من الجسدِ ، فإذا قُطع الرأسُ بار الجسمُ ، ثم رَفَعَ صوتَه فقال : إنه لا إيمان لمن لا صَبْرَ له . وقال : الصبرُ مطيَّةٌ لا تَكْبُو .
وقال الحسن : الصبر كَنْزٌ من كنوزِ الخيرِ ، لا يعطيه اللهُ إلا لعبدٍ كريمٍ عنده .
وقال عمرُ بنُ عبدالعزيز : ما أنعم اللهُ على عبدٍ نعمةً ، فانتزعَها منه ، فعاضه مكانها الصبر ، إلاَّ كان ما عوَّضه خيراً مما انتزعهُ .
وقال ميمون بنُ مهران : ما نال أحد شيئاً من ختمِ الخيرِ فيما دونه إلا الصبر .
وقال سليمان بنُ القاسم : كلُّ عمل يُعرف ثوابه إلا الصبرَّ ، قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ قال : كالمال المنهمر .
*****************************
لا تحزنْ لأنَّ هناك مشهداً آخر وحياةً أخرى ، ويوماً ثانياً
يجمع الله فيه الأوَّلين والآخرين ، وهذا يجعلك تطمئنُّ لعدلِ اللهِ ، فَمَنْ سُلِبَ مالُه هنا وجده هناك ، ومن ظُلم هنا أُنصف هناك ، ومن جار هنا عُوقِب هناك !!
نُقل عن « كانت » الفيلسوف الألماني أنه قال : (( إن مسرحيَّة الحياة الدنيا لم تكتملْ بَعْدُ ، ولابدَّ من مشهدٍ ثانٍ ؛ لأننا نرى هنا ظالماً ومظلوماً ولم نجدْ الإنصاف ، وغالباً ومغلوباً ولم نجد الانتقام ، فلابدَّ إذن من عالمٍ آخر يتمُّ فيه العَدْلُ )) .
قال الشيخ علي الطنطاوي معلِّقاً : وهذا الكلام اعتراف ضمني باليوم الآخر والقيامة ، من هذا الأجنبي .
إذا جارَ الوزيرُ وكاتبِاهُ
وقاضي الأرضِ أجحف في القضاءِ
فَوَيْلٌ ثم وَيْلٌ ثُمَّ ويْلٌ
لقاضي الأرضِ من قاضي السماءِ
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ .
*********************************
أقوالٌ عالميةٌ ونُقولاتٌ من تجاربِ القومِ
كتب « روبرت لويس ستيفنسون » : (( فكل إنسان يستطيع القيام بعمله مهما كان شاقّاً في يوم واحد ، وكل إنسانٍ يستطيعُ العيش بسعادة حتى تغيب الشمسُ . وهذا ما تعنيه الحياة )) .
قال أحدهم : (( ليس لك من حياتِك إلا يومٌ واحد ، أمس ذهب ، وغَدٌ لم يأتِ )) .
كتب « ستيفن ليكوك » : فالطفل يقول : حين أصبح صبيّاً ، والصبيُّ يقول : حين أُصبح شابّاً . وحين أُصبح شابّاً أتزوج . ولكن ماذا بعد الزواج؟ وماذا بَعْدَ كل هذه المراحل؟ تتغيرُ الفكرة نحو : حين أكون قادراً على التقاعُد . ينظر خلفه ، وتلفحه رياح باردة ، لقد فقد حياته التي ولَّت دون أن يعيش دقيقةً واحدة منها ، ونحن نتعلَّم بعد فواتِ الأوانِ أنَّ الحياة تقعُ في كل دقيقة وكلِّ ساعة من يومنا الحاضرِ )) .
وكذلك المسوّفُون بالتوبة .
قال أحد السلف : (( أنذرتُكم ( سوف ) ، فغنها كلمةٌ كم منعت من خير وأخَّرت من صلاح )) .
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ .
يقول الفيلسوف الفرنسي « مونتين » : (( كانت حياتي مليئة بالحظِّ السيئ الذي لم يرحمْ أبداً )) .
قلتُ : هؤلاء لم يعرفوا الحكمة من خلْقهم ، على الرغم من ذكائهم ومعارفهم ، لكن لم يهتدوا بهدي الله الذي بعث به رسوله ، ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ . ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ .
يقول : « دانسي » : (( فكِّرْ إن هذا اليوم لن ينبثق ثانيةً )) .
قلتُ : وأجملُ منه وأكملُ حديث : (( صلِّ صلاةَ مودِّعٍ ))
ومن جعل في خلدِهِ أن هذا اليوم الذي يعيشُ فيه آخرُ أيامِهِ ، جدَّدَ توبته ، وأحسن عمله ، واجتهد في طاعِة ربِّهِ واتباعِ رسولِهِ .
كتب المثل المسرحي الهندي الشهير « كاليداسا » :
تحيةً للفجر
انظرْ إلى هذا النهار
لأنه هو الحياة ، حياة الحياة
في فترتِهِ ، تُوجد مختلفُ حقائقِ وجودِك
نعمةُ النُّمُوِّ
العملُ المجيدُ
وبهاءُ الانتصارِ
ولأن الأمس ليس سوى حُلُمٍ
والغَدُ ليس إلا رُؤًى
لكنَّ اليوم الذي تعيشه بأكمله يجعل الأمس حُلْماً جميلاً
وكل غد رؤيةً للأملِ
فانظر جيِّداً إلى هذا النهار
هذه هي تحية الفجر
*********************************
اسألْ نفسك هذه الأسئلة
أغلق الأبواب الحديديَّة على الماضي والمستقبل ، وعشْ دقائقَ يومِك :
1. هل أقصد أن أؤجِّل حياتي الحاضرة من أجل القلقِ بشأنِ المستقبلِ ، أو الحنينِ إلى (( حديقة سحرية وراء الأُفُقِ )) ؟
2. هل أجعل حاضري مريراً بالتطلُّعِ إلى أشياء حَدَيَثْ في الماضي ، حَدَثَتْ وانقضتْ مع مرورِ الزمنِ ؟
3. هل أستيقظُ في الصباحِ ، وقد صمَّمْتُ على استغلالِ النهارِ ، والإفادةِ القصوى من الساعات الأربعِ والعشرين المقبلة ؟
4. هل أستفيد من الحياة إذا ما عشتُ دقائق يومي ؟
5. متى سأبدأُ في القيام بذلك ؟ الأسبوع المقبل ؟ .. في الغدِ ؟ .. أو اليومَ ؟
6. اسألْ نفسك : ما اسوأُ احتمالٍ يمكنُ أنْ يَحْدُث ؟ ثم :
- جهِّزْ نفسك لقبولهِ وتحمُّلِهِ .
- باشْرِ بهدوءٍ لتحسين ذلك الاحتمالِ . ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ .
********************************
وقفــــة
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ . ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾ .
(( واعلم أن النصر مع الصبرِ ، وأن الفرج مع الكرْبِ ، وأنَّ مع العُسْرِ يُسْراً )) .
(( أنا عند ظنِّ عبدي بي فلْيَظُنَّ بي ما شاء )) .
﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ .
﴿ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾ .
﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ .
**************************************
الحزنُ يحطِّمُ القوَّة ويهدُّ الجسم
قال الدكتور « ألكسيس كاريل » الحائز على جائزة نوبل في الطبِّ : (( إن رجال الأعمالِ الذين لا يعرفون مجابهة القلقِ ، ويموتون باكراً )) .
