
~◘ الحديثُ الخامِس ◘~
عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ )) رواه البخاري ومسلم ،، وفي روايةٍ لمسلم : (( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدّ )) .
◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
وهذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الإسلام ، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها ، كما أنَّ حديث
(( الأعمال بالنيات )) ميزانٌ للأعمال في باطنها .. فكما أنَّ كُلَّ عمل لا يُرادُ به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب ، فكذلك كُلُّ عملٍ لا يكون عليه أمرُ الله ورسوله فهو مردود على عامله .. وكُلُّ مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شئ .
فالمعنى إذًا : أنَّ مَن كان عمله خارجًا عن الشرع ليس متقيدًا بالشرع فهو مردود .. وقوله (( ليس عليه أمرنا )) : إشارةٌ إلى أنَّ أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة ، فتكون أحكامُ الشريعة حاكمةً عليها بأمرها ونهيها ، فمَن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشريعة مُوافقًا لها فهو مقبول ، ومَن كان خارجًا عن ذلك فهو مردود .
والأعمالُ قِسمان : عِبادات و مُعاملات :
فأما ([ العبادات ]) : فما كان منها خارجًا عن حُكم الله ورسوله بالكلية فهو مردودٌ على عامله ، وعاملُه يدخل تحت قوله تعالى :(( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ )) الشورى/21 ،، فمَن تقرَّبَ إلى الله بعملٍ لم يجعله اللهُ ورسولُه قُربةً إلى الله فعملُه باطلٌ مردودٌ عليه ، وهو شبيهٌ بحال الذين كانت صلاتُهم عند البيت مُكاءً وتصدية ، وهذا كمَن تقرَّبَ إلى الله تعالى بسماع الملاهي أو بالرقص أو بكشف الرأس في غير الإحرام وما أشبه ذلك من المحدَثات التي لم يَشرع اللهُ ورسولُه التقرُّبَ بها بالكلية .. وليس ما كان قربةً في عبادةٍ يكون قربةً في غيرها مطلقًا ، فقد رأى النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - رجلاً قائمًا في الشمس فسأل عنه ، فقيل : إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم ، فأمره النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أن يقعد ويستظل وأن يُتِمَّ صومَه . رواه البخارىُّ ،، فلم يجعل قيامَه وبروزَه في الشمس قُربةً يوفي بنذرهما .. وقد رُوِىَ أنَّ ذلك كان في يوم جمعةٍ عند سماع خطبة النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وهو على المنبر ، فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ما دام النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يخطب ، إعظامًا لسماع خُطبة النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ولم يجعل النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ذلك قُربةً تُوفي بنذره ، مع أنَّ القيامَ عِبادةٌ في مواضع أُخَر : كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة ، والبُروز للشمس قُربةٌ للمُحْرِم ، فدلَّ على أنه ليس كل ما كان قُربةً في موطن يكون قُربةً في كل المواطن ، وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعةُ في مواضعها ..
وكذلك مَن تقرَّبَ بعبادةٍ نُهِىَ عنها بخصوصها كمَن صام يومَ العيد ، أو صلَّى وقت النهي ..