الحمد لله الحمد لله الذي بصرنا بعد غشاوة وشك مرير الحمد لله الذي هدانا للمنهج أئمة الدعوة ، الذي هو منهج سلف هذه الأمة ، وكان مبدأ انتهاج الناس لهذا المنهج في العصور المتأخرة عندما قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بالدعوة السلفية ، والتي تأثر فيها بشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أئمة السلف ، ونشر الدعوة الصحيحة من تبعهم من صالحين الذين بذلوا الغالي والنفيس في نشرها ، والتي نعيش في بركتها إلى الآن ، واستمر الناس على منهج واحد لا يخالفون علماءهم ، وعلماؤهم أيضاً على منهج واحد لا يختلفون فيه أبداً .
ومن أراد أن يستزيد علماً في منهجهم فليقرأ الرسائل التي جُمعت في كتاب الدرر السنية .
وإنما انتشر مبدأ التكفير عن طريق أناس أتوا من خارج هذه البلاد فنشروه بين صفوف الشباب المتحمسين وهم ممن لم تشملهم بركة الدعوة السلفية ، فزرعوا بين صفوف الشباب التحزب الممقوت ، والانتظام في سلك الجماعات الضالة .
وقد خرج شباب من هذه البلاد إلى أفغانستان ، فوجد هناك من يدربهم ويدرسهم ويربيهم على منهج التكفير ، وهؤلاء المدرِبون خرجوا من بلادهم بسبب أذى من حكامهم؛ لأنهم تصادموا معهم ، وكان ينبغي مِنْ كُلٍّ منهم أن يبقى في بلده ، وأن يدعو إلى الله بالتي هي أحسن ، وأن يحرص على أن يبذل جهده في نصح الأمة ، وأن يبذل ما يستطيع من نصح ودعوة ، وأن لا يصادم الذين سيتعرضون له وهم يستطيعون أن يؤذوه ، ولكن منهج الخوارج هو منهج المصادمات والإثارة للفتن والمشاغبات ونصيحة الحكام العلنية والتشهير بهم ونحو ذلك .
فكان أن تصادم أولئك بحكامهم ثم بعد ذلك سُجِنوا وأُوذُوا وطُرِدُوا ، وبعضهم هرب فأصبح عندهم رد فعل من خلال تربيتهم لأتباعهم على هذا المنهج الفاسد من تكفير العلماء، وتكفير كثير من المسلمين ، وتكفير الحكام ، وهم من أجهل الناس في أمور العقيدة والمنهج الصحيح ، فقد يحفظ الواحد منهم بعض الأحاديث وشيئاً من العلم ، ثم يجعل نفسه مفتياً وشيخاً للإسلام ، فيُكفِّر الأمة ويكون هو الذي على الصواب فقط ، فيتأثر بهم بعض الشباب الذين ليست لديهم حصانة ولم يتسلَّحوا بالعلم .
وهذا ما حصل لأولئك الذين حصل منهم التفجير ، فإنَّهم ظنوا أن ذلك هو الحق والصواب ، فأتوا باجتهاد خاطئ لا يُعذرون فيه لأنهم لم يلتفوا حول العلماء ، ومِن الضروري الالتفاف والقرب من نصحاء الأمة ، وعدم البعد عنهم فعن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البركة مع أكابركم ، وهذا الحديث رواه ابن حبان والخطيب والقضاعي وأبو نعيم بسند صحيح ، لكن للأسف الشديد أفهموهم أن مثل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كافر لما يعلمونه من صحة منهج الشيخ ، وأنه على منهج مشايخه مثل الشيخ محمد بن إبراهيم ، والمشايخ الذين [ص-24] قبله إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى ابن القيم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الأئمة الأربعة إلى سلف الأمة إلى التابعين إلى الصحابة وهو المنهج الصحيح السليم ، وخافوا أن يرجع أولئك فيسألوا مثل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ويُبيِّن لهم أنهم على باطل ، فأقنعوهم أن سماحته كافرٌ ، وأنه لا يُقبل منه فلهذا ابتعدوا عنه .
وما أشبه اليوم بالبارحة فقد كان الخوارج زمن عليٍّ رضي الله عنه يظنون بل يؤمنون بأنهم على صواب وأن ما يفعلونه إنما يفعلونه تقرباً إلى الله - سبحانه وتعالى - ففي النهروان كانوا يقولون : لا حكم إلا لله ، الرواح .. الرواح إلى الجنة ، وقال أبو أيوب : وطعنت رجلاً من الخوارج بالرمح فأنفذته من ظهره ، وقلت لـه : أبشر يا عدو الله بالنار ، فقال : " ستعلم أيُّنا أولى بها صِليًّا " .
فانظر كيف ثبات هؤلاء وصبرهم عند اللقاء وإيمانهم الشديد بما يعتقدونه مع أنهم على ضلال كبير حتى حين خروج أرواحهم .
وهذا سبب هام من أسباب وقوع الفتن ، ومن أسباب الضلال ، وهو الالتفاف حول أنصاف المتعلمين ، وترك العلماء الذين لهم ستون وسبعون وثمانون سنة في العلم والتعلم عن مشايخهم وفى قراءتهم للكتب والتعليم وفهمهم للمنهج الصحيح ، فمن يلتف حولهم ويأخذ بأقوالهم فإنه - بإذن الله - سينجو .
أما الذي يبتعد عنهم ويجتهد ويعتمد على معرفته بأحاديث قليلة ، أو على نصيحة بعض من يجهل كثيراً من العلم فهذا - والعياذ بالله - يضل ، ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : البركة مع أكابركم قال المناوي في فيض القدير شارحاً لهذا الحديث : " البركة مع أكابركم المجربين للأمور المحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم ".
وإن كنّا نعتقد أن لا معصوم إلاّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن كل أحد يُؤخذ من قوله ويُرد ، وأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم عندنا على الرأي وعلى الذوق والاستحسان والمصالح المتوهمة المزعومة .
واستمع إلى قوله تعالى وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)( سورة النساء الآية 83) .
بارك الله فيكم