قلتُ : كلُّ شيء بقضاءٍ وقدرٍ ، لكن قد يكون المعنى : أن من الأسباب المتلفة للجسم المحطِّمة للكيان ، هو القلقُ . وهذا صحيح .
(( والحزنُ أيضاً يثيرُ القُرْحة! )) :
يقول الدكتور « جوزيف ف . مونتاغيو » مؤلف كتاب (( مشكلة العصبية )) ، يقول فيه: (( أنت لا تُصاب بالقُرْحَةِ بسببِ ما تتناولُ من طعامٍ ، بل بسببِ ما يَأْكُلُك )) !!.
قال المتنبي :
والهمُّ يخترمُ الجسيم نحافةً
ويُشيبُ ناصية الغلامِ ويُهرِمُ
وطبقاً لمجلة « لايف » تأتي القُرْحَةُ في الدرجة العاشرةِ من الأمراض الفتَّاكة .
وإليك بعض آثارِ الحُزْنِ :
تُرجمت لي قطعة من كتاب الدكتور إدوار بودولسكي ، وعنوانه : (( دعِ القلق وانطلق نحو الأفضلِ )) إليك بعضاً من عناوين فصولِ هذا الكتاب :
• ماذا يفعلُ القلقُ بالقلبِ .
• ضغطُ الدمِ المرتفع يغذِّيه القلقُ .
• القَلَقُ يمكن أن يتسبب في أمراضِ الروماتيزم .
• خفِّفْ من قلقِك إكراماً لمعدتِك .
• كيف يمكن أن يكون القلقُ سبباً للبردِ .
• القلق والغدَّةُ الدرقيةُ .
• مصابُ السكري والقلقُ .
وفي ترجمة لكتاب د. كارل مانينغر ، أحد الأطباء المتخصصين في الطبِ النفسي ، وعنوانه : (( الإنسان ضدّ نفسه )) ، يقول : (( لا يعطيك الدكتور مانينغر قواعدَ حولَ كيفيةِ اجتنابِ القلقِ ، بل تقريراً مذهلاً عن كيف نحطمُ أجسادنا وعقولنا بالقلقِ والكبْتِ ، والحقدِ والازدراءِ ، والثورةِ والخوْفِ )) .
إن من أعظم منافع قوله تعالى : ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ : راحة القلب ، وهدوءَ الخاطِرِ ، وسعَةَ البالِ والسعادة .
وفي مدينة « بوردو » الفرنسية ، يقول حاكمها الفيلسوف الفرنسي « مونتين » : (( أرغبُ في معالجة مشاكلكم بيدي وليس بكبدي ورئتيَّ )) .
ماذا يفعل الحزنُ ، والهمُّ والحِقْدُ ؟
وضع الكتور راسل سيسيل – من جامعة « كورنيل » ، معهد الطب – أربعة أسبابٍ شائعة تسبب في التهابِ المفاصلِ :
1. انهيارُ الزواجِ .
2. الكوارثُ الماديةُ والحزنُ .
3. الوحدةُ والقلقُ .
4. الاحتقارُ والحِقْدُ .
وقال الدكتور وليم مالك غوينغل ، في خطاب لاتحاد أطباء الأسنان الأمريكيين : (( إن المشاعر غَيْرِ السارَّةِ مِثْل القلقِ والخوفِ .. يمكن أن تؤثر في توزيع الكالسيوم في الجسم ، وبالتالي تؤدي إلى تَلَفِ الأسنانِ )) .
وتناول أمورك بهدوء :
يقول دايل كارنيجي : (( إن الزنوج الذين يعيشون في جنوبِ البلادِ والصينيين نادراً ما يُصابون بأمراض القلبِ الناتجةِ عن القلقِ ؛ لأنهم يتناولون الأمور بهدوء )) .
ويقول : (( إن عدد الأمريكيين الذين يُقبلون على الانتحار هو أكثر بكثير من الذين يموتون نتيجة للأمراض الخمسة الفتَّاكة )) .
وهذه حقيقة مذهلة تكادُ لا تصدَّقُ !
حسِّنْ ظنَّك بربِّك :
قال وليم جايمس: ((إن الله يغفرُ لنا خطايانا، لكن جهازنا العصبي لا يفعل ذلك أبداً))!
ذكر ابن الوزير في كتابه «العواصم والقواصم» : ((إن الرجاء في رحمة الله - عزَّ وجلَّ - يفتح الأمل للعبدِ، ويقوِّيه على الطاعةِ ، ويجعلُه نشيطاً في النوافلِ سابقاً إلى الخيراتِ)) .
قلتُ : وهذا صحيح ، فإن بعض النفوس لا يصلحها إلا تذكُّر رحمة الله وعفوه وتوبته وحلمه ، فتدنو منه ، وتجتهدُ وتثابرُ .
إذا هامَ بِك الخيالُ :
يقول توماس أدسون : (( لا توجد وسيلةٌ يلجأُ إليها الإنسانُ هَرَباً من التفكير )) .
وهذا صحيح بالتجربة ، فإن الإنسان قد يقرأُ أو يكتبُ وهو يفكرُ ، ولكن من أحسن ما يحدُّ التفكير ويضبطه العملُ الجادُّ المثمرُ النافعُ ، فإن أهل الفراغ أهلُ خيالٍ وجنوحٍ وأراجيف .
****************************
رحِّبْ بالنَّقدِ البنِّاءِ
يقولُ أندريه مورو : (( إنَّ كلَّ ما يتفقُ مع رغباتِنا الشخصيةِ يبدو حقيقيّاً ، وكلَّ ما هو غيرُ ذلك يُثير غضبنا .
قلتْ وكذلك النصائح والنقدُ ، فالغالبُ أننا نحبُّ المدح ونَطْرَبُ لهُ ، ولو كان باطلاً ، ونكرهُ النقد والذّّمَّ ولو كان حقّاً وهذا عيبٌ وخطأٌ خطيرٌ .
﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ{48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ .
يقولُ وليمُ جايمس : (( عندما يتمُّ التوصلُّ إلى قرارٍ يُنفَّذُ في نفسِ اليومِ ، فإنك ستتخلَّص كليّاً من الهمومِ لبتي ستسيطرُ عليك فيما أنت تفكرُ بنتائجِ المشكلةِ ، وهو يعني أنك إذا اتخذت قراراً حكيماً يركزُ على الوقائعِ ، فامضِ في تنفيذِهِ ولا تتوقَّف متردِّداً أو قلِقاُ أو تتراجعٌ في خطواتِك ، ولا تضيَّعْ نفسك بالشكوكِ التي لا تلدُ غلاَّ الشكوك ، ولا تستمرَّ في النظرِ إلى ما وراءِ ظهرك )) .
واشدوا في ذلك :
ومٌشتَّتُ العزماتِ يُنفقُ عمرهُ
حيران لا ظفرٌ ولا إخفاقُ
وقال آخرُ :
إذا كنت ذا رأي فكنُ ذا عزيمةٍ
فإنَّ فساد الرأي أة تتردَّدا
إن الشجاعة في اتخاذِ القرارِ إنقاذ لك من القلقِ والاضطرابِ . ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ .
