3 - فصل في رداءة أسلوبه
يتصف الشيخ ربيع المدخلي بعجلة غير محمودة في طرح آرائه والحط من مخالفيه، وهو سريع الانفعال والهيجان، وفيه حدة ملحوظة، ويثور لأدنى سبب، مما يدفعه إلى التلفظ بعبارات غير لائقة البتة، والمبالغة المذمومة في الوصف والخطاب، بالإضافة إلى التطرف في إصدار الأحكام، وقد سمعت للشيخ -عفا الله عنه- عبارات لا أرى من المناسب التفصيل في ذكرها هنا، ولكن سأكتفي بما هو مسجل في الأشرطة، فقد بلغ به الإسفاف في العبارة إلى حد يقِفُّ له شعر السامع، وله ألفاظ وعبارات غير مناسبة لم يراع فيها التأدب مع الرب جل وعلا، ولا توقير رسوله r، ولا الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم، فضلا عن غيرهم، ويصعب وصف أسلوبه للقارئ، ولذا فإني سأذكر عباراته كما جاءت في الأشرطة، وهي تعبر عن نفسها، فعلى سبيل المثال، قال في محاضرة له في أحد المساجد:
(الآن الذي لا يناطح الحكام عميل، ليه ربنا ما ناطح الحكام؟ ولماذا رسول الله ما كان يناطح هذه المناطحات؟...) اهـ([24]).
كذا قال، ولا أدري ما الذي أحوجه لاستعمال هذه الألفاظ وهذا الأسلوب؟
وقال في محاضرة أخرى:
(منهج الموازنات، والذي أنشأه القطبيون السروريون، فإن الإخوان ما أوصلهم ولا التبليغ ولا أهل البدع جميعاً ما أوصلهم الشيطان إلى هذه المكيدة وإلى هذا التفكير الخبيث، فأنشؤوا منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، لماذا؟ لحماية سيد قطب وحماية قيادات الإخوان المسلمين، فإذا كان هذا المنهج حق فإن أفجر الناس وأظلمهم على هذا المنهج: مالك، وسعيد بن المسيب، وقبله ابن عباس، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، والحمادان، والبخاري، ومسلم، وابن حبان، إلى آخره، كلهم أفجر الناس، وكتب الستة كلها قامت على الفجور والكذب والظلم، أنا ما أعرف مكيدة أخبث من هذه المكيدة على الإسلام، بل إن رسول الله على رأس هؤلاء، فرأس الظالمين رسول الله لأنه ما عنده ميزان، هذا الميزان الذي اخترعه الشيطان للقطبيين السروريين، ما فكر فيه فاجر على وجه الأرض، لا من اليهود، ولا من النصارى، ولا من أهل البدع، وجاؤوا يضربون به المنهج السلفي) اهـ([25]).
كذا قال الشيخ -عفا الله عنا وعنه- ونسأل الله العافية والسلامة.
وكان مرة يرد على من يصف عبادة الأصنام والأوثان بأنه شرك ساذج! فقال:
(... وأنا ذكرت في كتاب منهج الأنبياء إن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث وهناك في العالم دول وطواغيت، طواغيت: كسرى وقيصر والمقوقس وفلان وحكام (...)([26])، كم آية نزلت فيهم؟ يعني ربنا درويش والرسول درويش؟...)اهـ ([27]).
كذا قال، وهذا مستوى الشيخ في الأسلوب وأدبه في الألفاظ مع الله تبارك وتعالى ورسوله r!
وكان يتحدث عن النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، فتكلم عن قبر الرسول r وعن دفن الصحابة له، فقال:
(فاجتهدوا فين يدفنوه، إذا دفنوه بالبقيع يتخذ قبره مسجد، أين يذهبوا؟ إذاً قالوا: ندسّه في بيته...)اهـ ([28])
كذا وصف الصحابة رضي الله عنهم عندما أرادوا دفنه r: (ندسّه في بيته)! ولا أدري ما الذي أحوجه إلى التعبير بهذا اللفظ الذي كثيرا ما يستعمل أصله في التحقير والإهانة والذم؟ فقد جاء في كتب اللغة: الدَّسُّ إدخال الشيء من تحته في خفاء، ودسَّه يدُسُّه دَسَّاً إذا أدخله في الشيء بقوة وقهر، ودسا يدسوا نقيض زكا، والدَّسيس: إخفاء المكر والصُّنان الذي لا يقلعه الدواء، والدُّسُس: المراؤون بأعمالهم، والدَّسَّاسة: حية صماء تندس تحت التراب، والدَّسَّاس من الحيات: أخبثها ([29])، وقد استُعمل هذا الأصل اللغوي في القرآن الكريم في موضعين، كلاهما في معرض الذم، الأول: ما أخبر الله تعالى عن ضلال أهل الجاهلية عندما وصفهم بأنهم يئدون البنات وهن أحياء بلا شفقة، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58-59]، والثاني: قوله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10]، قوله: (دسَّاها) أي: أخفاها بالمعصية، وأخملها بترك الطاعة، وقيل: جعلها خسيسة بالعمل الخبيث، وقيل: أغواها وأغراها بالقبيح، وقيل: دسسها في أهل الخير وليس منهم ([30]).
