مقتطفات من الكتاب
والمتدبر للنصوص القرأنية في أمر الحواريين يجد الخطاب أطلق مسماهم من قبل تبنيهم قضية الإيمان بالمسيح ونصرته,وهذا لايحدث إلا إذا كان ذاك مسماهم من قبل .
قال الله سبحانه:-(وإذ أوحيت إلي الحواريين أن أمنوا بي وبرسولي قالوا أمنا واشهد بأنا مسلمون ) المائدة (111) فأياً كان نوع هذا الوحي فهو دليل واضح علي قدر هذه الطائفة العظيم عند الله سبحانه لما عندها من صلاح وهدي,وهذه الأية دليل واضح علي أن هذه الطائفة الحوارية قائمة بشريعة الله (التوراة) صالحة ومؤمنة بالله سبحانه بالفعل من قبل دعوة المسيح عليه السلام .
ففي صفحة 116 بكتابنا هذا لإنجيل قمران,نجد بيان بأن المعلم جاء للتمسك بوصايا التوراة ولذا تمسك بجماعه الطائفة هذه حيث يقول (ولقد تطهرت حتي لاأنحرف عن وصاياك ولاأبتعد,فلقد تمسكت بجماعتك حتي لاأبتعد عن أي بند من بنود شريعتك) فهو قد تمسك بهذه الجماعة لكي يقيم شرع الله سبحانه وينصره .
(ياأيها الذين أمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسي بن مريم للحواريين من أنصاري إلي الله قال الحواريون نحن أنصار الله فأمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين أمنوا علي عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) الصف (14)
والأن فلنذهب للسان العرب لنري معني ( الحواريين )وهل لها ظل ومعني فى مخطوطات البحر الميت وإنجيل قمران ؟
ففي كتاب الدكتور ميشيل إسحاق "المعاني الفلسفية في لسان العرب " لنقرأ في الصفحة 41 مايلي :"التحوير يعني التبييض فقط,وذلك لإن التبييض نتيجة الحور,والحوارى بمعنى الدقيق الأبيض,كونه روجع في تنقيته حتى صار نقيا خالصاً " والحوارى بمعنى الناصع وأصله : الشيء الخالص " وهو من معنى النقاء " وفي وسط وشمال سورية كان حتى الستينات من القرن الماضي,يجري في تلك المناطق طقساً سنوياً يتم فيه التحوير,أي تبييض الجدران الخارجية للدور بالحوارى وجدران البيوت الداخلية بالحوارى النقية,الأكثر بياضاً أي تجديد ما صار بالياً ولا ينصلح إلا بتحويره,ولقد سمي أصحاب المسيح بالحواريين لأنهم انقياء من العيوب مخلصين وسميت الحورية من الجنة بهذا الاسم لإبداع تكوينها,ولأنها خالية من العيوب صافية ونقية بيضاء كالحوارى(يعني الدقيق الأبيض) كماذكرنا من قبل,ولذا يمكننا القول كذلك أن " الحوار تعبير عن أفكار وأحاديث تدور حول أمر ما,لإكتشاف الخطأ والصواب فيه " وبذلك نكون قد عدنا إلى معنى التنقية ثانياً,وهي تنقية عقلية ومنها دُعي العقل بالأحور,فالحوار من معنى غربلة الأفكار وتنقيتها بالترداد العقلي عليها,والدوران حولها لإنتزاع الخطأ منها.
-------------------------------------------------------------
ومع فقدان لغة اللسان الآرامى الفلسطينى العربى القديم,ضاعت معالم دعوة المسيح بين الناس,فلم يعد هناك تمييز وفهم سليم لمعانى الكلمات السامية ذات اللسان الآرامى,فعلي سبيل المثال هناك عائلة لغوية لأسماء عدة تنسب إلى إله السماوات السبع الذى كان يطلق عليه أجدادنا بلسانهم العربى والأرامي القديم إسم إيـل,وكثيرا من أسماء هذه العائلة يعود إلى تاريخ ما قبل التوراة,وقد أرجع القرآن الكريم بعضها إلى زمن أبو البشر آدم,فمثلا نجد أنَّ أسماء ابنى آدم هابيل و قابيل يمكن كتابتها هكذا للتوضيح ( هاب ـ يل ) و ( قاب ـ يل ) مع ملاحظة أنَّ المقطع ( يل ) هــو اسم الإله إيل عند الإضافة همزة التعريف,ثم نجد أنَّ نبىّ الله إبراهيم r قد أطلق على ابنه البكر اسم إسماعيل أى ( إسماع ـ يل ) ثم حفيده يدعى إسرائيل أى ( إسراء ـ يل ) ومن المعلوم أنَّ إبراهيم r كان آراميا حسب قول التوراة,وأنَّ إسماعيل هو جد العرب المستعربة .
ونجد من أسماء ملائكة الله الأسماء الآتية : جبريل ( جبرـ يل ) وميكائيل ( ميكاء ـ يل ) و إسرافيـل ( إسراف ـ يل ) وعزرائيل ( عــزراء ـ يل ) .