**************************************
لا تتوقفْ متفكِّراً أو متردِّداً
بل اعملْ وابذُلْ واهجرِ الفراغ
يقولُ الدكتورُ ريتشاردز كابوت : أستاذُ الطبِّ في جامعةِ ( هارفرد ) ، في كتابةِ بعنوان ( بم يعيشُ الإنسانُ ) : (( بصفتي طبيباً ، أنصحُ بعلاجِ ( العملِ ) للمرضى الذين يعانون من الارتعاشِ الناتجِ عن الشكوكِ والتردُّدِ والخوفِ .. فالشجاعةُ التي يمنحُها العملُ لنا هي مثلُ الاعتمادِ على النَّفسِ الذي جعله ( أمرسونُ ) دائم الرَّوعةِ )) .
﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ .
يقولُ جورج برناردشو : (( يمكنُ سرُّ التعاسةِ في أن يتاح لك وقتٌ لرفاهيةِ التفكيرِ ، فيما إذا كنت سعيداً أو لا ، فلا تهتمَّ بالتفكيرِ في ذلك بل ابق منهمكاً في العمل ، عندئذ يبدأُ دمُك في الدورانِ ، وعقُلك بالتفكيرِ ، وسرعان ما تُذهِبُ الحياةُ الجديدة القلق من عقلِك ! عملْ وابق منهمكاً في العملِ ، فإنَّ أرخص دواءٍ موجودٍ على وجهِ الأرضِ وأفضلُه )) .
﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ .
يقولُ دزرائيلي : « الحياةُ قصيرةٌ جداً ، لتكون تافهةً » .
وقال بعض حكماءِ العربِ : « الحياةُ أقصرُ من أن نقصِّرها بالشحناءِ » .
﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ{112} قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ{113} قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ .
أكثرُ الشائعاتِ لا صحَّة لها :
يقولُ الجنرالُ جورج كروك – وهو ربما أعظمُ محاربٍ هنديٍّ في التاريخ الأمريكيِّ – في صفحة 77 من مذكراته : « إنَّ كلَّ قلقِ وتعاسةِ الهنودِ تقريباً تصدرُ من مخيلتِهمْ وليس من الواقعِ » .
قال سبحانهُ وتعالى: ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ ﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ ﴾ .
يقولُ الأستاذُ هوكسْ – من جامعة « كولومبيا » - إنه اتخذ هذهِ الترنيمة واحداً من شعاراتِهِ : « لكلَّ علّةٍ تحت الشمس يُوجدُ علاجٌ ، أو لا يوجدُ أبداً ، فإنْ كان يوجدُ علاجٌ حاول أن تجدهُ ، وإن لم يكنْ موجوداً لا تهتمَّ بهِ » .
وفي حديثٍ صحيحٍ : (( ما أنزل اللهُ من داءٍ إلا أنزل له دواء علِمهُ من عَلِمَهُ وجهِلَهُ مَنْ جهِلَهُ )) .
الرفقُ يجنبُك المزالق :
قال أستاذٌ يابانيٌّ لتلاميذهِ : « الانحناءُ مثلُ الصَّفصاصِ ، وعدمُ المقاومةِ مثلُ البلُّوط » .
وفي الحديث : (( المؤمنُ كالخامةِ من الزرعِ ، تفيئُها الريحُ يَمْنَةً ويَسْرَةً )) .
والحكيمُ كالماءِ، لا يصطدمُ في الصخرةِ، لكنه يأتيها يَمْنَةً ويسْرَةُ ومِنْ فوقِها ومِنْ تحِتها.
وفي الحديثِ : (( المؤمنُ كالجملِ الأنِفِ ، لو أُنيخ على صخرةٍ لأناخ عليها )) .
ما فات لن يعود :
﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾ .
وقف الدكتورُ بول براندوني ، وألقى بزجاجةِ حليبٍ إلى الأرضِ ، وهتف قائلاً : « لا تبكِ على الحليب المُراق » .
وقالتِ العامَّة : الذي لم يُكْتَبْ لك عسيرٌ عليك .
وقال آدمُ لموسى عليهما السلامُ : أتلومني على شيءٍ كتبهُ اللهُ عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً ؟ قال رسولُ اللهِ : (( فحجَّ آدمُ موسى ، فحجَّ آدمُ موسى ، فحجَّ آدم موسى )) .
وابحث عن السعادةِ في نفسك وداخلكِ لا من حولِك وخارجِك .
قال الشاعرُ الإنجليزيُّ ميلتون : (( إنَّ العقل في مكانهِ وبِنفسِهِ يستطيعُ أن يجعل الجنة جحيماً ، والجحيم جنةً )) !
قال المتنبي :
ذو العقْلِ يشقى في النعيمِ بعقلِهِ
وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ
فالحياةُ لا تستحقُّ الحزن :
قال نابليونُ في « سانت هيلينا » : « لم أعرفْ ستة أيامٍ سعيدةِ في حياتي » !!
قال هشامُ بنُ عبدِالملكِ -الخليفةُ-:. « عددتُ أيام سعادتي فوجدتُها ثلاثة عَشَرَ يوماً »
وكان أبوه عبدُالملكِ يتأوَّه ويقولُ : « يا ليتني لمْ أتولَّ الخلافة » .
قال سعيدُ بنُ المسيبِ : الحمدُ للهِ الذي جعلهُمْ يفرُّرون إلينا ولا نفرُّ إليهم .
ودخل ابن السماكِ الواعظُ على هارون الرشيدِ ، فظمئ هارونُ وطلب شرْبة ماءٍ ، فقال ابنُ السماكِ : لو مُنعتَ هذهِ الشربة يا أمير المؤمنين ، أتفتديها بنصفِ ملكك ؟ قال : نعم . فلمّا شربها ، قال : لو مُنعت إخراجها ، أتدفعُ نصف ملكك لتخرُج ؟ قال : نعم . قال ابنُ السماكِ : فلا خير في ملكٍ لا يساوي شربة ماءٍ .
إنَّ الدنيا إذا خلتْ من الإيمانِ فلا قيمة لها ولا وزن ولا معنى .
يقولُ إقبالُ :
إذا الإيمانُ ضاع فلا أمانٌ
ولا دنيا لِمنْ لم يُحيي دينا
ومن رضي الحياة بغيرِ دينٍ
فقدْ جعل الفناء لها قرينا
قال أمرسونُ في نهايةِ مقالتهِ عن ( الاعتمادِ على النفسِ ) : « إنَّ النصر السياسيَّ ، وارتفاع الأجورِ ، وشفاءك من المرضِ ، أو عودة الأيامِ السعيدةِ تنفتحُ أمامك ، فلا تصدِّقُ ذلك ؛ لأنَّ الأمر لن يكون كذلك . ولا شيء يجلبُ لك الطمأنينة إلا نفسُك » .
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴾ .
حذَّر الفيلسوفُ الروائيُّ أبيكتويتوس : « بوجوب الاهتمامِ بإزالةِ الأفكارِ الخاطئةِ من تفكيرِنا ، أكثر من الاهتمامِ بإزالةِ الورمِ والمرضِ منْ أجسادِنا » .
والعجبُ أنَّ التحذير من المرض الفكريِّ والعقائديِّ في القرآن أعظمُ من المرضِ الجسمانيِّ ، قال سبحانه : ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ .
