منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ادخلوا بسرعه ؟
الموضوع: ادخلوا بسرعه ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-21, 19:47   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
هدية
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية هدية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يفترض الفلاسفة على أن المعرفة تقـلل الشك.. وهذا الافتراض (الذي ظهر قبل الانترنت وثورة المعلومات) يقودني لتساؤلات كثيرة مثل: أي نوع من المعرفة؛ وكيف نحكم على صحة المعرفة؛ وهل هناك فرق بين المعرفة والمعلومة!؟
فنحن نعيش بالفعل في عصر انفجرت فيه المعلومات كطوفان هائل يكتسح كل شيء؛ وغدت مشكلتنا هذه الأيام ليس قلة المعلومات بل في أنها تتدفق بكميات اكبر وأعظم من أن نستطيع استيعابها ــ أو حتى نسمع بها.. فحتى مائة عام مضت كان الناس أميون مقتنعون بمعارفهم المحدودة والبسيطة؛ أما اليوم فكثرة المعلومات وتعدد الآراء جعلت الإنسان مشوشا في نواح عديدة.. انظر كم رأيا للأطباء والسياسيين ورجال العلم والدين.. كم نصيحة يلقيها الخبراء اليوم ويلغونها غدا!!
في عصر ما قبل الطباعة كانت المادة المكتوبة عزيزة و"ثـقيلة" مما تسبب في ضياع كثير من الإبداع البشرى؛ ولكن ما إن طبع يوهان غوتنبرج أول كتاب (في القرن الخامس عشر) حتى بدأ الكتاب ينزل من عليائه وتصبح المعرفة بسعر الورق الذي تطبع عليه. في كل عام يطبع من الكتب ما يفوق سكان الأرض، ومن الورق ما يغطي المحيطات واليابسة. ولو افترضنا أن احدنا عاش لمائة عام وقرأ في كل يوم كتاب ـ فلن يُـنهي أكثر من 36 ألف كتاب!
ولمن لا يعشق القراءة الجادة هناك ملايين المجلات "التعبانة" وتسعة آلاف قمر صناعي تبث ما يناسب كل ذوق وعقل ومزاج.. لا محدودية بعد اليوم؛ لم تعد المعلومة خاصة بالصفوة من المتعلمين.. أصبحت صناعة تغسل عقولنا صباح مساء!!
وكأننا اكتفينا بذلك حتى أتت الداهية الكبرى "الانترنت".. فهذه الشبكة اكتسحت -وستكسح- ما عداها بجاذبيتها وتنوعها واعتمادها الصوت والصورة.. ابرز ما يميز الانترنت تفاعلها الثنائي؛ فالمعلومات التي تأخذها من الكتاب أو التلفزيون أحادية الاتجاه لا تستطيع المشاركة فيها أو الاستزادة منها أو حتى تكييفها حسب ظروفك؛ أما الانترنت فبعكس ذلك فهي تأخذ منك وتعطي؛ تحيلك إلى فروع ومراجع بإمكانيات لا تنهي، وهي فوق ذلك تتكيف مع ظروفك والتكرار الذي تريد. الانترنت بدون شك نافذة غير محدودة للمعلومات لا يمكن مقارنتها بأي مكتبة ورقية؛ فإن كان شخص مثلي يفخر بأن لدية ألفي كتاب فإن موقعا واحدا على الإنترنت (مكتبة الكونجرس مثلا) يوفر 25 مليون كتاب؛ وأعظم سبعة مواقع توفر 100 مليون كتاب ــ جميعها البحث فيها أسهل من الألفين "إيــاها"!!
أمام هذا الطوفان المتدفق من المعلومات اتخذ الإنسان آلية دفاعية بسيطة.. فبدلا من "وجع الدماغ" ومتابعة ما يستجد أحاط نفسه بشرنقة ثقافية محدودة ومعلومات بالكاد تسير حياته اليومية. فقد أدرك بغريزة البقاء أن كثرة المعلومات تضر دماغه وتسبب خلالا في مفاهيم كثيرة تبناها وآلفها. أصبح الموظف البسيط يخاطب نفسه قائلا: إن كان أعظم الأطباء لا يستطيع الإحاطة بخـُمس ما يستجد في تخصصه فما بالي أنا!!؟
إن الشك والانعزالية ظاهرتان ملاحظتان في عصر المعلوماتية؛ وحتى إن سلمنا أن المعرفة تقلل الشك فإن غزارة المعلومات لا تعني ازدياد المعرفة بالضرورة؛ فالمعلومة شئ محفوظ ـ قد تردده كالببغاءـ أما المعرفة فهي إدراك وتطبيق لتلك المعلومة . دعني اضرب لك مثلا بسيطا؛ كان الصحابة في عصر الرسول لا يحفظون آية إلا ويطبقونها في حياتهم اليومية قبل تجاوزها لغيرها؛ أما اليوم فنرى أطفالا يحفظون القرآن (من الغلاف للغلاف) فلا يدركون قيمته فضلا عن تطبيق محتواة.. مثال أخر.. قضى الشيخان البخاري ومسلم حياتهما في البحث عن الأحاديث الصحيحة وتصنيفها. وقد يسافر احدهما لشهر أو شهران ـ ونحن نعرف مشقة السفر في تلك الأيام ـ من اجل حديث واحد؛ أما في هذا العصر فيملك شخص مثلي قرص ليزر ( بـ15 ريال ) عليه جميع كتب الأحاديث والتصانيف ويستطيع استخراج ما يريد بــ"طقة زر"... ومع هذا يعلوه الغبار من قلة الاستعمال!!
أنه العصر الوحيد الذي أصبحت فيه المعلومة هي المشكلة لا الحل !!