وهذه الأسماء الثمانية من البشر ومن الملائكة لا يعرف عنها شئ فى التراث اليونانى الوثنى إلا من خلال ترجمة الأسفار اليهودية,إضافة إلى أنَّ نبىّ الله إبراهيم r لا يزال يدعى عند المسلمين والنصـارى واليهـود بأنـه خليـل الله والاسم خليـل يمكن كتابتـه أيضا على الصورة ( خل ـ يل ) أى خِلُّ الله بمعنى صَفّى الله فى حالة كون يل هو من أسماء الله فى اللســان العربى القديم,وعند قراءة أسفار العهد القديم اليهودية سوف نجد بضع عشرات من أسماء تلك العائلة لأسماء أشخاص وأسماء مواقع وبلدان أخترت منهم هنا قدرا يسيرا .
فمن أسماء الرجال نجد أنَّ هناك رجلا عربيا من أهل الشمال يدعى أبيئيل ( أبى ـ إيل ) مذكور فى ( 1 صم 9 : 1 ،14 : 51 ؛ 1أخبار 11 :32 ) وهناك رجل عربى من أقصى الجنوب العربى يدعى أبيمايل ( أبيما ـ يل ) مذكور فى ( تك 10 : 28 ؛ 1 أخبار 1 : 22) . وهناك أمير عربى شمالى يدعى زبديئيل ( زبدى ـ يل ) مذكور فى ( المكابين الأول 11 :17)وهناك عدة من الأسماء الإسرائيلية مثل : راحيل ( راح ـ يل) و رفائيل( رفا ـ يل) وصموئيل ( صمو ـ يل ) و عِمّانوئيل ( عمانو ـ إيل ) و ميخائيل ( ميخا ـ إيل ) و حزقئيل ( حزق ـ إيل ) و يزرعيل ( يـزرع ـ يل )ومن أسماء الأماكن نجد :قبصئيل( قبص ـ إيل )ومجدل إيل ونحليئيل( نحلى ـ إيل) إلى غير ذلك من أسماء عدة لا داعى لذكرها كلها,وحيث أنه قد تم التعرف على أكبر حشد من عائلة الأسماء التى تنتهى بالمقطع ( إيل أو يل ) المعبر عنه فى الترجمات العربية لنصوص الكتاب المقدس بلفظ الجلالة الله . فلا غرابة فى انتماء الاسم إنجيل إلى هذه العائلة اللغوية وخاصة أنَّ المسيح u قد نشأ وتربى فى هذه البيئة الأرامية الشرقية النابع منها أسماء هذه العائلة بدءًا من أبناء آدم ( هاب ـ يل ) و( قاب ـ يل ) مرورا بخليل الله ( خل ـ يل) وابنه( إسماع ـ يل ) ثم حفيده ( إسرا ـ إيل ) ثم انتهاءً بـ ( عمانو ـ إيل )وعلى ذلك الانتماء اللغوى الأرامي العربى للمسيحية الأولي بمخطوطاتها الأرامية السابقة,ولكن بعد ذلك سقطت مكانتها للغة اليونانية التي سيطرت علي المسيحية من بعد,فيمكننا من خلال ذلك قراءة الاسم إنجيل هكذا ( إنج ـ يل ) بدون تكلف منا,فلنبحث الآن فى معنى العبارة وفق ما سمحوا لأنفسهم فى تفسير عائلة الأسماء السابقة,فمعنى الكلمة إنج فى اللسان العربى الذي هو صورة من صور اللسان الأرامي من حيث النطق لا الحروف المنقوشة,هذه الكلمة ستكون إمَّا من الجذر ( ن ج و ) بتخفيف الجيم بمعنى المناجاة,وإمَّا أن تكون من الجذر ( ن ج ى ) بتخفيف الجيم بمعنى النجاة,وحيث أنَّ الكلمة الثانية (يل) تشير باعتراف الجميع إلى الله سبحانه وتعالى,فسيكون بالتالي معنى كلمة إنجيل بكل يقين هو ( مناجاة الله أو نجاة الله ) تبعا لقانون تبادل الياء والواو فى اللغات السامية,بمعنى أنَّ القارىء فى ذلك الكتاب يناجى الله,أو أنَّ المؤمن بذلك الكتاب ناج من عذاب الله,وقد تعني كلمة إنجيل نفس قصة المسيح المعني بها (نجاة الله له) من محاولات قتله المتعددة من قبل اليهود كماقصت (تراتيل الحمد والشكر وباقي مخطوطات البحر الميت) كماسنري,وكلمة النجاة هنا هى أصل كلمة خلاص والمخلِّص عند إخواننا المسيحيين,وعلى ذلك يكون الإنجيل هو ( كتاب خلاص الله ) للبشر أو ما شابه ذلك من معان,ومن أصرَّ من القوم على القول بأنَّ معنى كلمة إنجيل هو البشارة فأقول له مهلا إنَّ ( كتاب خلاص الله ) لعباده هو فى حد ذاته أكبر بشارة,وإنَّ( كتاب مناجاة الله ) لعباده هو أعظم من البشارة ذاتها,فمناجاة الله لعباده لهو أفضل شىء للمؤمنين