تبنِّى الفيلسوفُ الفرنسيُّ مونتين هذه الكلماتِ شعاراً في حياتِهِ : « لا يتأثرُ الإنسانُ بما يحدثُ مثلما يتأثرُ برأيِهِ حول ما يحدثُ » .
وفي الأثر : (( اللهم رضِّني بقضائك حتى أعلم أن ما أصابني لم يكنْ ليخطئني ، وما أخطأني لم يكن ليصيبني )) .
****************************************
وقفـــة ٌ
لا تحزنْ : لأنَّ الحزن يُزعجُك من الماضي ، ويخوِّفك من المستقبلِ ، ويُذهبُ عليك يومك .
لا تحزنْ : لأنَّ الحزن ينقبضُ له القلبُ ، ويعبسُ له الوجهُ ، وتنطفئُ منهُ الروحُ ، ويتلاشى معه الأملُ .
لا تحزنْ : لأنَّ الحزن يسرُّ العدوَّ ، ويغيظُ الصديق ، ويُشْمِت بك الحاسد ، ويغيِّرُ عليك الحقائق .
لا تحزنْ : لأنَّ الحزن مخاصمةٌ للقضاءِ ، وتبرُّمٌ بالمحتومِ ، وخروجٌ على الأنسِ ، ونقمةٌ على النعمةِ .
لا تحزنْ : لأنَّ الحزن لا يردُّ مفقوداً وذاهباً ، ولا يبعثُ ميِّتا ، ولا يردُّ قدراً ، ولا يجلبُ نفعاً .
لا تحزنْ : فالحزنُ من الشيطانِ والحزنُ يأسٌ جاثمٌ ، وفقرٌ حاضرٌ ، وقنوطٌ دائمٌ ، وإحباطٌ محقَّقٌ ، وإخفاقٌ ذريعٌ .
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ{4} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{6} فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ{7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ .
************************************
لا تحزنْ ما دمْتَ مؤمناً بالله
إنَّ هذا الإيمان هو سرُّ الرضا والهدوءِ والأمنِ ، وإنَّ الحَيْرَةَ والشقاءَ مع الإلحادِ والشكِّ . ولقدْ رأيتُ أذكياء – بل عباقرةً – خلتْ أفئدتُهمْ من نورِ الرسالِة ، فطفحتْ ألسنتُهمْ عنِ الشريعةِ .
يقولُ أبو العلاءِ المعرِّيُّ عنِ الشريعةِ : تناقضٌ ما لنا إلا السكوتُ له !!
ويقولُ الرازيُّ : نهاية إقدامِ العقولِ عِقالُ .
ويقولُ الجويني ، وهو لا يدري أين اللهُ : حيَّرني الهمدانيُّ ، حيرني الهمدانيُّ .
ويقولُ ابنُ سينا : إنَّ العقل الفعَّال هو المؤثِّرُ في الكونِ .
ويقولُ إيليا أبو ماضي :
جئتُ لا أعلمُ مِن أين ولكنيِّ أتيتُ
ولقد أبصرتُ قُدَّامي طريقاً فمشيتُ
إلى ير ذلك من الأقوالِ التي تتفاوتُ قُرباً وبُعداً عن الحقِّ .
فعلمتُ أنه بحسبِ إيمان العبدِ يسعدُ ، وبحسبِ حيْرِتِهِ وشكِّه يشقى ، وهذهِ الأطروحاتُ المتأخرةُ بناتٌ لتلك الكلماتِ العاتيةِ منذُ القِدم ، والمنحرفُ الأثيمُ فرعون قال : ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ . وقال : ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ .
ويا لها من كفريَّاتٍ دمَّرَتِ العالم .
يقولُ جايمس ألين ، مؤلفُ كتاب « مثلما يفكرُ الإنسانُ » : « سيكتشفُ الإنسانُ أنهُ كلما غيَّر أفكاره إزاء الأشياءِ والأشخاصِ الآخرين ، ستتغيرُ الأشياءُ والأشخاصُ الآخرون بدورِهِمْ .. دعْ شخصاً ما يغيِّرُ أفكارهُ ، وسندهشُ للسرعةِ التي ستتغيرُ بها ظروفُ حياتِهِ الماديةِ ، فالشيءُ المقدَّسُ الذي يشكِّل أهدافنا هو نفسنا .. » .
وعن الأفكارِ الخاطئةِ وتأثيرِها ، يقولُ سبحانه: ﴿بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً ﴾ . ﴿ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ .
ويقولُ جايمس ألين أيضاً : « وكلُّ ما يُحقِّقه الإنسانُ هو نتيجةٌ مباشرةٌ لأفكارهِ الخاصَّةِ .. والإنسانُ يستطيعُ النهوض فقطْ والانتصارَ وتحقيق أهدافِهِ منْ خلالِ أفكارِهِ ، وسيبقى ضعيفاً وتعِساً إذا ما رفض ذلك » .
قال سبحانه عن العزيمةِ الصادقةِ والفكرِ الصائبِ : ﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ ﴾ .
وقال : ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ .
*****************************************
لا تحزنْ للتوافِهِ فإنّ الدنيا بأسْرها تافهةٌ
رُمي أحدُ الصالحين الكبارُ بين براثِنِ الأسدِ ، فأنجاه اللهُ منه ، فقالوا له : فيم كنت تفكِّر ؟ قال : أفكِّر في لعابِ الأسدِ ، هلْ هو طاهرٌ أم لا !! . وماذا قال العلماءُ فيهِ .
ولقد ذكرتُ الله ساعة خوفِهِ
للباسلين مع القنا الخطَّارِ
فنسيتُ كلَّ لذائذٍ جيَّاشةٍ
يوم الوغى للواحدِ القهارِ
إنَّ الله – جلَّ في علاه – مايز بين الصحابةِ بحسبِ مقاصدهِمْ ، فقال : ﴿ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ﴾ .
ذكر ابنُ القيم أنَّ قيمة الإنسانِ همتُه ، وماذا يريدُ ؟! .
وقال أحدُ الحكماءِ : أخبرْني عن اهتمامِ الرجلِ أُخبرْكَ أيُّ رجلٍ هو .
ألا بلَّغ اللهُ الحمى من يريدُهُ
وبلَّغ أكناف الحِمى من يريدُها
وقال آخرُ :
فعادوا باللّباسِ وبالمطايا
وعدْنا بالملوكِ مصفَّدينا
انقلب قاربٌ في البحرِ ، فوقع عابدٌ في الماءِ ، فأخذ يوضِّئ أعضاءه عضواً عضواً ، ويتمضمضُ ويستنشقُ ، فأخرجهُ البحرُ ونجا ، فسئل عنْ ذلك ؟ فقال : أردتُ أن أتوضأ قبل الموتِ لأكون على طهارةٍ .
للهِ دَرُّك ما نسيت رسالةً
قدسيةً ويداك في الكُلاَّبِ
أفديكَ ما رمشتْ عيونُك رمشةُ
في ساعةُ والموتُ في الأهدابِ
الإمامُ أحمدُ في سكراتِ الموتِ يشيرُ إلى تخليلِ لحيتِهِ بالماءِ وهمُ يوضِّئونه !!
﴿ فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ﴾ .
***********************************
العفو العفوَ
فإنك إنْ عفوت وصفحتَ نلت عزَّ الدنيا وشرفَ الآخرةِ : ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ .
يقولُ شكسبيرُ : « لا توقدِ الفرن كثيراً لعدِّوك ، لئلاَّ تحرق به نفسك » .