أما زعمه أن الصحابة رضي الله عنهم اجتهدوا في تحديد المكان المناسب لدفنه r، فهذا غير صحيح لأن النبي r نص على المكان الذي يدفن فيه، وسيأتي توضيح هذه المسألة في فصل مستقل ([31]).
وعندما أراد أن يذكر حديثا لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في طاعة ولاة الأمر في المعروف، قال:
(... هذا، خذوا هذا الصحابي، هذا الصحابي عميل؟ عبد الله بن عمرو بن العاص، ماسوني؟ عميل؟ جاسوس؟ ها، الآن اللي يتحدث بمثل هذه الأحاديث عميل جاسوس مخابرات!...) اهـ ([32]).
وقال ايضا في انفعال ظاهر:
(... المسلم حينما يقول كلمة الحق يصبح عميلا وجاسوسا وخطيرا، لعنة الله على، على من، على من أقول؟...) اهـ ([33]).
ومن الأقوال الرديئة للشيخ ربيع قوله:
(... في ضوء منهج الموازنات أئمة السنة كلهم ظلمة خونة غشاشين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، ويحي بن معين والبخاري، وخلاص، يسقط البخاري في ضوء هذا المنهج، ويسقط مسند أحمد بن حنبل، وتسقط كل كتب السنة وكتب الجرح والتعديل، كلها كذب في كذب في ضوء كتاب اسمه منهج الموازنات، إذن يا أخوة هذا منهج باطل، منهج باطل...)اهـ([34]).
كذا قال! ولا أقول إلا: اللهم إني أعوذ بك من الفحش والتفحش.
وفي محاضرة له في أحد المساجد، سخر من سيد قطب -رحمه الله- متشفيا بما فعل الظلمة به، فقال:
(وبعدين سيد قطب حَطُّوه في قفص مثل الدجاجة، لمّا أرادوا أن يذبحوه راحوا ذبحوه، والله ما أخذ السيف مثل عليّ وخالد وراح يخوض المعارك، حطوه عشر سنوات مثل الدجاجة في قفص وراحوا ذبحوه، إيش سوّى، شفت، والله لا ليش ذبحوه، والله وجدوا عنده مخطط لنسف الجسور والإذاعات وقتل الشخصيات، مخطط إجرامي، ذبحوه، لكن الناس طلّعوه شهيد) اهـ([35]).
قلت: هذا الكلام الرديء يترفع عنه كثير من العلمانيين، ولا أظن مخابرات عبد الناصر قالت مثله في النيل من الأستاذ سيد قطب رحمه الله! وأقل ما يمكن أن أعلق به على هذا الأسلوب السافل هو ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في وصف أسلوب الشيخ ربيع، قائلا: إنه في نزول، وأما سيد فقد سما ([36]).
وإني أنصح وأذكر نفسي والشيخ بقول الله تبارك وتعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].
