لقد كان كونت ينظر إلى المجتمع علىأنه وحدة حية ومركب معقد أهم مظاهره التعاون والتضامن ولذلك فهو من طبيعة عقليةوأما وظيفته الأخلاقية فإنها تابعة للوظيفة العقلية ولاحقة بها ومترتبة عليها ويرىكونت أن مبدأ التعاون والتضامن هو الذي يسيطر على المجتمع ويحكمه ويسمى لدى بعضالمفكرين المحدثين تقسيم العمل.
ولقد انتهى كونت في دراسة الاستاتيكاالاجتماعية إلى " قانون التضامن" والذي يطلق عليه " قانون التضامن الاجتماعي الماديوالروحي " وملخص هذا القانون أن مظاهر الحياة الاجتماعية تتضامن بعضها مع بضع وتسيرأعمال كل منها منسجمة مع أعمال ما عداها شأنها في ذلك شأن جسم الإنسان الذي يختص كلعضو منه بأداء وظيفة معينة ، وكما أن الوظائف الحيوية كلها تعمل بصفة تلقائية لحفظالمركب الحيوي والحرص على سلامته كذلك نظم المجتمع وعناصره تعمل متضامنة لتحقيقاستقرار الحياة الاجتماعية ودوام بقائها.
ويرى كونت أن مبدأ التضامنالاجتماعي لا يمكن أن يتحقق بصورة كاملة إلا إذا وجه المسئولون عنايتهم إلى إصلاحثلاثة نظم اجتماعية أساسية وهي نظام التربية والتعليم ونظام الأسرة والنظام السياسيفي الدولة . فنظام التعليم من شأنه أن يحارب الغرائز الفطرية ويهذب المشاعرالإنسانية ، أما النظام السياسي فمن شأنه أن يقاوم ما عسى أن ينشأ في جو المجتمع منتصادم بين مصالح الهيئات الاجتماعية ومن نزاع بين الطبقات حول مشاكل الإنتاج وكيفيةتوزيعه .
وبصدد إصلاح نظام التربية والتعليم يرى كونت أن المجتمع يحتاج إلىنظام من التربية العصرية يحل محل دراسة الآداب والنظريات المجردة وهذا النظام لابدوأن يقوم أولا على معرفة حقائق العلوم الوظيفية الجزئية ويقوم ثانيا على أسس علميةتنحوا بالنشئ بعيدا عن الجمود والعقم النظري ويؤهل الأفراد للمشاركة بصورة إيجابيةفيما يتطلبه المجتمع من وظائف جديدة . ويجب أن يكون للإعداد المهني معاهد جديدةخاصة ، كما قسم مراحل التعليم إلى ثلاثة مراحل ، مرحلة ابتدائية وإعدادية وعاليةوظيفتها إعداد الشباب لمواجهة حياتهم العملية.
كما أنه تناول الإصلاح الأسريويلاحظ أن تصوره مستمد من المذهب الكاثوليكي حيث يركز بصفة خاصة على الوظيفةالأخلاقية والتربوية ، وبالنسبة لإصلاح النظام السياسي تعرض كونت لوظيفة الحكومةوحللها وقرر أن هذه الوظيفة ليست سهلة الأداء وليست مقصورة فقط على تنظيم البوليسأو ضمان سلامة الشعب ونشر الأمن وليست كما كان يقال عنها في القرن الثامن عشر أنهاشر لابد منه بل على العكس من كل هذا فإن الحكومة هي أولى الوظائف الاجتماعية وأهمهاوهي دليل على مبلغ تقدم المجتمع وهذا التقدم مرهون بنظام هذه الهيئة ومبلغ انقيادالأفراد لها ومدى سلطتها عليهم فوظيفة الحكومة في نظره تقوم على مبدأ التضامن فيالمجتمع والحرص على وحدته .
ولقد تناول كونت النظام الاقتصادي حيث تعرضللنظريات السائدة ونقدها جميعا حيث نقد آراء مدرسة الفيزيوقراط وما تذهب إليه منإشاعة الحرية الاقتصادية ونادى بضرورة التدخل من جانب الحكومة لكي تقيم توازنامعقولا بين الأهداف الفردية وبين ما ينبغي أن تكون عليه المعاملات الاجتماعية ، كمانقد الإشتراكيين والشيوعيين واعترف بأنهم وفقوا في الوصول إلى بعض الحقائق ولميكونوا مخطئين في كل ما قالوه واتفق معهم في ضرورة تدخل الحكومة في العلاقاتالاقتصادية ، كما درس كونت الناحية الأخلاقية ورأى وجوب قيام علم وضعي هو علمالأخلاق ورأى أن هذا العلم لا يمكن تأسيسه إلا بعد قيام علم الاجتماع .
ولميفت كونت أن يدرس الناحية الدينية في المجتمع لأن المجتمع في حاجة ماسة إلى مجموعةمنظمة من العقائد يتفق عليها الأفراد جميعا وهذا لا يتأتى إلا إذا ألغينا الدياناتالقائمة وصهرناها في دين جديد ، أي أنه إلى جانب النظم السابقة وضع نظاما دينياجديدا هو الدين الوضعي ، ويدور هذا الدين حول عبادة الإنسانية كفكرة ، أي أن فكرةالإنسانية تحل في رأيه محل فكرة " الله " في الديانات المعروفة .