فقلْ للعيونِ الرُّمدِ للشمسِ أعينٌ
تراها بحقٍّ في مغيبٍ ومطْلعِ
وسامحْ عيوناً أطفأ اللهُ نورها
بأبصارِها لا تستفيقُ ولا تعي
وقال أحدُهم لسالمِ بنِ عبدِالله بنِ عمر العالمِ التابعيِّ : إنك رجلُ سوء! فقال : ما عَرَفَني إلاَّ أنت .
قال أديبٌ أمريكيٌ : « يمكنُ أن تحطِّم العِصيُّ والحجارةُ عظامي ، لكنلنْ تستطيع الكلماتُ النيْل مني » .
قال رجل لأبي بكر : واللهِ لأسبنَّك سبّاً يدخلُ معك قبرك ! فقال أبو بكر : بلْ يدخلُ معك قبرك أنت !! .
وقال رجلٌ لعمروِ بن العاصِ : لأتفرغنَّ لحربِك . قال عمروٌ الآن وقعت في الشغلِ الشاغِلِ .
يقولُ الجنرالُ أيزنهاور: «دعونا لا نضيِّعُ دقيقةً من التفكيرِ بالأشخاصِ الذين لا نحبُّهم»
قالتِ البعوضةُ للنخلةِ : تماسكي ، فإني أريدُ أنْ أطير وأدَعَكِ . قالتِ النخلةُ : واللهِ ما شعرتُ بكِ حين هبطتِ عليَّ ، فكيف أشعرُ بكِ إذا طرتِ ؟!
قال حاتمٌ :
وأغفرُ عوراء الكريم ادِّخارهُ
وأُعرضُ عن شتْم اللئيمِ تكرُّما
قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾ . وقال تعالى : ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾ .
قال كونفوشيوس : « إنَّ الرجل الغاضب يمتلئ دائماً سُمّاً » .
وفي الحديثِ : (( لا تغضبْ ، لا تغضبْ ، لا تغضبْ )) .
وفيه : (( الغضبٌ جمرةٌ من النار )) .
إنَّ الشيطان يصرعُ العبدَ عند ثلاثٍ : الغضبِ ، والشَّهوةِ ، والغَفْلَةِ .
*****************************
العالم خُلِق هكذا
يقولُ ماركوس أويليوس – وهو من أكثر الرجالِ حكمةً ممن حكموا الإمبراطورية الرومانية – ذات يوم : « سأقابلُ اليوم أشخاصاً يتكلَّمون كثيراً ، أشخاصاً أنانيِّين جاحدين ، يحبُّون أنفسهم، لكن لن أكون مندهشاً أو منزعجاً من ذلك، لأنني لا أتخيلُ العالم من دونِ أمثالهم »!
يقولُ أرسطو : « إنَّ الرجل المثاليَّ يفرحُ بالأعمالِ التي يؤديها للآخرين ، وبخجلُ إن أدى الآخرون الأعمال لهُ ، لأن تقديم العطفِ هو من التفوقِ ، لكنْ تلقِّي العطفِ هو دليلُ الفشل » .
وفي الحديث : (( اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى )) .
والعليا هي المعطيةُ ، والسفلى هي الآخذةُ .
******************************************
لا تَحْزَنْ إذا كان معك كِسْرةُ خُبْزٍ
وغرفةُ ماءٍ وثوْبٌ يَسْتُرُكَ
ضلَّ أحدُ البحارةِ في المحيطِ الهادي وبقي واحداً وعشرين يوماً ، ولما نجا سألهُ الناسُ عن أكبرِ درسٍ تعلَّمه ، فقال : إنَّ أكبر درسٍ تعلمتُه منْ تلك التجربةِ هو : إذا كان لديك المال الصافي ، والطعامُ الكافي ، يجبُ أنْ لا تتذمَّر أبداً !
قال أحدُهم : الحياةُ كلُّها لقمةٌ وشَرْبَةٌ ، وما بقي فضلٌ .
وقال ابنُ الوردي :
مُلْكُ كِسرى عنهُ تُغني كِسرةٌ
وعنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوشلْ
يقولُ جوناثان سويفت : « إنَّ أفضل الأطباءِ في العالمِ همْ : الدكتورُ ريجيم، والدكتورُ هادئ ، والدكتورُ مرِح ، وإنَّ تقليل الطعامِ مع الهدوءِ والسرورِ علاجٌ ناجعٌ لا يسألُ عنه » .
قلتُ : لأنَّ السمنة مرضٌ مزمنٌ ، والبطنةُ تُذهبُ الفِطنةَ والهدوُء متعةٌ للقلبِ وعيدٌ للروحِ ، والمرحُ سرورٌ عاجلٌ وغذاءٌ نافعٌ .
*************************************
لا تحزَنْ من محنةٍ فقدْ تكونُ منْحة
ولا تحزنْ من بليَّةٍ فقد تكونُ عطية
قال الدكتورُ صموئيل جونسون : « إن عادة النظر إلى الجانبِ الصالحِ من كلِّ حادثةٍ ، لهو أثمنُ من الحصول على ألفِ جنيهٍ في السنةِ » .
﴿أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾.
وعلى الضدِّ يقولُ المتنبي :
ليت الحوادث باعتني التي أخذتْ
مني بحلمي الذي أعطتْ وتجريبي
وقال معاوية : لا حليم إلا ذو تجربة .
قال أبو تمامٍ في الأفشين :
كمْ نعمةٍ لله كانتْ عندهُ
فكأنها في غُربةٍ وإسارِ
قال أحدُ السَّلفِ لرجلٍ من المترفين : إني أرى عليك نعمةً ، فقيِّدْها بالشكرِ .
قال تعالى : ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ ، ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ .
***********************************
كن نفسك
يقولُ الدكتور جايمس غوردون غليلكي : « إنَّ مشكلة الرغبةِ في أنْ تكون نفسك ، هي قديمةٌ قِدَمَ التاريخ ، وهي عامَّةٌ كالحياةِ البشريةِ . كما أنَّ مشكلة عدمِ الرغبةِ هي في أن تكون نَفسك هي مصدرُ الكثيرِ من التوترِ والعُقدِ النفسيةِ » .
وقال آخر : « أنت في الخليقةِ شيءٌ آخرُ لا يشبهك أحدٌ ، ولا تشبهُ أحداً ، لأنَّ الخالق – جلّ في علاه – مايز بين المخلوقين » . قال تعالى : ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ .
كتب إنجيلو باتري ثلاثة عشَرَ كتاباً، وآلاف المقالاتِ حول موضوعِ «تدريبِ الطفلِ» ، وهو يقولُ : « ليس من أحدٍ تعِسٍ كالذي يصبو إلى أنْ يكون غيْر نفسهِ ، وغَيْرَ جسدهِ وتفكيرِه » .
قال سبحانه وتعالى : ﴿ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ .
لكلٍّ صفاتٌ ومواهبُ وقدراتٌ فلا يذوبُ أحدٌ في أحدٍ .
أَوْرَدَهَا سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِلْ
ما هكذا تُورَدُ يا سعْدُ الإبِلْ
إنكَ خُلقت بمواهب محدَّدةٍ لتودي عملاً محدَّداً ، وكما قالوا : اقرأ نفسكَ ، واعرف ماذا تقدِّمُ .