4 - فصل في شدته على خصومه
الشيخ ربيع لا يرحم مخالفيه، بل يقسو عليهم في عباراته، ويتهمهم في نواياهم، ويحكم على سرائرهم وما تكِنُّ صدورهم، ولا يتورع عن إطلاق عبارات شديدة تصل إلى حد التكفير في حقهم، وسأكتفي هنا بذكر مثال واحد من خصومه:
كلامه في محمود بن محمد الحداد المصري:
يُنسب الحداديون إلى المدعو: محمود بن محمد الحداد المصري، وهو من المحسوبين على السلفيين، وكان يقيم في الرياض، ويشتغل بتحقيق كتب الحديث وصنع فهارسها، وطريقته غير جيدة ولا منهجية في التأليف والتحقيق، وله آراءٌ غالية وخطيرة، تميل إلى الغلو الشديد في التبديع، ولا يعتد بمنهج الاعتدال الذي سار عليه الأئمة ابن تيمية والمزي والذهبي ومن نحا نحوهم -رحمهم الله- في مواقفهم ممن نسب إلى البدعة من الرواة والعلماء، وله موقف متعنت في تبديع الإمامين النووي وابن حجر -رحمهما الله- وكان بين الشيخ ربيع ومحمود الحداد علاقة حميمة، وكان الشيخ يثني على الحداد ويوصي بكتابه (عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة) ويصفه بأنه جيد وفيه فوائد، لكن سرعان ما نشب الخلاف بينهما، وصار كل منهما يرد على الآخر ويشهِّر به، ويطلق عليه أنواع التهم، وتحول التآلف بين الطرفين إلى صراع مرير بينهما، وحقيقة الخلاف بينهما أن الحداد كان مطردا في تبديع من تلبس بالبدعة وإجراء أحكام المبتدعة عليه، على قاعدة فاسدة عنده في تبديع كل من وقع في البدعة، وكان يطالب الشيخ بتبديع النووي وابن حجر -رحمهما الله- لأنهما من علماء الأشاعرة في نظره، ويُلزِمُه بتبديعهما بما بدَّعَ به سيد قطب، أما الشيخ فقد كان له منهج انتقائي في التبديع، ثم وقعت حادثة إحراق كتاب: (فتح الباري) لابن حجر من بعض المتأثرين بمنهج الحداد، واشتد نكير العلماء عليهم، لا سيما الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فأراد الشيخ ربيع أن يتنصل من أي علاقة تربطه بالحداد فجعل يتكلم عليه في مجالسه، واشتد الصراع بين الطرفين، فرد الحداد عليه في رسالة بعنوان: (القول الجلي في فِرَى المدخلي)([37])، ورسالة أخرى بعنوان: (الفصل العادل في حقيقة الحد الفاصل) ([38])، يرد فيها على الشيخ في كتابه (الحد الفاصل)، وعلى الشيخ بكر أبو زيد في (خطابه الذهبي)، كما رد أحد تلاميذ الشيخ -واسمه صالح بن عبد العزيز السندي- في رسالة له بعنوان: (التحقيق والإيراد في بيان أخطاء الحداد: ملحوظات على كتاب عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة) ([39])، وقد عرضها مؤلفها على الشيخ فأقرها ورأى نشرها.
أما ما قاله الشيخ في الأشرطة، فمنه قوله:
(منهج الحداد: وهي منبثقة من منهج سيد قطب، الدليل أنهم يرمونا بالإرجاء) اهـ ([40]).
كذا قال، وهو يعلم أن الحداد ضد منهج سيد قطب، والأعجب أنه استدل لذلك بأنه رماه بالإرجاء!
وقال أيضاً:
(الحداديين أظنهم فرع من فروع القطبيين، متسترين، هم من فروع القطبية الغلاة، ولكنهم متسترون، أنا أعتقد أن الحداد قطبي نجس متستر يتظاهر بالسنة وهو كذاب) اهـ ([41]).
والشاهد من كلامه هنا هو قوله: (الحداد قطبي نجس متستر يتظاهر بالسنة وهو كذاب)، كذا قال، وإذا كان الحداد يستحق أن يرد عليه ويفضح أمره ويحذر منه، لكن ليس بهذا الأسلوب وهذه الألفاظ: (نجس متستر يتظاهر بالسنة وهو كذاب)، انظر إلى قسوته البالغة في عباراته، وطعنه في نية مخالفه، وتشبيهه إياه بالمشركين الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
والخلاصة أن الشيخ يتجاوز الحدود الشرعية في النيل من خصومه ومخالفيه إذا كانت لهم أخطاء أو انحرافات سواء كانوا أفرادا أو جماعات، وقد كان الأولى بالشيخ أن يرد على الحداد بتوضيح منهج السلف والتأكيد على القاعدة المعروفة عندهم التي تقول: (ليس كل من وقع في البدعة فهو مبتدع)، دون التعرض للنوايا، والإسفاف في القول، ولكن هذه هي طبيعة الشيخ -غفر الله لنا وله- وقد قيل: الطبع يغلب التطبع!
ويطرد منهجه المتطرف هذا حتى مع المعروفين بالعلم والمشهود لهم بالفضل من علماء ودعاة أهل السنة، وسنورد عباراته القاسية في العلماء والدعاة والجماعات الإسلامية في فصول آتية ([42]).