الحث على الإكثار من الصيام في شهر شعبان
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، بعثه الله في مكة وجعل مهاجره المدينة، فدعا إلى الله على بصيرة وجاهد في الله حق جهاده، وأتَمّ الله به النعمة على المؤمنين، وأكمل به الدين، فترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وإن من التعاون على البر والتقوى: أن تنصحوا ذوي الجرائم عن جرائمهم فإن انتهوا بهذه النصيحة فذلك من نعمة الله عليهم وعليكم وإن لَم ينتهوا بذلك فعليكم أن تبلّغوا وُلاة الأمور عنهم وحينئذٍ تنتقل المسؤولية عنكم إلى ذمّة ولاة الأمور ولا تتستَّروا على أحدٍ في جريمته، ولا تُقِرُّوا أحدًا على جريمته؛ فإن التستر والإقرار رضًى بذلك وإن لَم يكن رضًى باللسان فإنه رضًى بلسان الحال بل هو معونة لصاحب الجريمة وقد قال الله عزَّ وجل: ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2] .
وإني واثقٌ - وبالله عزَّ وجل الثقة - أننا إذا قمنا بهذا الأمر وتساعَدْنا على القضاء على الإجرام وأهله فإن الأمة سوف تستقيم وسوف يكون ذلك من مصلحة المجرم نفسه؛ لأنه يرتدع بذلك عمّا هو بصدد أن يفعله من الجريمة وهذا واللهِ خير له؛ لأنه وإن حصل عليه ما يؤلِمه في الدنيا أو ما يكون فيه تشويهٌ لسمعته فإنه إذا تاب إلى الله وأناب حسنت سمعته بين الناس وزال عنه سوء السمعة وسَلِمَ من عقوبة الآخرة؛ وبذلك يكون هذا الأمر مصلحة له على عكس ما يتوهَّمه ذوو البصائر الضعيفة الذين يظنُّون أن الستر على المجرم أولى بكل حال وليس الأمر هكذا .
أيها المسلمون، إننا في استقبال دخول شهر شعبان فإذا كانت الليلة الثلاثون من هذا الشهر من شهر رجب فتحرّوا الهلال فمَن رآهُ منكم فلْيُخبر به أقربَ محكمة إليه ليكون بذلك مُؤدِّيًا لِما يجب عليه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» فإذا كانت رؤية الشهر موجبة للصوم كان الإخبار بها واجبًا؛ لأن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، أما إذا لم تروه ليلة الثلاثين فإنه لا صيام تلك الليلة سواء كانت السماء صاحية أو كان عليها غيمٌ أو قترٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ أعني: إذا كانت الليلة الثلاثين من شعبان غيمٌ أو قترٌ فإنه لا صيام تلك الليلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا» .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُكثر من الصيام في شهر شعبان حتى كان يصومه إلا قليلاً منه وربما صامه كله؛ ولهذا ينبغي للإنسان الذي لا يُضعفه الصوم عن شيء مهمٍّ ينبغي له أن يُكثر من الصوم في شهر شعبان اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحتسابًا للأجر؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه، ومَن كان عليه شيء من قضاء رمضان فلْيُبادر به قبل أن يأتي رمضان المقبل؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - كانت تقول: «يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» وهذا دليلٌ على أنه لا يجوز للإنسان أن يؤخِّر قضاء رمضان الماضي إلى رمضان التالي، فمَن كان منكم عليه قضاء فلْيُبادر به قبل أن يأتي رمضان؛ لأن الصوم دَيْن كما شبَّهَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - به، والدَّيْن لا تبرأ به الذمة إلا بوفائه .
فبادروا - رحمكم الله - بقضاء ما عليكم من الشهر قبل أن يفوت الأوان فتأثموا بتأخيره .
«واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة» «فعليكم بالجماعة» وهي: الاجتماع على دين الله، أن تجتمعوا على هذا الدين ولا تتفرقوا فيه؛ فإن التفرّق في دين الله سواء بين الطاعات والمعاصي أو بين الاجتهادات بين أهل العلم، التفرّق لا ينبغي أن يكون في هذه الأمة بل الواجب على الأمة أن تتآلف على دين الله تعالى وشرعه، والإنسان المجتهد لا يؤخذ باجتهاده .
«إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة» «وكل ضلالة في النار» «فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، فمَن شَذَّ شَذَّ في النار» واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56] .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملَّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن أولاده وزوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عنَّا معهم بِمَنِّك وكرمك يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدْكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .
خطبة للامام محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
لقراءة كل الخطبة او استماعها من هنا
https://www.ibnothaimeen.com/all/khot...icle_260.shtml