قال أمرسونُ في مقالتِهِ حول « الاعتمادِ على النفسِ » : « سيأتي الوقتُ الذي يصلُ فيه علمُ الإنسانِ إلى الإيمانِ بأنَّ الحَسَدَ هو الجَهْلُ ، والتقليدَ هو الانتحارُ ، وأن يعتبر نفسه كما هي مهما تكنِ الظروفُ ؛ لأنَّ ذاك هو نصيبُه . وأنهُ رغم امتلاءِ الكون بالأشياءِ الصالحةِ ، لنْ يحصل على حبَّةِ ذُرةٍ إلا بعد زراعةِ ورعايةِ الأرضِ المعطاةِ لهُ ، فالقوى الكامنةُ في داخلِهِ ، هي جديدةٌ في الطبيعةِ ، ولا أحد يعرفُ مدى قدرتِه ، حتى هو لا يعرفُ ، حتى يجرِّب » .
﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ .
*********************************
وقفــة
هذه آياتٌ تقوِّي من رجائِك ، وتشدُّ عَضُدَك ، وتحسِّنُ ظنَّك بريِّك .
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ .
﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ .
﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ .
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ .
﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44} فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ .
*****************************************
رُبَّ ضارةِ نافعةٌ
يقولُ وليم جايمس : « عاهاتُنا تساعدُنا إلى حدٍّ غَيْرِ متوقَّعٍ ، ولو لمْ يعشْ دوستيوفسكي وتولستوي حياةً أليمةً لما استطاعا أنْ يكتبا رواياتِهما الخالدةَ ، فاليُتمُ ، والعمى ، والغربةُ ، والفقرُ ، قد تكونُ أسباباً للنبوغِ والانجازِ ، والتقدمِ والعطاءِ » .
قد ينُعمُ اللهُ بالبلوى وإنْ عظمتْ
ويبتلي اللهُ بعض القومِ بالنعمِ
إنَّ الأبناء والثراءَ ، قد يكونون سبباً في الشقاءِ : ﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ .
ألَّف ابنُ الأثيرِ كُتبهُ الرائعة ، كـ : «جامعِ الأصولِ»، و «النهايةِ»، بسببِ أنهُ مُقْعَدٌ .
وألَّف السرخسي كتابه الشهير « المبسوط » خمسة عشر مجلَّداً ؛ لأنهُ محبوسٌ في الجُبِّ!
وكتب ابنُ القيم ( زاد المعاد ) وهو مسافرٌ !
وشرح القرطبيُّ ( صحيح مسلم ) وهو على ظهرِ السفينةِ !
وجُلُّ فتاوى ابنِ تيمية كتبها وهو محبوسٌ !
وجمع المحدِّثون مئاتِ الآلافِ من الأحاديثِ لأنهمْ فقراءُ غرباءُ .
وأخبرني أحدُ الصالحين أنه سُجن فحفظ في سجنِهِ القرآن كلَّه ، وقرأ أربعين مجلَّداً !
وأملى أبو العلاء المعري دواوينه وكُتُبه وهو أعمى !
وعمي طه حسين فكتب مذكّراته ومصنَّفاتِه !
وكم من لامعٍ عُزِل من منصبِه ، فقدَّم للأمةِ العلم والرأي أضفاف ما قدَّم مع المنصبِ .
يقولُ فرانسيسُ بايكون : « قليلٌ من الفلسفةِ يجعلُ الإنسان يميلُ إلى الإلحادِ ، لكنَّ التعمُّق في الفلسفةِ يقرِّب عقل الإنسان من الدِّينِ » .
﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ . ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ .
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾ .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ﴾ .
يقولُ الدكتورُ أ. أ . بريل : « إنّ أيَّ مؤمنٍ حقيقي لنْ يُصاب بمرضٍ نفسيٍّ » .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾ .
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ .
﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ .
**********************************
الإيمانُ أعظمُ دواء
يقول أبرزُ أطباءِ النفسِ الدكتورُ كارل جائغ في الصفحة (264) من كتابِهِ « الإنسانُ الحديثُ في بحثهِ عنِ الروحِ » : « خلال السنواتِ الثلاثين الماضيةِ ، جاء أشخاصٌ من جميعِ أقطارِ العالمِ لاستشارتي ، وقد عالجتُ مئاتِ المرضى ، ومعظمُهم في منتصفِ مرحلةِ الحياةِ ، أيْ فوق الخامسةِ والثلاثين من العمرِ ، ولمْ يكنْ بينهمْ من لا تعودُ مشكلتُه إلى إيجادِ ملجأ ديني يتطلَّع من خلالِهِ إلى الحياةِ ، وباستطاعتي أنْ أقول : إن كلاّ منهم مرِض لأَّنهُ فقد ما مَنحهُ الدينُ للمؤمنين ، ولم يُشْف من لمْ يستعِد إيمانه الحقيقيَّ » .
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ .
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ ﴾ .
﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ .
**************************************
اللهُ يجيبُ المُضْطرَّ
كاد المهاتما غاندي – الزعيمُ الهنديُّ بعد بوذا – ينهارُ لولا أنه استمدَّ الإلهام من القوةِ التي تمنحُها الصلاةُ ، وكيف لي أنْ أعلم ذلك ؟ لأنَّ غاندي نفسهُ قال : لو لمْ أصلِّ لأصبحتُ مجنوناً منذُ زمنٍ طويلٍ .
هذا وغاندي ليس مسلماً ، وإنما هو على ضلالةٍ ، لكنهُ على مذهبِ : ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ . ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ . ﴿ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ .
سبرتُ أقوال علماءِ الإسلامِ ومؤرخيهم وأدبائِهمْ في الجملةِ ، فلمْ أجدْ ذاك الكلام عن القلقِ والاضطرابِ والأمراضِ النفسيةِ ، والسببُ أنهم عاشوا من دينِهمْ في أمن وهدوءٍ ، وكانتْ حياتُهم بعيدةً عن التعقيدِ والتكلُّفِ : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ .
اسمعْ قول أبي حازمٍ ، إذْ يقولُ : « إنما بيني وبين الملوكِ يومٌ واحدٌ ، أما أمسِ فلا يجدون لذَّته ، وأنا وهُمْ منْ غدٍ على وَجَلٍ ، وإنما هو اليومُ ، فما عسى أن يكون اليومُ ؟! » .
وفي الحديثِ: (( اللهمَّ إني أسالُك خَيْرَ هذا اليومٍ : بركته ونَصْرَهُ ونُورَهُ وهدايتَهُ )).
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ ﴾ وقولٌه تعالى : ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾ .
وقال الشاعر :
فإنْ تكنِ الأيامُ فينا تبدِّلتْ
بِبُؤسى ونُعْمَى والحوداثُ تفعلُ
فما ليَّنتْ منّا قناةً صليبة
ولا ذللتنا للتي ليس تجملُ
ولكنْ رحلناها نفوساً كريمةً
تُحمَّلُ مالا يُستطاعُ فتحملُ
وقيْنا بحسنِ الصبر منَّا نفوسنا
وصحَّتْ لنا الأعراضُ والناسُ هُزَّلُ
﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{147} فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ﴾ .
