شبهات ملحقة والرد عليها :
الشبهة الأولى : قالو :من شرع قانونا وعمل به فقد جعله دينا ومن بدل دين الإسلام فقد كفر.
والجواب على هذه الشبهة :
أن يقال: هل هذا المُقَنِّن (المُشّرِع على اصطلاحكم)) قد قَنَّن (شَرَّعْ عندكم) قانونا ثم نسبه إلى الله أو تعبد به الله حتى يقال أنه جعله دينا؟ إن كان كذلك فلا شك في كفره وقد سبق بيان ذلك.
أم أنه جعله دينا بمجرد عمله؟ إن هذا القول باطل مردود من عدة أوجه :
الوجه الأول : يلزم القائلين بذلك أن يحكموا على صاحب المعصية بنفس الحكم فلا فرق بين المقنن الذي يقنن الحرام وبين العاصي الذي يفعل الحرام فالأول سنه في كتاب بقلمه والثاني سنه في أفعاله بجوارحه فليلزم القائلين بذلك أن يحكموا على شارب الخمر مثلا بتبديل الدين بمجرد معصيته ويحكم على الزاني والسارق وأهل المعاصي جميعا بالكفر وتبديل الدين وهذا لا يقول به إلا الخوارج.
الوجه الثاني : لا يمكن أن يقال عن المُقَنِّن أنه جعل قانونه دينا ما لم يستحله أو يقصد به العبادة لإن معنى الدين راجع إلى معنى العبادة التي لا تكون إلا مع الخضوع ، والخوف والرجاء والمحبة.
فمعنى الدين شرعاً: ((هو اعتقاد قداسة ذات ، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلاً وحباً ، ورغبة ورهبة)(7)
الوجه الثالث : إن علماء السنة جميعا لم يجعلوا المُقَنِّن مبدلا لدينه بمجرد الفعل بل اشترطوا في ذلك نسبة ذلك القانون إلى الشرع(=إلى الدين)) أو الاستحلال إذ لو كان مجرد الفعل دينا وكفرا لما كان اشتراطهم لما سبق فائدة بل يكون إرجاء ,وقد تقدم كلام إسماعيل القاضي والجصاص في اليهود الذين بدلوا حكم الرجم كما سبق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الشرع المبدل كما في المبحث الرابع.
الوجه الرابع : إن الشريعة (=الدين)) تنقسم إلى عقائد وأحكام
قال الإمام السافريني: ((اعلم أن الملة المحمدية تنقسم إلى اعتقاديات وعمليات ، فالاعتقاديات هي التي لم تتعلق بكيفية عمل ، مثل : اعتقاد وجوب وجود القادر المختار ووحدانيته ، وتسمى أصلية أيضا . والعمليات هي ما يتعلق بكيفية العمل ، وتسمى فرعية ، فالمتعلق بالعملية علم الشرائع والأحكام ; لأنها لا تستفاد إلا من ( جهة ) الشرع ، فلا يسبق الفهم عند إطلاق الأحكام إلا إليها ، والمتعلق بالاعتقاديات هو علم التوحيد والصفات ، وعلم الكلام ، وعلم أصول الدين))) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية ج1/ص4
والمقنن (المشرع على إصطلاح العرفي) إما أن يشرع عقائد كأن يشرع الشرك والتعطيل والثالوث وما إلى ذلك من العقائد المخالفة للإسلام فهذا قد بدل الإيمان بالكفر فلا شك في كفره ولا شك في تبديله لدينه .
وفي هذا المعنى : أعني تبديل الدين من الإيمان إلى الكفر- : قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((من بدل دينه فاقتلوه)).( رواه البخاري في صحيحه(3/1098رقم2854)
قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: "من بدل دينه أو كفر بعد إيمان فأقام على الكفر والتبديل ولا فرق بين من بدل دينه فأظهر ديناً معروفاً، أو ديناً غير معروف".)كتاب الأم (6/146)
وإما أن يُشَرِّع أعمالا فهذا حكمه حكم الأعمال التي شرعها فإما أن تكون أعمالا مباحة كقوانين المرور والقوانين الإدارية المباحة ,وإما أن تكون واجبة كالصلاة والصيام فيؤجر صاحبها ,وإما أن تكون محرمة كالربا والزنا فيُؤْثم صاحبها ولا يكفر إلا إذا استحل أو قصد العبادة أو نسب ذلك إلى الدين , وإما أن تكون كفرا كترك الصلاة بالكلية والسجود للصنم وسب الله تعالى فيكفر صاحبها الكفر الأكبر المخرج من الملة. وقد سبق تفصيل ذلك في المبحث الثاني.
قال أبو الحسن المالكي : "ومن بدل بالارتداد وغير في العقائد كأهل الأهواء أو بالمعاصي ، لكن المبدِّل بالارتداد يخلد في النار ، والمبدِّل بالمعاصي في مشيئة الله تعالى حتى يمضي فيه مراده "كفاية الطالب (1/123-124