ثانياً : الديناميكا الاجتماعية :
تدور دراسات كونت فيالديناميكا الاجتماعية حول نظريتين أساسيتين هما :
أ. نظرية في تطور المجتمعات ( قانون المراحل الثلاثة ) .
ب. نظرية في تقدم الإنسانية.
1 - نظريةالتقدم:
يرى كونت أن التقدم الاجتماعي لابد وأن يكون خاضعا لقوانين ولعل هذهالفكرة كانت غائبة عن أذهان المفكرين السابقين الذين درسوا الحركات الاجتماعيةبوصفها ذبذبات أو اضطرابات وهو يرى أن انتقال الإنسانية من مرحلة إلى أخرى يكونعادة مصحوبا بتقدم أو تحسن يبدو في مظهرين:
1 - التقدم المادي.
2- التقدم في الطبيعة الإنسانية.
والتقدم المادي يكون أوضح وأسرع حركة وأسهلتحقيقا ، أما التقدم في الطبيعة الإنسانية فيكون واضحا في الطبيعة البيولوجيةوالعقلية ، وهو يرى أن الجانب العقلي من التقدم جانب أساسي وظاهر فالتاريخ يحكمهويوجهه نمو الأفكار .
ويرى كذلك أن الإنسان يبدو غالبا مشغولا بإشباع حاجاتمادية ولذلك فإن التقدم يكون واضحا وظاهرا بالفعل في مجال السيطرة على قوى الطبيعةلكن كونت يصر على أن النمو العقلي يؤدي إلى النمو المادي .
ولقد دعم كونتنظريته المتفائلة بقبوله النظرية التي تقول أن السمات التي يكتسبها الفرد خلالحياته يمكن أن تنتقل بالوراثة البيولوجية إلى الأبناء ، كما اعتقد كونت أن التطورالاجتماعي ما هو إلا استمرار للتقدم العام الذي يبدأ من مملكة النبات فالسلسلةالاجتماعية الكبرى تتطابق مع سلسلة الكائنات الكبرى وليس مع تتابع المراحل العمريةلكائن عضوي بسيط ويعد هذا الافتراض عنصرا أساسيا في نسق فكري يؤكد التقدم المستمر.
وتمثل الديناميكا الاجتماعية ما يعرف الآن في علم الاجتماع باسم التغيرالاجتماعي.
2- قانون المراحل الثلاثة :
يؤمن كونت بالتقدم أيالتحول إلى المجتمع المثالي مثله مثل غيره من فلاسفة عصره ، وعلى الرغم من ذلك فهويصر على أن هذا المجتمع لن يتحقق بالثورة السياسية بل عن طريق التطبيق المناسب لعلمأخلاقي جديد وهذا العلم أسماه علم الاجتماع ، سنة 1839م ، ولهذا أصبح كونت معروفابأنه الأب المؤسس لعلم الاجتماع " أرفع العلوم جميعا " والعلم الذي سوف يستخدمالمنهج العلمي الوضعي من خلال الملاحظة والتجريب والمقارنة من أجل فهم نظام ما ومنأجل دفع التطور ويتضمن التطور والوصول إلى المجتمع المثالي .
أما مرور فكرةالإنسان بمراحل تاريخية معينة هي المرحلة اللاهوتية والمرحلة الميتافيزيقيةوالمرحلة الوضعية (الإيجابية) . فقد أشار إلى أن تقدم المعرفة هو الأساس الذي ترتكزعليه نظريته في التطور من خلال (قانون المراحل الثلاث) والذي يعد أمرا حتميا فقط بلإنه أمر قطعي أيضا بالإضافة إلى ذلك فإن تقدم المعرفة لا نهائي بمعنى أننا دائمانقترب من المعرفة الوضعية الكاملة ولكننا لا ندركها مطلقا.
ولقد تناول كونتكل مرحلة من هذه المراحل بصورة أكثر تفصيلا:
1 - المرحلة الأولى: وهيالمرحلة اللاهوتية : حيث يعتقد الناس أن الموضوعات الجامدة ( التي لا حياة فيها)هي موضوعات حية
2 - أما المرحلة الثانية: وهي المرحلة الميتافيزقية : وهي الفترة التي حدث فيها تفسير للسببية بلغة القوى المجردة ، حيث تحل الأسبابوالقوى التجريدية محل الإرادات وتسود فكرة وجود كيان عظيم واحد هو الطبيعة .
3 - المرحلة الثالثة والأخيرة فهي المرحلة الوضعية أو الإيجابية : وتتميزهذه المرحلة بأنها مرحلة إيجابية يحل فيها العلم محل الخرافات حيث يطور البشر عمليةالتفسير بمصطلحات العملية الطبيعية والقوانين العلمية وعند هذه النقطة من تطورالمجتمع يصبح من الممكن التحكم في الأحداث الإنسانية ، ويعتقد كونت أو المدنيةالأوروبية قد وصلت بالفعل إلى المرحلة الوضعية من التحكم في الظروف الطبيعية وأصبحتعلى حافة الوضعية فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية .
ولا تظهر كل مرحلة منالمراحل السابقة صورة محددة من النمو العقلي فقط بل إن لكل مرحلة تطور مادي مماثل ،ففي المرحلة اللاهوتية تسود الحياة العسكرية وفي المرحلة الميتافيزيقية تسودالأشكال القانونية أما المرحلة الوضعية فهي مرحلة المجتمع الصناعي ، وهكذا يتمسككونت بأن التطور التاريخي يكشف عن حركة متوافقة للأفكار والمؤسسات . ويصور الشكلعرض مختصر لنمط المجتمع عند كونت والذي يشمل الاستاتيكا الاجتماعية والديناميكاالاجتماعية .
مراحل التطور الثلاث : الغائية والميتافيزقيةوالوضعية :
- التقدم وليد الضعف الإنساني .
- الحركة نحو سيطرة علمالاجتماع ( حكم علم الاجتماع).
- الصدام بين السلطات والكنسية والعسكرية .
فهو يرى أنه من خلال قانون المراحل الثلاثة أن العقل الإنساني أوالتفكير الإنساني قد انتقل في إدراكه لكل فرع من فروع المعرفة من الدور الديني إلى الدور الميتافيزيقي وأخيرا الدور الوضعي أو العلمي .
ويقصدبالدور الديني أن العقل كان يسير على أسلوب الفهم الديني بمعنى أنه يفسر الظواهربنسبتها إلى قوى غيبية خارجة عن الظاهرة نفسها كالآلهة والأرواح الشيطانية وماإليها كأن يفسر ظاهرة النمو في النبات بنسبتها إلى الله عز وجل ، ويقصد بأسلوبالفهم الميتافيزيقي أن العقل كان يفسر الظواهر بنسبتها إلى معان مجردة أو قوىميتافيزقية كأن يفسر ظاهرة النمو في النبات بنسبتها إلى قوة النبات . ويقصد بأسلوبالفهم العلمي أن العقل يذهب في تفسيره للظواهر بنسبتها إلى القوانين التي تحكمهاوالأسباب المباشرة التي تؤثر فيها كأن يفسر ظاهرة النمو بنسبتها إلى العواملالطبيعية والكيميائية والقوانين المؤلفة لهذه الظاهرة.