****************************************
لا تحزنْ فالحياةُ أقصرُ ممَّا تتصوَّرُ
ذكر دايلْ كارنيجي قصَةَ رجل أصابَتْه قُرْحةٌ في أمعائه ، بلغ منْ خطورتِها أنَّ الأطباء حدَّدوا لهُ أوان وفاتِهِ ، وأوعزُوا إليه أنْ يجهِّزَ كَفَنَهُ . قال : وفجأة اتخذ « هاني » - اسم المريضِ – قراراً مدهشاً إنهُ فكَّرَ في نفسِهِ : إذا لم يبق لي في هذهِ الحياةِ سوى أمدٍ قصيرٍ ، فلماذا لا أستمتعُ بهذا الأمدِ على كلِّ وجه ؟ لطالما تمنيتُ أنْ أطوف حول العالمِ قبل أنْ يدركني الموتُ ، ها هو ذا الوقتُ الذي أحقِّق فيه أمنيتي . وابتاع تذكرة السفر ، فارتاع أطباؤه ، وقالوا له : إننا نحِذّرُك ، إنك إن أقدمت على هذهِ الرحلةِ فستدفنُ في قاعِ البحرِ !! لكنه أجاب : كلا لنْ يحدث شيءٌ من هذا ، لقدْ وعِدتُ أقاربي ألا يدفن جثماني إلا في مقابرِ الأسرةِ . وركب « هاني » السفينة ، وهو يتمثَّل بقولِ الخيامِ :
تعال نروي قصةً للبشرْ
ونقطعُ العمرَ بحُلْوِ السَّمَرْ
فما أطال النومُ عمراً وما
قصَّرَ في الأعمارِ طولُ السّهرْ
وهذه أبيات يقولها وثنٌّي غير مسلم .
وبدأ الرجلُ رحلةً مُشبعةً بالمرحِ والسرورِ ، وأرسل خطاباً لزوجتِهِ يقولُ فيه : لقد شربتُ وأكلتُ ما لذَّ وطاب على ظهرِ السفينِة ، وأنشدتُ القصائد ، وأكلتُ ألوان الطعامِ كلَّها حتى الدَّسِم المحظور منها، وتمتعتُ في هذه الفترةِ بما لم أتمتعْ به في ماضي حياتي. ثم ماذا؟!
ثم يزعمُ دايل كارنيجي أنَّ الرجل صحَّ من علَّتِهِ ، وأنَّ الأسلوب الذي سار عليه أسلوبٌ ناجعٌ في قهْرِ الأمراضِ ومغالبةِ الآلامِ !!
إنني لا أوافقُ على أبياتِ الخيَّامِ ، لأنَّ فيها انحرافاً عن النهج الرَّبانيِّ ، ولكنَّ المقصود من القصةِ : أن السرور والفرح والارتياح أعظمُ بكثيرٍ من العقاقيرِ الطبيَّة .
****************************************
اقنع واهدأ
قالَ ابنُ الروميِّ :
قرَّب الحِرْصُ مركباً لِشقيّ
إنما الحِرْصُ مركبُ الأشقياءِ
مرحباً بالكفافِ يأتي هنيئاً
وعلى المُتعباتِ ذيلُ العفاءِ
﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ .
يقول دايل كارنيجي : « لقدْ أثبت الإحصاءُ أنّ القَلَقَ هو القائلُ ( رقم1) في أمريكا ، ففي خلالِ سنِّي الحربِ العالميةِ الأخيرةِ ، قُتِلَ من أبنائِنا نحو ثُلُثِ مليون مقاتلٍ ، وفي خلالِ هذه الفترةِ نفسِها قضى داءُ القلبِ على مليونيْ نسمةٍ . ومن هؤلاءِ الأخيرين مليونُ نسمةٍ كان مرضهُمْ ناشئاً عنِ القلقِ وتوتُّرِ الأعصابِ » .
نعمْ إنَّ مرض القلبِ من الأسباب الرئيسيةِ التي حدتْ بالدكتورِ « ألكسيس كاريل » على أن يقول: «إن رجال الأعمالِ الذين لا يعرفون كيف يكافحون القلق ، يموتون مبكِّرين»
والسببُ معقولٌ ، والأجلُ مفروغٌ منه : ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ﴾ .
وقلَّما يمرضُ الزنوجُ في أمريكا أو الصينيون بأمراضِ القلبِ ، فهؤلاءِ أقوامٌ يأخذون الحياة مأخذاً سهلاً ليِّناً ، وإنك لترى أن عدد الأطباءِ الذين يموتون بالسكتةِ القلبيةِ يزيدُ عشرين ضِعْفاً على عددِ الفلاحين الذين يموتون بالعلَّة نفسِها ، فإنَّ الأطباء يحيوْن حياةً متوترةً عنيفةً ، يدفعون الثمن غالياً . « طبيبٌ يداوي الناس وهو عليلُ » !!
*******************************
الرضا بما حصل يُذهبُ الحُزْن
وفي الحديث : (( ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا )) .
إنَّ عليك واجباً مقدَّساً ، وهو الانقيادُ والتسليمُ إذا داهمك المقدورُ، لتكون النتيجةُ في صالحِك ، والعاقبةُ لك ؛ لأنك بهذا تنجو من كارثةِ الإحباطِ العاجلِ والإفلاسِ الآجلِ .
قال الشاعرُ :
ولما رأيتُ الشِّيْب لاح بعارضي
ومَفْرِقِ رأسي قلتُ للشَّيب مرحبا
ولو خِفْتُ أني إنْ كَفَفْتُ تحيتي
تنكَّب عني رُمْتُ أنْ يتنكبا
ولكن إذا ما حلَّ كُرْهٌ فسامحتْ
به النفسُ يوماً كان للكُرْهِ أذهبا
لا مفرَّ إلا أن تؤمن بالقدرِ ، فإنهُ سوف ينفُذُ ، ولو انسلخت من جلدِك وخرجت من ثيابِك !!
نُقِلَ عن إيمرسون في كتابه « القدرةُ على الإنجازِ » حيث تساءل : « منْ أين أَتَتْنا الفكرةُ القائلةُ : إن الحياة الرغدة المستقرةَ الهادئة الخالية من الصعابِ والعقباتِ تخلقُ سعداء الرجالِ أو عظماءهم ؟ إنَّ الأمر على العكسِ ، فالذين اعتادوا الرثاء لأنفسهِمْ سيواصلون الرثاءَ لأنفسهم ولو ناموا على الحريرِ ، وتقلَّبُوا في الدِّمقسِ . والتاريخُ يشهدُ بأنَّ العظمة والسعادة الخبيثُ ، وبيئاتٌ لا يتميزُ فيها بين طيبٍ وخبيثٍ ، في هذه البيئاتِ نَبَتَ رجالٌ حملوا المسؤولياتِ على أكتافِهم ، ولم يطرحوها وراء ظهورِهم » .
إنَّ الذين رفعوا علم الهدايةِ الربانيَّةِ في الأيامِ الأولى للدعوةِ المحمدية هم الموالي والفقراءُ والبؤساءُ ، وإنَّ جُلَّ الذين صادمُوا الزحف الإيمانيَّ المقدَّس همْ أولئك المرموقون والوجهاءِ والمترفون : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ . ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ . ﴿أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ . ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ . ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ . ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{31} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ﴾ .
