فأخبر النبىُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أنَّ هذه الهجرةَ تختلفُ باختلاف النيِّات و المَقاصِد بها ، فمَن هاجر إلى دار الإسلام حُبُّاً لله ورسوله ، ورغبةً في تعلُّم دين الإسلام وإظهار دينه ، حيث كان يعجز عنه في دار الشِّرك ، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقا ، وكفاه شرفًا وفخرًا أنَّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله .. ولهذا المعنى اقتصر في جواب الشرط على إعادته بلفظه ، لأنَّ حصولَ ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة .. ومَن كانت هجرتُه من دار الشِّرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يُصيبها ، أو امرأةً يَنكحها في دار الإسلام ، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه من ذلك .. فالأول تاجر ، والثاني خاطب ، وليس واحدٌ منهما بمهاجر .
وفي قوله :(( إلى ما هاجر إليه )) : تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا ، واستهانةٌ به حيث لم يذكره بلفظه .. وأيضًا فالهجرةُ إلى الله ورسوله واحدةٌ فلا تعدُّدَ فيها ، فلذلك أعاد الجوابَ فيها بلفظ الشرط .. والهجرةُ لأمور الدنيا لا تنحصر ، فلذلك قال : (( فهجرتُه إلى ما هاجر إليه )) يعني كائنًا ما كان .
قال ابن مسعود : ‹‹ لا تعلَّموا العِلمَ لثلاث لتُماروا به السُّفهاء ، أو لتُجادِلوا به الفُقَهاء ، أو لتصرفوا به وجوهَ الناسِ إليكم ، وابتغوا بقولكم وفِعلكم ما عند الله ، فإنه يبقى ويَذهبُ ما سواه ›› .