احداث الحلقة الماضية، بعد أن اعطى الشيخ الكتاب للفتى ، وقال له أن السعادة الحقيقة هي في فهم المستقبل، وسر السعادة هي في قراءة هذا الكتاب العجيب، وحين بدأ الفتى في القراءة وجد نفسه في مكان بداءي لا توجد فيه أي معالم للحضارة والتحضر، لكنه وبعد حوار مع معلم التاريخ اكتشف انه في المستقبل ، لتبدأ هنا احداث الحلقة الثانية والأخيرة
المعلم لم يصدمه قول الفتى ولا ردة فعلة، فهو يتوقع أي شيء؟، وقبل أن يتأثر بحدوثه يضرب قدمه على الأرض، طلب المعلم من الفتيان الخروج دون هذا الشاب المزعج فخرجوا،ثم طلب منه الاقتراب والجلوس ففعل،- أنت مثلهم أردت أن تروي ظمأ فضولك،-لم أفهم، تابع المعلم حديثه غير مبال بالشاب،-معرفة مصيرك لن تزيدك ان لم تنقصك، إن علمك بمرضك في مستقبلك لن يزيدك سوى خوف وحزن انتظارا مرضك الذي تتوقعه، -أنا في مستقبلي؟، نظر المعلم إلى الشاب نظرة استخفاف بعقله ونظرة اتهام وكأنه تطفل على عالمه لكي يسرق منه شيئا،-أجل أنت في حاضري، فقال مدافعا عن نفسه، -أنا يا سيدي لم اطمح الى معرفة مستقبلي فقط ،وإنما مستقبل الانسانية وهذا فضول أعظم،الفرد صورة مصغرة للمجتمع، والتطلع الى مستقبل مجتمعك أعظم تهورا ،ان كان بوسيلة تنافي الطبيعة،-كيف تكون محاولة كشف الغيب تهورا؟، -ألم يقل فولتير في روايته"كانديد" على لسان مارتان"، لنعمل دون تفكير، ذلك خير سبيل لجعل الحياة محتملة"؟، صدقني يا بني،لو اطلعت على الغيب لاخترت الواقع فلا تبحث عن تغيير ما يجب أن يكون، -ولكن الإنسانية لا تنام في طمأنينة خوفا من مستقبلها، أنا أريد أن أنام قرير العين فلا تلمني،-أترى أن معرفة مستقبلك ستجعلك سعيدا؟ كم أنت ساذج يا بني،-فليكن، ولكني مقتنع برأيي،-المرء حين يشنق نفسه تكون نهايته الموت أليس كذلك؟، -ما في الامر شك،-هل تقدمون لأنفسكم في زمنكم غير الشنق؟،- هل تسمي الراحة شنقا؟، لم يجبه هذه المرة، فإنه كما يقولون إذا أردت أن تفحم عالما فأحضر له جاهلا، فقفز به الى نهاية المراد لكي يرحل عنه في أقرب وقت، -تريد أن تعرف مستقبل الانسانية؟،-نعم،- ضحك في سخرية وقال ،-تذكرني بجهلاء قومنا يقصدون دوما العرافين لكي يكشفوا لهم الغيب، -العلم عندنا ما عاد يصدق خزعبلات العرافين يا سيدي، -والدليل هو أنت أليس كذلك؟،-كيف؟،-لو كنت تؤمن بما يقوله العلم عندكم حقا إذن لرميت بهذا الكتاب قبل ان تصدق ما قاله لك ذلك الشيخ، وفهم الشاب أن المعلم يقصد أن اهتمامه بالكتاب العجيب كاهتمام الجاهل بعرافه،لا فرق بينهما،اكمل الرجل كلامه الأخير مع ضحكه الساخر على العرافين،-أتريد معرفة نهاية حرب الحضارات التي تعيشونها خلف ستار حوار الحضارات؟، سكت الشاب كأنه بدأ يفهم ماذا يقصد المعلم المنهمك في حديثه ،-وانتشار التقنية، وسيطرة العولمة، وفساد الأخلاق، والتلاعب بالقانون،وتغيير الطبيعة تمردا عليها؟، -لكل سجادة جميلة حواشي وأنت يا سيدي تنظر إلى الحواشي فقط، -بل لكل زبالة متعفنة صندوق قمامة نظيف من الخارج، -طمحتم إلى قمة الهرم العلمي الذي تتسلقونه من أجل إعلان ألوهيتكم؟،إنكم تتسلقون الهرم المقلوب فتصعدون بعلمكم الى سفح الجهل ، ويا له من تناقض يا بني حين يصير العلم جهلا لتفاهة استغلالكم له، -لماذا تتجاهل أبنيتنا الفخمة؟،-وما تجاهلت القلوب المحطمة الساكنة فيها، -لماذا تنكر مدننا المتحضرة؟،-وما أنكرت بؤر الجرائم فيها، -ومصانعنا العظيمة..؟