وإني لأذكرُ بيتاً لعنترة ، وهو يخبرُنا أنَّ قيمته في سجاياه ومآثِرِهِ ونُبْلِهِ لا في أصلِهِ وعنصرِهِ ، يقولُ :
إن كنتُ فإني سيدٌ كَرَماً
أوْ أسود اللونِ إني أبيضُ الخُلُقِ
*****************************************
إنْ فقدت جارحةً من جوارحك
فقدْ بقيتْ لك جوارحُ
يقولُ ابنُ عباس :
إنْ يأخذِ اللهُ من عينيَّ نورهما
ففي لساني وسمعي منهما نورُ
قلبي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي عِوجٍ
وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثورُ
ولعلَّ الخير فيما حَصَلَ لك من المصابِ ، ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
يقولُ بشَّارُ بنُ بُرْدٍ :
وعيَّرني الأعداءُ والعيبُ فيهمو
فليس بعارٍ أن يُقال ضريرُ
إذا أبصر المرءُ المروءة والتُّقى
فإنَّ عمى العينينِ ليس يضيرُ
رأيتُ العمى أجراً وذُخراً وعِصْمةً
وإني إلى تلك الثلاثِ فقيرُ
انظرْ إلى الفرقِ بين كلامِ ابنِ عباسٍ وبشَّارِ ، وبين ما قاله صالحُ بن عبدالقدوسِ لمَّا عَمي :
على الدنيا السلامُ فما لشيخٍ
ضريرِ العينِ في الدنيا نصيبُ
يموتُ المرءُ وهو يُعَدُّ حيّاً
ويُخلِفُ ظنَّهُ الأملُ الكذوبُ
يُمنِّيني الطبيبُ شفاء عيني
فإنَّ البعض مِن بعضٍ قريبُ
إن القضاء سوف ينفذُ لا محالة ، على القابِل لهُ والرافضِ لهُ ، لكنَّ ذاك يُؤجَرُ ويسْعَدُ ، وهذا يأثمُ ويشقى .
كتب عمرُ بن عبدالعزيزِ إلى ميمون بن مهران : كتبت تعزّيني على عبدالملكِ ، وهذا أمرٌ لم أزل أنتظرهُ ، فلمّا وقع لم أُنكِرْهُ .
*********************************
الأيامُ دُولٌ
يُروى أنّ أحمد بن حنبل – رحمه الله- زار بقيَّ بن مخلدٍ في مرضٍ له فقال له : « يا أبا عبدالرحمن ، أبشرْ بثوابِ اللهِ ، أيامُ الصِّحِّةِ لا سُقمَ فيها ، وأيامُ السقمِ لا صحَّة فيها .. » .
والمعنى : أن أيام الصحةِ لا يعرضُ المرضُ فيها بالبالِ ، فتقوى عزائمُ الإنسانِ ، وتكثر آمالُه ، ويشتدُّ طموحُه . وأيامُ المرضِ الشديدِ لا تعرضُ الصحةُ بالبالِ ، فيخيِّم على النفسِ ضعف الأملِ ، وانقباض الهمَّةِ وسلطان اليأس . وقولُ الإمامِ أحمد مأخوذٌ من قولهِ تعالى : ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ{9} وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ{10} إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ .
قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ – رحمهُ اللهُ - : « يخبرُ اللهُ تعالى عن الإنسانِ وما فيهِ من الصفاتِ الذميمةِ ، إلا منْ رحم اللهُ من عبادِهِ المؤمنين ، أنه إذا أصابتْه شدَّةٌ بعد نعمةٍ ، حصل له يأسٌ وقنوطٌ من الخيرِ بالنسبةِ إلى المستقبلِ ، وكفرٌ وجحودٌ لماضي الحالِ ، كأنه لم ير خيراً ولم يرجُ فرجاً » .
وهكذا إن أصابتهُ نعمةٌ بعد نقمةٍ : ﴿ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ﴾ .
أي يقولُ : ما ينالني بعد هذا ضيمٌ ولا سوءٌ ، ﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾ .
أي فرح بما في يدِهِ ، بطرٌ فخورٌ على غيره . قال اللهُ تعالى : ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ .
***************************************
سيروا في الأرض
قال أحدُهُمْ : السفرُ يذهبُ الهموم .
قال الحافظُ الرامهرمزيُّ في كتابِهِ « المحدِّثُ الفاضلُ » ، في بيانِ فوائدِ الرحلةِ في طلبِ العلمِ والمتعِ الحاصلةِ بها ، ردّاً على من كرِه الرحلة وعابها ما يلي :
« ولو عَرَفَ الطاعنُ على أهلِ الرِّحلةِ مقدار لذَّةِ الرَّاحلِ في رحلتِهِ ونشاطِهِ عند فصولِهِ منْ وطنهِ ، واستلذاذِ جميعِ جوارحِهِ ، عند تصرُّفِ الأقطارِ وغياضِها ، وحدائِقِها ، ورياضِها ، وتصفُّح الوجوهِ ، ومشاهدةِ ما لمْ ير منْ عجائبِ البلدانِ ، واختلافِ الألسنةِ والألوانِ ، والاستراحةِ في أفياءِ الحيطانِ ، وظلالِ الغيطانِ ، والأكلِ في المساجدِ ، والشربِ من الأوديةِ ، والنومِ حيثُ يدركهُ الليلُ ، واستصحابِ منْ يحبُّهُ في ذاتِ اللهِ بسقوطِ الحشمةِ ، وتركِ التصنُّعِ ، وكلِّ ما يصلُ إلى قلبهِ من السرورِ عنْ ظفرِهِ ببغيتِهِ ، ووصولِهِ إلى مقصدِهِ ، وهجومِهِ على المجلسِ الذي شمَّرَ لهُ ، وقطع الشُّقَّةَ إليه – لعلَّمَهُ أنَّ لذَّاتِ الدنيا مجموعةٌ في محاسن تلك المشاهدِ ، وحلاوةِ تلك المناظرِ ، واقتناصِ تلك الفوائدِ ، التي هي عند أهلِها أبهى منْ زهرِ الربيعِ ، وأنفسُ من ذخائرِ العِقيانِ ، من حيثُ حُرِمها الطاعنُ وأشباهُهُ » .
قوِّضْ خيامك عنْ ربْهٍ أُهِنْت بهِ
وجانِبِ الذُّلَّ إنَّ الذُّلَّ يُجتَنَبُ
*******************************************
وقفـــةٌ
((إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمنْ رضي فله الرِّضا، ومنْ سخطَ فَلَهُ السَّخْطُ)) .
(( أشدُّ الناسِ بلاء الأنبياءُ ، ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ يُبتلى الرجلُ على قدرِ دينهِ ، فإنْ كان في دينهِ صلابةٌ أشتدَّ بلاؤه ، وإن كان في دينه رقَّةٌ ابتُلي على قدرِ دينه ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ ، حتى يتركهُ يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ )) .
(( عجباً لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَّهُ كلَّه خيرٌ !! وليس ذاك لأحدِ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْه سرَّاء شكر فكان خيراً له ، وإنْ أصابتهُ ضرَّاء صبر فكان خيراً له )) .
(( واعلمْ أنَّ الأمة لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبُ اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يضرُّوك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قدْ كتبهُ اللهُ عليك )).
(( يُبتلى الصالحون الأمثلُ فالأمثلُ )) .
(( المؤمنُ كالخامةِ من الزرعِ تُفيِّئُها الريحُ يَمنْةً ويَسْرةً )) .
يتبع لاحقا