ـ المقطع الثاني ـ
فيا مريم محمد النجار أو ريم كما نُبِّهت من قبل ،فالناظر في إسمك يتضح له أنه مكون من إسمين هذا بعد تنحية الكنية " النجار" أول الإسمين إسم مريم فأول ما يتبادر في أذهاننا لما يذكر هذا الإسم ؛إسم مريم بنت عمران الطاهرة العابدة التي اصطفاها الله على نساء العالمين لزهدها وشرفها وعبادتها فلم يخترها الله عبثا قال الله تعالى "إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " مريم التي أحصنت فرجها وصدقة بقدر الله وحكمه قال الله تعالى "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين " مريم التي خافت لما رأت رسول ربها حين تمثل لها بشرا سويا لما انتبذت من أهلها مكانا شرقيا " إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا " فهذا حال العفيفات وفي قولها وقفتان متصلتان أولهما أنها و في حين خوفها ذكرته بالله أولا وخوفته به تعالى وهذا لحكمتها و ترزنها وهذا هو المشروع فالدفع يكون بالأسهل فالأسهل كما ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره ؛ فرجوعها إلى الله في حين الشدة فهذه هي الوقفة الثانية ولهذا دلالة قوية على وجود رب سميع مجيب يكشف الضر.
فهذا حال المشركين أو الملحدين قال الله تعالى واصفا حال هؤلاء "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون "
بل فرعون الذي طغى واستعلى فرعون الذي ادعى الألوهية فقال في حين قوة "يا أيها الملأ ماعلمت لكم من إله غيري "فجاء بإفك وظلم عظيم ؛ رغم ذالك الله أمهله وصبر عليه بل دعاه فأرسل إليه هارون وموسى "اذهبا فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى " سبحان الله رغم ذاك يدعوه الله برحمة ولين ولي هنا وقفتان أقدم واحدة وأخر الثانية إلى حين وقتها ؛ أما الأولى فصبره تعالى وحلمه على من جعل نفسه ندا له تعالى؛ فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عظمته وقدرته ؛ فصبره تعالى جاء مع قدرته على الانتقام " أليس الله بعزيز ذي انتقام " وهنا تتجلى عظمته ؛فالواحد منا إذا ضاق صدره أو أغاضه غيره رغم عجزه سعى لتفريغ حقده ومكنون صدره وما تحويه نفسه فيتغير لونه ويسمع له خوار كخوار عجل السامري ؛ فشتان بين الصبرين"لَيس كمثْله شيء وهو السميع البصير"
أما فرعون الذي لم ينفع معه لا ترغيب ولا ترهيب ـ فهذا هو المشروع الدفع والدعوة بالأسهل فالأسهل أيا دعاة التنفير ـ جاءه بأس ربه " واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين " "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "لكن عندما أحس بطش ربه وأدركه الغرق قال:" آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " فانتقل من موقف الإلحاد والكفر والطغيان إلى موقف الضعف والإيمان والتصديق لكن الآن يا فرعون الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين فهذا حال الكثير من من اتخذوا أهوائهم آلهة لكنهم يعلمون في قرارات أنفسهم أن لهم ربا وأن لهم خالق فالله المستعان
أما بخصوص الشطر الثاني من اسمك " محمد " فأيضا أول ما يتبادر إلى أذهاننا لما يذكر هذا الإسم ؛ إسم حبيبنا ورسولنا وخليل ربنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة ؛رسول البشرية الذي بعثه خالقنا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور فخرج من خرج وبقي من بقي ؛العيب ليس فيه صلى الله عليه وسلم بل العيب فينا نحن فمن أطاعه نجى ومن عصاه خاب وخسر رسولنا الذي لو تكلمنا لوصف حاله التي لا تخفى على عدو ولا حبيب لعجزنا فهو خير الخلق كلهم فاللهم ارزقنا شفاعته ورفقته يا أرحم الراحمين
فالعجيب والغريب في إسمها أنه حوى إسمين لشخصين عظيمين أكيد هناك فرق بينهما فرسولنا خير الناس ؛قد يكون هناك تفاوت قد يكون هناك فاضل و مفضول وهذا من المسلمات لكن بينهما أمور متشابهات مثلا التصديق والحياء فكلاهما صدق وآمن بالله تعالى ؛فمريم صدقة بربها وبآياته "فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين " وكذالك نبينا صدق ربه وآمن به و كان له عبدا ورسولا "والذي جاء بالصدق وصدق به "
وحتى الحياء جمعهما فمريم لما بشرت بغلام أخذت تدافع عن شرفها " قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا " ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أشد حياء من العذراء في خذرها، وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه صلوات ربي عليه.
لكن من المفارقات والتناقضات أن "مريم محمد " تجردت من الخصلتين التصديق بالله والحياء المطلق ؛ وأما الدلالة على أنها لم تصدق ما شوهد عنها من تعاليق قاطعة لذلك الحبل الوثيق ولذالك الأمر المسلم ؛ فتجرأت على الله ولا أريد أن أقول ما قالت مخافة إنتشار الفتنة لكنها لن تضر الله شيئا " إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم " فتعالى الله عما تصف ؛ ثم انتقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت في حقه ما قالت فسبحان الله فهاهي الأحداث تعيد نفسها ؛ وقد قالها ورقة بن نوفل منذ زمن قالها لنبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقولها لأتباعه بل أقولها وأسمع بها الناس أجمعين لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي فهذه عداوة ظاهرة ؛ ظاهرة بظهور الحق فهي إذن حرب متوارثة بين الحق وأهله وأهل الباطل ؛ فنبينا قد استهزئ به من قبل لكن ماضره ذالك وما نقص من عزيمته شيئا وقيل فيه ساحر ومجنون فصدع بما أمر وأعرض عن المشركين وكفاه الله تعالى المستهزئين.
أما ما يفيد عدم استحيائها فكلامها الخالي من الحياء ؛ كلام فيه فحش كلام ربما يستحيي المرء أن يذكره وهو خال مع نفسه فكيف إذن يصدع به أمام الملأ فالله المستعان ، بل ما زاد إيضاح أنها لا تستحيي وأنها ليست على خلق تلك الصورة فانظروا كيف فضحت نفسها وكيف أخرجت للعرى ما تضمره من سوء ؛ الصورة كالتالي : امرأة نحسبها كذالك ملحفة بنقاب سبحان الله لباس يرمز للعفة والحياء هذا أصله لكن الله قال " وتخفي في نفسك ما الله مبديه " فأبدى الله سوءتها وبين نوعيتها فماذا فعلت فوق ذالك اللباس وضعت فوقه لباس داخلي فما أغنى عنها لا نقابها ولا سوادها
لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التقى ***تجرد عريانا ولو كان كاسيا
؛مكرت ومكر الله والله خير الماكرين
يتبع إن شاء الله ......