منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رواد علم الاجتماع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-25, 05:31   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse تابع

5. يكاد يركز في فهمه وتفسيره لتطور العمران وتغيره على عدة عوامل أساسية ترتبط بالعصبية التي لا تلعب دورا أساسيا في بناء العمران واستمراره، في هذا يقرر (أن الاجتماع والعصبية بمثابة المزاج للمتكون، والمزاج في المتكون لا يصلح إذا تكافأت العناصر فلا بد من غلب أحدها وإلا لم يتم التكوين). فكأن الصراع القائم على التناقض أساس في تكوين العمران البشري واستمرار يته(1) كما تلعب السلطة السياسية المتمثلة في (الحاكم) دورا في الحفاظ على العمران، وفي تغييره كما هو مشار إليه في الفقرة السابقة مباشرة.
6. وأما عن أبرز عناصر وملامح منهجه فيمكن إيجازها فيما يلي:
أ‌- يؤكد (ابن خلدون) أن على الباحث ألا يقبل شيئا على أنه حق إلا بعد أن يتأكد بوضوح أنه كذلك. أي يجدر به ألا يتأثر بآراء مسبقة أو يتخذ من الأساطير وآراء الآخرين غير المؤكدة أساسا لدراسته. ولهذا كان (ابن خلدون) يقرأ لمفكري عصره وأسلافه بقصد المحاورة والكشف، يستشهد ويشكك وينتقد ويصحح وينتقي ويقارن ثم يأتي بالاستنتاج. وهو بصدد هذا يقول في مقدمته (فلا تثقن بما يلقى إليك من ذلك وتأمل الأخبار وأعرضها على القوانين الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه)(2).
ب‌- أكد على ضرورة الأخذ بمنهج المقارنة بين ماضي الظاهرة وحاضرها، ودراسة تطور الظاهرات والنظم العمرانية دراسة تاريخية، ذلك لأن العمران متطور متبدل.(3)
ج‌- يؤكد على أهمية وصول علم العمران إلى صوغ القوانين التي تحكم العمران لأن الوصول إلى هذه القوانين وظيفة من وظائف العلم. وفي هذا المعنى يرى أن الظاهرات العمرانية لا تشذ عن بقية ظاهرات الكون، وأنها محكومة في مختلف نواحيها بقوانين طبيعية تشبه القوانين التي تحكم ما عداها من ظاهرات الكون، كظاهرات العدد والفلك والطبيعة والكيمياء والحيوان والنبات.(4)
د‌- ركز على أهمية الملاحظة، التي تأتي عمليتها من مسلكيها التاليين:
& المسلك الأول: ويتمثل في القيام بملاحظات حسية وتاريخية قوامها جمع المواد الأولية لموضوع البحث من المشاهدات ومن بطون التاريخ.
& المسلك الثاني: ويتمثل في القيام بعمليات عقلية يجرها على هذه المواد الأولية ويصل بفضلها إلى الغرض الذي قصد إليه من هذا العلم، وهو الكشف عما يحكم الظاهرات العمرانية من قوانين.(5)
والخلاصة أن (ابن خلدون) حدد موضوع العلم بدراسة المجتمع الإنساني، ورأى أن هذا الموضوع يتحدد بما هو ضروري، وما هو اجتماعي، وأن هذا المجتمع، ليس ثابت الأحوال، وإنما هو دينامي ومتغير، يلعب الصراع بين العصبيات دورا بارزا في تغييره وتنميته، وحدد التوجه المنهجي لهذا العلم بالملاحظة والتحليل والتفسير في إطار تاريخي، حتى يمكن الوصول إلى القوانين التي تحكم هذا المجتمع.
لقد تألق ابن خلدون نظريا وعلميا، حين ركز على هذه الأبعاد والعمليات الهامة التي كانت ولا تزال من بين أبرز ما يميز علم الاجتماع عن غيره من علوم الإنسان والمجتمع. لكن اللافت للنظر أن هذا الطريق الذي سلكه لم يحاول آخرون السير فيه وتنميته، خاصة من العرب، ولو حدث ذلك لكان لعلم الاجتماع العربي مكان ذو شأن لا في تاريخ العلم فحسب، بل في حاضره ومستقبله أيضا.



(1) مهدي النجار، مصدر مذكور.
(2) المصدر السابق.
(3)،(4)،(5) أنظر: علي عبد الواحد وافي، (ابن خلدون أول مؤسس لعلم الاجتماع، بحث قدم إلى مهرجان ابن خلدون، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، 2 – 6يناير 1962م، ص64 – 78.