7- فإن قيل : في القول مشابهة للمرجئة ؛ فنقول :
لقد أجاب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ، وبيّن الفرق ـ كما نقل شيخ الإسلام (7/ 372 ) عن بعض تلاميذ أحمد ـ :
«قلت لأبي عبد الله : فتذهب إلى ظاهر الكتاب مع السنن؟ قال : نعم، قلت : فإذا كانت المرجئة يقولون : إنّ الإسلام هو القول، قال : هم يصيّرون هذا كلّه واحداً، ويجعلونه مسلماً ومؤمناً شيئاً واحداً على إيمان جبريل ومستكمل الإيمان،
قلت: فمن ههنا حجّتنا عليهم؟ قال : نعم »
وفي كتاب « صلة الغلو في التكفير بالجريمة » للأخ الفاضل عبد السلام السُّليمان، بتقريظ الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والدكتور صالح الفوزان : نقلٌ لهذا التفصيل، ثم نُقولٌ أخرى عن الشيخ ابن عثيمين، بعضها بوساطة كتاب «التحذير من فتنة التكفير» (ص 121 ـ 129 ).
8- يوضّح ما سبق؛ ما قاله شيخ الإسلام ـ بعده ـ (7/ 379 ):
«قال محمد بن نصر : فمن زعم أنّ الإسلام هو الإقرار، وأنّ العمل ليس منه، فقد خالف الكتاب والسنّة. وهذا صحيح؛ فإنّ النّصوص كلّها تدلّ على أنّ الأعمال من الإسلام.
قال:ولا فرق بينه وبين المرجئة إذ زعمت أنّ الإيمان إقرار بلا عمل.
فيقال : بل بينهما فرق، وذلك أنّ هؤلاء الذين قالوه من أهل السنّة كالزهري ومن وافقه يقولون : الأعمال داخلة في الإيمان ، والإسلام عندهم جزء من الإيمان، والإيمان عندهم أكمل، وهذا موافق للكتاب و السنة، ويقولون : الناس يتفاضلون في الإيمان، وهذا موافق للكتاب والسنة، والمرجئة يقولون : الإيمان بعض الإسلام والإسلام أفضل؛ ويقولون : إيمان النّاس متساوٍ، فإيمانُ الصّحابة وأفجر النّاس سواء، ويقولون : لا يكون مع أحد بعضُ الإيمان دون بعض، وهذا مخالف للكتاب والسنّة».
9- كلّ ما سبق من توجيه هذه الرّواية عن الإمام أحمد، يصدق على الإمام الشّافعي من باب أولى، لأنّ الإمام الشّافعي ـ رحمه الله ـ لا يكفّر بترك المباني الأربعة، كما قال شيخ الإسلام :
«والذين لا يكفرون من ترك هذه المباني يجعلونها من الإسلام، كالشّافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وغيرهم».
ويستفاد منه :
10- أنّ هناك فرقاً بين القولِ بعدم التكفير لمجرد ترك المباني، وبين إخراجها من مسمّى الإسلام فضلاً عن الإيمان، فتسويتهم بين القولين فريةٌ بلا مريةٍ، راح ضحيّتها الكثير من أهل السنّة النبويِّة.
11ـ وقد يُقال : إنّ المراد بالإسلام - هنا - الإسلام الظاهر الذي لا يلزم منه الحكم بالإسلام الذي يثاب عليه صاحبه، فنقول؟!
لا يقول هذا عاقل، لأنّ قوله : «لا يكفّرون من ترك هذه المباني» حُكْمٌ لهم بإسلام مقبول، ويؤكد ما قاله بعد أسطر من كلامه - عن الإمام أحمد -: «وكذلك التكفير بترك المباني، كان تارة يكفر بها حتى يغضب؛ وتارة لا يكفر بها».
ويوضحه - أيضاً - ما قاله - رحمه الله - عنه - (7/ 259 ) :
«وأحمد إن كان أراد في هذه الرّواية أنّ الإسلام هو الشهادتان فقط، فكلّ من قالها فهو مسلم، فهذه إحدى الرّوايات عنه، والرّواية الأخرى : لا يكون مسلماً حتى يأتي بها ويُصَلِّيَ، فإذا لم يصلّ كان كافراً....».
فهذا لا يقال في الإسلام الظاهر - فقط - دون أن يكون نافعاً لصاحبه في المآل.
وحتى نُطمئن الأخوة القرّاء بما سطرناه هنا، وأنه ليس مجرّد دعوى عارية عن الدّليل، فإنّنا نُحيله إلى ما قاله شيخ الإسلام في «الفتاوى» (7/ 369 ) : «قال ابن حامد في كتابه المُصنّف في «أصول الدّين» : قد ذكرنا أنّ الإيمان قول وعمل، فأمّا الإسلام فكلام أحمد يحتمل روايتين : (إحداهما ) أنّه كالإيمان.
(والثانية ) : أنّه قول بلا عمل .
وهو نصّه في رواية إسماعيل بن سعيد، قال : والصحيح أنّ المذهب رواية واحدة أنّه قول وعمل، ويُحتمل قوله : (إنّ الإسلام قول )، يريد به أنّه لا يجب فيه ما يجب في الإيمان من العمل المشروط فيه؛ لأنّ الصّلاة ليست من شرطه، إذا النّص عنه أنّه لا يكفر بتركه الصّلاة » .
ولكن يبقى أن يقال : إنّ الإمام ابن رجب فهم من كلام الإمام ، أنه أراد بكلامه أن ينص على إجماع الصحابة والتابعين على دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، والإنكار على من أخرجها، وليس تكفير من تركها .
فبَحْثُ : ما الإيمان ؟! غير بحْث: ما الكفر؟! فتأمل!
قال ابن رجب - رحمه الله - (ص25 ) : « فإن قيل: فقد فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بين الإسلام والإيمان، وجعل الأعمال كلها من الإسلام لا من الإيمان، والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان. وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم. وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكاراً شديداً... وقد دل على دخول الأعمال في الإيمان قوله ـ تعالى ـ : }إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِر الله وجلت قلوبهم...{».
فالكلام كله يدور حول دخولِ الأعمالِ في مسمى الإيمان والتدليل عليه بإجماع الصحابة والتابعين.
وقد نص على ذلك الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ في«شرح السنة» (1/ 38 ) :
«اتفقت الصحابة والتابعون فمَن بعدهم من علماء السنّة على أنّ الأعمال من الإيمان.. وقالوا : إنّ الإيمان قولٌ وعقيدة وعمل».
فلا علاقة لكلام الشافعي والبغوي ـ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ـ بحكم تارك هذه الأعمال في الدنيا أو الآخرة، ولكن يستثنى من هذا الخلاف بعض الأعمال التي يكفر تاركها لذاتها، وهي الصلاة - على قولٍ -.
والآن حان موعد آذان : العشاء
بمدينة حاسي مسعود
فتأهبوا للصلاة – يرحمكم الله -
يتبع إن شاء الله