،-وهواؤكم الدخاني ومياهكم السوداء ما نسيتها، -قد صعدنا إلى قمة المادة ووجدناها،-وجلستم على مقابر الروح وأضعتموها، قد مات الانسان فيكم يا بني، وما انتشار الامراض النفسية بينكم بسبب فراغكم الروحي إلا صورة لهدم التلاحم الانساني بينكم، عدل المعلم من جلسته مرة أخرى ، لأنه كان منسجما غاية الانسجام في الموضوع فعاد يقول ضاحكا :-خدعوك يا بني في أفلامهم الامريكية حين صوروا لك أن العالم في قمة سعادته حين يصير سيد المادة، فإن المرء حين يموت لا فائدة من قلادته العاجية ولا من خاتمه الذهبي ولا لباسه الحريري،الانسان فيكم يموت فما الفائدة من أن تمشط له حتى شعره؟، -يكفــــــي قالها الشاب في تذمر فرد عليه المعلم في هدوء، -اغماض عينيك لن يوقف السيارة من الاصطدام بالشجرة، -ولكني لا أصدق المستقبل عاد كما ماضينا،الانترنت الدبابات القنابل الذرية الكهرباء السيارات،كل ما انتجه العقل البشري ،قاطعه المعلم مكملا ، -سينجلي،-كيف يمكنني ان أصدق أننا سنكون كحضارة أطلنتك المجهولة التي وصل فيها علماؤها الى أوج ما يمكن الوصول اليه من علمهم وذكائهم ،ثم طواها الفيضان الأعظم وتفرق العلماء حينها في كل بقاع الأرض ونشروا حضارتهم بنسب متفاوتة، تبسم الرجل في حسرة وقال :-إن كانت قصة أطلنتك حقيقة فعذرهم أن قوة خارجية دمرتهم أما قصتكم انتم فهي أعجب، حيث تصرون على قتل أنفسكم، يا بني عد الى زمانك فقد صدق تنبؤ اينشتين حين قال "لو قامت الحرب العالمية الثالثة فستكون الحرب التي تليها بالرماح والسيوف"،قد عادت البشرية الى خيولها وسيوفها، وبعد صمت حاول الشاب اجترار كل ما قيل وكل ما عاشه ابتدأ الأمر يتضح له بجلاء ثم قال ،-الآن علمت أن الشيخ الذي حرضني على المجيء قد كذب حين أخبرني أنه تيقن من أن السعادة في التطلع الى المستقبل، -من المفرح أن تتعلم بسرعة،-أتعلم يا سيدي أني تعلمت اليوم أن السعادة ليست في العلم وإنما في فهم هذا العلم وحسن استغلاله، فكاذب العالم ان ادعى ان علمه سيسعد البشرية مهما تقدم الزمن ان لم يحسن استعماله المستعمل،-صدقت،-و العلم مخطئ بخياله ان ادعى انه سيجلب السعادة، لأن السعادة ليست غاية ،وإنما طريق نمضي فيها في كل خطوة، نحتاج فقط الى وعي ما حولنا وعيا صحيحا لنعي سعادتنا، تبسم الرجل تبسم الأب الراضي عن ابنه ثم قال،-أحسنت،و بعد ان علمت كل هذا وجب عليك الرجوع الى زمنك وحاول ألا ترسل احدا الى هنا كما فعل من سبقك ،لأن من سترسله الى هنا سيكون ضحية كما كنت انت ضحية، -ضحية؟ كيف؟،-حين ستعود الى زمنك ستجد نفسك شيخا ولن تجد فرصة الرجوع الى شبابك ،هذا إلا بعد ان تقتنص فتى في مثل عمرك وتقنعه بقراءة الكتاب لتعود انت الى شبابك ،ويدخل هو المغامرة التي دخلتها أنت ومن سبقك، لم يصدق ما سمع ففتح الكتاب الذي صاحب رحلته الزمنية وأخذ يكمل قراءة الكتاب في ريبة من أمره فوجد مكتوبا ما أخبره به المعلم، وحينها اختفى هو وكتابه، و نادى الرجل الفتيان أن ادخلوا لأكمل لكم درس حضارة انتحرت،
****وقف شيخ كالثلج شعره بياضا حين أقبل نحو فتى يقول له،-لا تخف يا أخي،-أخوك؟ أنت بمثابة جدي أيها الشيخ،رسم على شفتيه ابتسامة تجريدية تحمل أكثر من معنى ، وقال في هدوء أكبر،-كلانا على صواب وليس فينا مخطئ، لكن دعك من هذا فغايتي ليست دراسة الأعمار ولكن ما يمكن ان تحمله لنا أعمارنا من سعادة، خذ هذا الكتاب واقرأه وستكتشف ما تبحث عنه، سلم الشيخ الكتاب للفتى وأصر أن يختفي بين المنازل متجاهلا نداءات الحيرة التي وضعها فجأة على قلب ساذج يبحث عن سعادة، تفحص الفتى الكتاب جيدا من غلافه وكأنه يعرفه مسبقا وتبسم في خبث قائلا،-مصائب قوم عند قوم فوائد، الحمد لله أني نجوت من الشبكة سالما وعدت إلى شبابي، وقد حان لهذا الكتاب أن ينتهي سره، وابتعد عن المكان مسرعا وفي نيته أن يقدمه للنيران كي تقرأه...؟
وسحقاً لكل سراق النصوص الأدبية